قال الباحث الأمريكي مارك لينش في تحليل له حول الجولات الانتخابية التي تجري حاليا في عدد من الدول العربية، إنها "لا تمت للديمقراطية بصلة"، مضيفا أنها "محاولة للعودة بالتجربة الانتخابية لزمن الحكم الديكتاتوري في العالم العربي، والقضاء على الشرعية الديمقراطية، التي ولدت من رحم الثورات العربية ما بعد عام 2011.
وفي مقال له نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، قال إن
مصر أعلنت عن موعد للانتخابات الرئاسية في 26-27 أيار/ مايو المقبل، ومن المتوقع أن يفوز فيها المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع السابق الذي قاد انقلابا ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو العام الماضي، وستعقد
سوريا انتخابات رئاسية "مثيرة للسخرية" -على حد وصفه- في 3 حزيران/ يونيو المقبل.
وأضاف أن هذه الانتخابات الأربعة تغطي ما مجموعه 183 مليون نسمة أو نسبة 50% من سكان المنطقة العربية.
ويضيف أن لبنان سيختار رئيسا له الأربعاء المقبل، إلا أن قلة ترى في هذه الانتخابات أنها ستقدم أو تؤخر في المعادلة السياسية في البلاد.
ويرى لينتش أن
العراق وحده يشهد صراعا حقيقيا على السلطة، ولا تعرف نتائج الانتخابات مقدما فيه.
وقال: "تظل العمليات الانتخابية في سوريا ومصر والجزائر تفتقر إلى أدنى معايير العملية الديمقراطية.. أي من ناحية كونها حرة ونزيهة وتقود إلى مؤسسات ذات قوة حقيقية ".
ويشير لينتش إلى أن الانتخابات المصرية ستجري في ظل وضع "قمعي من الاستفزاز والاعتقالات وتحيز المؤسسات، أما سوريا فستكون مهزلة تأخذ مكانها وسط حرب أهلية ووحشية طائفية"، وبالنسبة للجزائر فلا أحد يهتم لأنها لم تشعر بأي راحة خلال العقود الثلاثة الماضية.
ويرى الكاتب أن لا أحد يكلف نفسه بطرح سؤال عن الجدوى التي حققتها الثورات العربية "فبعد كل هذا وخلال العقود الماضية، خاضت الدول العربية عمليات اقتراع في كل الأوقات، ولم يكن يتوقع أحد منها الكثير".
ويقول إن السنوات التي أعقبت عام 2011، أعطت الجماهير العربية أملا جديدا "وكان هناك سبب للأمل بتحقيق شيء من الانتخابات العربية.. آمال تحققت بتنوعات مختلفة عبر تنافس حقيقي، كانت حرة ونزيهة لحد ما، وانتخابات ذات معنى حصلت في تونس وليبيا ومصر، حيث حاولت البرلمانات والرئاسات في هذه الدول تأكيد شرعيتها، وسط اضطرابات وحراك وتنافس اجتماعي، واستقطاب تبع هذه الانتخابات".
ويعتقد لينتش أن الانتخابات في هذه الدول تعطي مؤشرا على أدبيات مرحلة ما قبل الانتفاضات العربية عن الانتخابات الديكتاتورية، والتي لخصتها بشكل جيد عام 2009 جينفر غاندي، وإلين لاست، في مقال مهم، وجاء فيه أن الانتخابات في ظل الأنظمة الشمولية تخدم عدة أهداف لا تتعلق أبدا بتداول السلطة السلمي أو فرض المحاسبة على النخبة الحاكمة أو تمثيل مصالح المواطنين.
وكما ناقش جيسون بروانلي الانتخابات العربية، من جهته قال لينتش إن هذه الجولات تقدم "صمام الأمان للأنظمة، وتخدم كمسرح سياسي وتنشط شبكة الرعاية.. وتقترح أدبيات مرحلة ما قبل الانتفاضات العربية وظيفة رئيسية واحدة للانتخابات الرئاسية المصرية والسورية، فهي تعلّم العودة للحياة الطبيعية بعد فترة من الاضطرابات.
وحول الهدف من الانتخابات في كل من مصر وسوريا يقول لينتش أنه عودة الأمور لطبيعيتها، وإقفال الباب على أحداث السنوات الثلاث المضطربة.
ولكنه يرى أنه "من المحتمل أن لا تنجح هذه الانتخابات، إذا أخذنا بعين الاعتبار حمام الدم المستمر في سوريا، وتصاعد دوامة القمع والعنف في مصر".
