يحتفل عامة
المصريين سنويا بيوم "شم
النسيم"، وهو اليوم التالي لاحتفال المسيحيين المصريين بـ "عيد القيامة"، ما يعني أنه سيتم الاحتفال به الاثنين.
وترجع بدايات الاحتفال بهذا اليوم في مصر، إلى العصر الفرعوني، غير أن المسيحيين المصريين أعطوه مسحة دينية، وربطوه بـ "الصوم الأكبر" و "عيد القيامة"، ما خلق حوله حالة من الجدل الفقهي تم توظيفها في بعض الأحيان سياسيا. كما أنه يثير أيضا جدلا صحيا، مصدره ملاحظات يبديها أطباء على الأطعمة التي تقدم خلاله، وفي مقدمتها "الفسيخ".
ويذهب مؤرخون إلى أن بداية احتفال المصريين بهذا اليوم ترجع إلى عام 2700 ق.م، وذلك في يوم 27 "برمودة"، الشهر الثامن من التقويم المصري. ويأتي هذا اليوم في أحد أيام الفترة من 9 نيسان/ إبريل إلى 8 أيار/ مايو، وتقول الأساطير المصرية القديمة إنه في هذا اليوم مات الإله "ست" إله الشر وانتصر عليه إله الخير.
ويتزامن الاحتفال بهذا اليوم عند القدماء المصريين مع بداية الاعتدال الربيعي، عقب عواصف الشتاء وقبل هبوب الخماسين، وكانوا يعتقدون أن الخليقة خلقت في هذا اليوم.
وتعود تسميته بـ "شم النسيم" إلى الكلمة الهيروغليفية القديمة "شمو" وتعني "عيد الخلق" أو "بعث الحياة"، وتعرَّض الاسم للتحريف على مرِّ العصور، وأضيفت إليه كلمة "النسيم" لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو، وطيب النسيم، وما يصاحب الاحتفال بذلك العيد من الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال
الطبيعة.
وكان اليهود قبل خروجهم من مصر يحتفلون بهذا اليوم، فلما خرجوا منها لم يتخلصوا من عادتهم نهائيًا، فأحب اليهود أن يحتفلوا بالربيع، لكن بعيدًا عن التقويم المصري.
وأخذ الاحتفال عندهم معنى دينيًا هو شكر الله على نجاتهم من فرعون وقومه، وأطلقوا عليه اسم "عيد بساح" الذي نقل إلى العربية باسم "عيد الفصح" وهو الخروج، غير أنهم جعلوا له موعدًا غير الذي كان عند الفراعنة، فحددوا له يوم البدر "عندما يكون القمر مكتملا في السماء" بحلول الاعتدال الربيعي أو عقبه مباشرة.
ويعتقد المسيحيون بأنه عندما ظهرت المسيحية في الشام، احتفل المسيح وقومه بعيد الفصح كما كان يحتفل اليهود، ثم تآمر اليهود على صلب المسيح وكان ذلك يوم الجمعة 7 نيسان/ إبريل سنة 30 ميلادية، الذي يعقب عيد الفصح مباشرة، فاعتقد المسيحيون أنه صلب في هذا اليوم، وأنه قام من بين الأموات بعد الصلب في يوم الأحد التالي، فرأى بعض طوائفها أن يحتفلوا بذكرى "الصلب" في يوم الفصح.
ورأت طوائف أخرى أن تحتفل باليوم الذي "قام فيه المسيح من بين الأموات"، وهو عيد القيامة، يوم الأحد الذي يعقب عيد الفصح مباشرة. وسارت كل طائفة على رأيها، وظل الحال على ذلك حتى رأى قسطنطين الأكبر إنهاء الخلاف سنة 325 ميلادية وقرر توحيد العيد، على أن يكون في أول أحد مع تشكل البدر في الاعتدال الربيعي أو عقبه مباشرة، بحسب ما ورد في كتب التاريخ.
أما الأقباط، وهم المصريون الذين اعتنقوا المسيحية، فكانوا قبل مسيحيتهم يحتفلون بعيد "شم النسيم" كالعادة القديمة، أما بعد اعتناقهم للدين الجديد فقد وجدوا أن للاحتفال بعيد "شم النسيم" مظاهر وثنية لا يقرها الدين، وهم لا يستطيعون التخلص من التقاليد القديمة، فحاولوا تعديلها أو صبغها بصبغة تتفق مع الدين الجديد، فاعتبروا هذا اليوم يومًا مباركًا بدأت فيه الخليقة، وبشر فيه جبريل مريم العذراء بحملها للمسيح، وهو اليوم الذي تقوم فيه القيامة ويحشر الخلق، فاحتفل أقباط مصر بـ"شم النسيم" قوميًا باعتباره عيد الربيع، ودينيًا باعتباره عيد البشارة، ومزجوا فيه بين التقاليد
الفرعونية والتقاليد الدينية.
وعندما جاء الفتح الإسلامي واعتنق المصريون الإسلام، استمروا في الاحتفال بـ"شم النسيم" إلى يومنا هذا، إلا أن ارتباطه بمسحة دينية عند الأقباط، تمثلت بالصوم الكبير وبعيد الفصح أو القيامة، جعل الجدل يدور دائما حول مدى مشروعية الاحتفال بهذا اليوم عند المسلمين.