كتب ريتشارد سبنسر مراسل صحيفة "ديلي تلغراف" االبريطانية، معلقا على الانتخابات الرئاسية في
مصر: "بينما تذهب مصر التي تعاني مرارة الانقسام يوم الاثنين للانتخابات للمرة السادسة من الثورة، قابلت الحشود المتحمسة في المناطق المؤيدة للعسكر في القاهرة لا مبالاة ويأسا في البلدات الريفية التي فقدت أبناءها في حملة
قمع الإسلاميين".
ونقل عن السيدة رضية حسين محمد، وهي أم مطلقة، وابنها الوحيد أحمد (15 عاما) محكوم عليه بالإعدام: "ماذا تعني الانتخابات بالنسبة لي؟"، وكان ابنها عمره 14 عاما عندما اعتقل إثر مظاهرات عمت قرية العدوة الصيف الماضي، وأصبح الآن واحدا من 683 حكم عليهم بالإعدام.
بينما قالت أسماء ممدوح التي حكم على زوجها الأستاذ الضرير بالإعدام مع أنه فاقد للبصر تماما، وأنكر تواجده بالقرب من المكان الذي وقع فيه قتل الشرطي: "لن أصوت، فليس هناك مرشح جيد لأصوت له على أي حال".
ولكن في القاهرة وبعض المدن الأخرى، كانت هناك مظاهر شبه هستيرية مؤيدة للمشير عبدالفتاح
السيسي الذي يعتقد الكثير بأنه سيعيد لمصر عصرها الفرعوني الذهبي من اعتزاز قومي ونهضة اقتصادية.
وقامت السيدات المؤيدات للسيسي بالغناء والرقص أمام مركز الاقتراع الذي ذهب إليه السيسي في منطقة هيليوبوليس الراقية، بالقرب من القصر الجمهوري الذي سيحتله قريبا.
قبل عامين صوت المصريون بحماس في أول انتخابات رئاسية، وكانت النتيجة قريبة جدا، ولكن يتوقع أن ينجح السيسي في هذه الانتخابات بهامش كبير، وخاصة أنه يحظى بدعم الجيش والشرطة والأمن والإعلام.
كما أنه لو حدث وحصل منافسه الوحيد اليساري حمدين صباحي على 15% من الأصوات، فإنه سيتم اعتباره قدحقق نجاحا باهرا.
ويرى سبنسر أنه قد تم التخطيط لفترة طويلة لوصول السيسي إلى السلطة، وهو يسعى الآن بشكل حثيث نحو الهدف، مشيرا إلى اختيار قيادة الجيش واختيار مرسي له ليكون وزيرا للدفاع، غير أن السيسي قام بالانقلاب على مرسي الصيف الماضي بحجة الفوضى التي كانت البلاد تنزلق نحوها.
ولكن أحداث ما بعد 14 آب/ أغسطس تركت جروحا غائرة في المجتمع، حيث قتل الجيش والشرطة أكثر من 1000 محتج على الانقلاب في القاهرة، وقامت أعمال شغب في الريف المؤيد للإخوان المسلمين، حيث تم حرق مكاتب الحكومة والشرطة والكنائس.
ويقول سبنسر إن "كثيرا من الناس يعتقدون أنه كان من الضروري للجيش أن يثبت سلطته، ولذلك فإنهم سيكافئون السيسي بمنحه أصواتهم بالرغم من المقاطعة التي دعا إليها ما تبقى من الإخوان والليبراليون واليساريون. وهؤلاء يضمون نخبة العلمانيين في مصر، بالإضافة إلى طبقة ريفية من الصعب تفريقها عن قاعدة تأييد الإخوان".
لكن عبداللطيف حازم يقول إن ابن عمه محكوم عليه بالإعدام في أحداث العدوة، ولكنه هارب، ويضيف أنه بالرغم من ذلك فسيصوت للسيسي: "لم يكن هناك أي مشكلة بيننا، إنه اختلاف بالرأي فقط ولكن بالنسبة لي فأنا لا أؤيد الإخوان فهم لا يمثلون الاسلام الحقيقي، ولكنهم يستخدمونه للوصول للسلطة.. السيسي بالنسبة لي يلتزم بكلام الله ولديه الإمكانية لينهض بمصر، أما بالنسبة لابن عمي فكان متطرفا وبلدنا بلد قانون، وإن كان عليه أن يواجه العدالة فليكن".
ويستدرك بأن "مراكز الاقتراع في العدوة كانت هادئة، وليس فيها الطوابير التي شوهدت في انتخابات سابقة، ومن يعيشون فيها هم في غالبيتهم من الكهول والشيوخ، وحتى ضابط الشرطة الذي يشرف على المركز يقول إن عدد المقترعين أقل بكثير من انتخابات 2012".
ويتحدث التقرير عن الشباب الذين قل ما يسمع صوتهم، وأنهم نافرون من الجيش ومن الإخوان في آن. فمصطفى رمضان، الأستاذ الضرير المسجون كان سجن من قبل بتهمة الانتماء للجماعة الإسلامية وبعدها انضم للإخوان لعدة سنوات، وإبنه عمرو البالغ من العمر 19 عاما، قال إنه لا علاقة له بالإخوان المسلمين وقال إنه يريد أن يصوت لصباحي، مضيفا أن السيسي يمثل قوى القمع ولكنه لم يتفق مع الإخوان في مقاطعة الانتخابات.
ويستمر
التصويت حتى نهاية الثلاثاء (وهناك حديث عن التمديد ليوم ثالث)، وغالبا ما ستظهر النتائج غير الرسمية يوم الأربعاء ويتم تأكيدها بعد أن يصادق القضاة على العد وبعدها يستلم السيسي الدورة الأولى من رئاسته المكونة من دورتين على الأكثر.
وسيأمل السيسي أن تصل أعداد الناخبين إلى نسبة يستطيع معها ادعاء الشرعية وبعض البحبوحة الاقتصادية، ليتمكن من الإصلاحات دون وقوع انتفاضات أخرى. وقد قامت الحكومة بمنع التظاهرات مثل 2011 احتياطا.
ولكن مسألة ما إذا كان السيسي قادرا على حل مشكلة الفقر والتي تقسم المجمتع المصري، فهي مسألة أخرى.. فبينما ينتظر أحمد ابن الخمس عشرة سنة حكم الإعدام في الزي الأحمر تتدبر أمه معيشتها ببيع البندورة في الشارع.
وكان عمر أحمد 14عاما عندما وقعت الأحداث بالقرب من المكان الذي تبيع فيها أمه البندورة على الرصيف، وذهب ليرى ماذا حصل بحسب قولها وتم اعتقاله دون تحذير بعد ثمانية أشهر، وتمت إدانته وحكمه بعد ذلك بأسبوعين.
وغالبا ما يتم تخفيف الحكم، عندما تتم مراجعة المفتي للحكم.
البعض يظن بأن السيسي سيقوم بإلغاء الأحكام، ولكن أم أحمد لا تصدق أيا من هذا الكلام وتقول: "أدعو الله كل يوم، أحمد مجرد طفل، رأيته يكبر وأخذوه مني والآن يلبس بزة الإعدام الحمراء، ويعتقد أنه سيعدم في أي لحظة.. فكيف يمكن لي أن أقول له أن لا يخاف؟".