ولهذا السبب سيحاول النظامان تركيز انتباه الرأي العام نحو سباق انتخابي لا معنى له في محاولة لحرف الانتباه عن القضايا الصعبة مثل السجناء السياسيين أو العنف المتواصل، وفي نفس الوقت تعزيز مظهر الديمومة للوضع القائم.
ويضيف الكاتب أهدافا أخرى لعقد الانتخابات هي: "إعادة بناء الشرعية في الخارج، فانتخابات كهذه تطمح لتقديم صورة عن عملية ديمقراطية كافية لإقناع الداعمين الدوليين، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والمؤسسات المالية لتطبيع العلاقات معها بعد الانقلاب البغيض والقتل والاعتقالات الجماعية في مصر أو بعد جرائم الحرب المروعة والوحشية البربرية في سوريا".
ولاحظ الكاتب أن مصر تقوم وبعملية محمومة بتسويق الانتخابات في الخارج كدليل على أنها ملتزمة بخطة الطريق التي أعلنها السيسي بعد الانقلاب على مرسي والتحرك نحو حكم مدني.
و"من غير المتوقع أن تجد المناورة السورية داعمين لها في الخارج، أما المحاولة المصرية فيبدو أنها ستنجح، خاصة إن أخذنا بعنين الاعتبار النية المبيتة، ونفاذ صبر الداعمين الخليجيين المتعجلين والمطالبين العواصم الغربية بإعادة العلاقة الطبيعية مع القاهرة، رغم استمرارها في انتهاكات حقوق الإنسان" على حد قول الكاتب.
ويتابع أنه في كل من مصر وسوريا "يبدو أن كلا العمليتين الانتخابيتين مصممتان لإحباط أية محاولة دولية – خارجية، مع أنها بعيدة، للقيام بتغيير النظام.. ففي الوقت الذي لا يستبعد الكثيرون خارج قطاع الإخوان المسلمين إعادة مرسي للرئاسة، فلا يزال النظام العسكري الذي يسيطر على مصر منذ 3 تموز/ يوليو واع لحقيقة أن مرسي السجين لا يزال الرئيس المصري المنتخب شرعيا، وعليه فانتخاب السيسي يهدف لإنهاء هذه الشرعية".
ويقول إنه "في الوقت نفسه يخطط الرئيس السوري ترشيح نفسه للانتخابات، ما سيعرقل تطوير فكرة تشكيل حكومة انتقالية تشرف على الانتخابات دون الأسد".
وفي السياق نفسه "فانتخابات
الجزائر لا تتعلق بالعودة للحياة الطبيعية أو إحباط مسار سياسي آخر أكثر من كونها عملية عادية، كما تبدو من الخارج على الأقل، فقد فاز بوتفليقة بنسبة 81.5% رغم أنه لم يكن قادرا على التحرك أو الكلام خلال عملية تعافيه البطيئة من جلطة دماغية عام 2013".
وقاطعت معظم الأحزاب العلمانية والإسلامية الانتخابات، وشككت من صحة مشاركة نسبة 51.4% في عمليات الاقتراع.
وكما قال فردريك فولبي إن الميزة المهمة لانتخابات الجزائر هي أن إعادة انتخاب الرئيس جاءت لشراء الوقت كي تقوم النخبة المقربة منه الاتفاق على خليفة له، ويتساءل البعض إن كانت الانتخابات الجزائرية مهزلة مثل انتخابات مصر عام 2010، حيث قوضت الإيمان بشرعية النظام بكامله.
ويرى الكاتب أنه "في الوقت الحالي تبدو وكأنها فرصة ضائعة لتحقيق التغيير، بمواطنين لا مبالين وغير مهتمين بحدوث تغير دراماتيكي في الجزائر".
ويختم الكاتب بالقول إنه بعيدا عن انتخابات العراق، فالانتخابات العربية تمثل محاولة للعودة بالبنى السياسية لمرحلة ما قبل الثورات العربية، فهي "انتخابات على شاكلة انتخابات المغرب عام 2011، والأردن عام 2013، أكثر من شببها بانتخابات تونس 2011، ومصر 2011 و 2012، ولا علاقة لها بالديمقراطية أكثر من كونها انتخابات مقيدة، تشبه ما جرى في العقود الماضية، ولا يعرف إن كانت هذه الممارسات ستنجح في ظل وضع سياسي نشط ومنافس وعنيف، وفي ظل نظام سياسي غير مستقر، ولكنه سؤال يظل قائما.. والمهم أن الشرعية الديمقراطية أصيبت بمقتل، وقد قتلها الانقلاب المصري".