كتب عماد الدين حسين:
أغلب الظن أن معظم من سيكتبون عن قصة سما المصرى وحبسها على ذمة قضية مخالفة شروط التعاقد مع إدارة المصنفات الفنية بشأن قناة «فلول» سوف يتحدثون عن الفرعيات.
أتصور أنهم سيسألون بدهشة: لماذا تركت السلطات العامة
الراقصة والقناة طوال الشهور الماضية ثم تحركت فجأة عندما اختلفت مع المستشار مرتضى منصور؟.
سيتحدث البعض أيضا عن وفاة الأخلاق والآداب العامة وسنقيم مندبة عن الذوق العام، وسيربط البعض بين هذه الواقعة وقصة مصادرة فيلم «حلاوة روح» للمطربة هيفاء وهبى.
سيطالب البعض أيضا بإعدام سما المصرى وهيفاء وهبى وكل من يعتقدون أنهم يفسدون الذوق العام، وقد يشتط البعض مطالبا بإغلاق أكبر عدد ممكن من الفضائيات ووسائل الإعلام كطريق وحيد للحفاظ على القيم.
كل ما سبق قد يكون صحيحا لكنه يتحدث فى نقاط فرعية.
أاعتقد ــ وربما أكون مخطئا ــ أن أصل لب المشكلة هو الحالة المتردية التى وصلنا إليها فى كل المجالات بفضل سياسة التجريف المنظمة التى لجأ إليها نظام حسنى مبارك أطول فترة ممكنة فى الحكم.
ما حدث فى قضية سما المصرى وما سبقها من خناقات ومعارك لفظية مشابهة فى الفضائيات والصحف نراه بصورة منظمة منذ سنوات طويلة، كثيرون يعتقدون أن مثل هذه المعارك هى أفضل الطرق لإشغال الناس عن القضايا الحقيقية، ويعتقدون أن ذلك بدأ بعرض مسرحية مدرسة المشاغبين ليلة انتفاضة الخبز الشعبية فى 17 يناير 1977.
بغض النظر عما إذا كان هذا الأمر صحيحا أم لا، فإن ما بدا عشوائيا أو تجريبيا صار متجذرا فى معظم مناحى حياتنا.
صارت لدينا وسائل إعلام كثيرة ليس لديها أى فكرة عما يسمى بالمهنية أو الموضوعية أو آداب المهنة أو مواثيق الشرف. مثل هذه القنوات الفضائية هى المجرم الأكبر، فهى التى تجرى وراء نجوم الفضائح لتستضيفهم، هما لا يفرضون أنفسهم عليها. ورأينا ترجمة عملية لهذا الأمر خلال الأيام الماضية في موضوعات شتى.
علينا ألا نلوم سما المصرى أو غيرها، هم مجرد أدوات أو أعواد كبريت فى محرقة الإعلام الذى يريد أن يستحوذ على اهتمام الجمهور أو حصة معتبرة من كعكة الإعلانات، ويعتقد أن الفقرات الفاضحة هى أقصر الطرق لهذا الأمر.
ومرتبطا بإمبراطورية الإعلام هناك سلطة جاهزة فى أى وقت لتوظيف التردى الإعلامى لمصلحتها الخاصة.
ليس لديها مانع من قيام هذا الشخص الفاضح بسب هذا السياسى المعارض أو حرق هذا السياسى الذى قد يكون له دور مستقبلى. زواج المصلحة أو زواج المتعة الحرام هذا ليس وليد اليوم ،وهو موجود لدينا منذ سنوات طويلة.
ثم إن هناك تغيرات اجتماعية خطيرة فى المزاج العام للمصريين، صاروا يتقبلون هذه الموضوعات الفضائحية، ويساعد على ذلك دور وسائل الاتصال الحديث خصوصا مواقع التواصل الاجتماعى ويوتيوب. هذه المواقع لها دور عظيم فى تسهيل الاتصال المفيد، لكنها تسهل الفضائح ايضا.
وإذا أضفنا دور بعض حيتان المال وأباطرة
الفساد، الذين يسيطرون على مفاصل كثيرة من حياتنا سوف نكتشف أن لهم دورا كبير فى إشاعة هذا المناخ من الهبوط والانحلال حتى لا يتم التركيز على فسادهم.
أفضل شىء يفعله الرئيس المقبل أن يبدأ فى كسر هذه المنظومة الجهنمية ويضرب حلقاتها الرئيسية، وأن يسعى الإعلام النزيه والمهني والجاد إلى فضح هذا التحالف غير المقدس.
(الشروق
المصرية 23/4/2014)