كتب رضوان السيد: عاد الأمين العام للأُمم المتحدة، «بان
كي مون»، للتذكير بضرورة عقد جنيف-3 واليوم قبل الغد. وعلى وقْع هذه الدعوة ذكّر الإيرانيون بأنهم يملكون مبادرةً لحلّ الأزمة السورية، وهي تتمثّل في إقرار المرحلة الانتقالية إنما مع الأسد أو في ظلّه! ما العلاقةُ بين دعوة الأمين العام، والكلام الإيراني؟ العلاقةُ هي أنّ فترة بشار الأسد الثانية تنتهي في شهر يونيو من هذا العام.
وقد كانوا يأملون أنه بعد الاستيلاء على القلمون، سيسقط في حضنهم ريف دمشق أيضاً فيصنعون لبشار انتخاباتٍ تأتي به رئيساً للمرة الثالثة من دون حاجةٍ لأحد! لكنّ انفتاح الجبهة في أقصى الشمال على أطراف المناطق العلوية، والتقدم المحسوس في درعا، وتأخر العمليات أو عدم تقدمها في ريف دمشق، كلُّ ذلك جعل من الانتخابات الرئاسية في سوريا، وهماً أو ما يشبه الوهم. فالمشهد لن يتغير خلال شهرين، بحيث يستطيع الإيرانيون المصارعة ست سنواتٍ أُخرى على الأرض السورية وأرض
المشرق العربي. ولذا فقد يكون كلام «بان كي مون» سبيلاً للجمع الشكلي بين الأمرين: المرحلة الانتقالية التي قد تسري أو لا تسري، وبشار الباقي إلى الأبد بعد أن ينسى العرب والعالم الانتقاليات أياً كان شكلها ولونها!
على أنّ تحديات الانتخابات بالنسبة للإيرانيين لا تقتصر على سوريا، بل هناك انتخاباتٌ رئاسيةٌ في لبنان، وأُخرى برلمانية أقرب في العراق. وقد قال حسن نصر الله في آخر طلعاتِه إنه انتصر في سوريا فليغيّر المعارضون بسوريا ولبنان آراءهم، ولينضموا إليه لكي تصبح الانتخاباتُ في لبنان ممكنة! وهذا يعني أنه رهن انتخابات الرئاسة في لبنان، بوضع بشار في سوريا. فإذا كان يُرادُ من جانب العرب والدوليين عدم حدوث فراغ في الرئاسة بلبنان، فلا أقلَّ من الاعتراف ببشار ولبشار في سوريا! وإثباتاً لوجهة نظره هذه، فإنّ نصر الله وحزبه غابا عن الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية بقصر بعبدا. وكان يريد الإيهام بأنّه بذلك يعارض التمديد للرئيس سليمان. بينما الواقع أنّ أحداً ما فكّر بالتمديد، وإنما جُلُّ همّ المسيحيين اللبنانيين عدم حدوث الفراغ في الرئاسة. وهذا الفراغ حاصلٌ إنْ لم يدخل في العملية التوافقية من أجل الرئاسة الفريقان الشيعيان (ووليد جنبلاط الملحق بهما منذ العام 2009).
لقد صارع الفريق الإيراني- السوري لتحطيم رئاسة الحكومة اللبنانية منذ عام 2006. فقد غادر الفريق الشيعي حكومة السنيورة الأولى يومها. ثم غزوا بيروت عام 2008 لإسقاطها. وعندما انضمّ إليهم وليد جنبلاط أسقطوا حكومة سعد الحريري، وجاؤوا بميقاتي حليف الرئيس الأسد. وعندما ما عاد ميقاتي يستطيع خدمتهم تخلَّوا عن حكومتهم تلك، وناضلوا لمدة عامٍ حتى لا يأتي لرئاسة الحكومة «التوافقية» أحدٌ من تيار المستقبل. وفي عملية الإخراج ساعد كالعادة وليد جنبلاط فتولّى رئاسة حكومة «المصلحة الوطنية» تمام سلام. والجاري الآن التلاعب برئاسة الجمهورية لكي يحصل لها ما حصل لرئاسة الحكومة.
والهدف المعلَنُ كما سبق القول هو ربط رئاسة لبنان برئاسة بشار الأسد في سوريا. أمّا الواقع فهو أنّ النظام اللبناني المشهور بقدرته على مقاومة البهدلة أو الزوال، قد تنزل به من هذا الطريق ضربةٌ قاسيةٌ، فلا يعود قائماً حقاً من ذاك النظام الدستوري العريق (منذ عام 1926) غير رئاسة النواب الشيعية! فالرئيس نبيه بري متحكمٌ في فتح المجلس وإغلاقه (وقد سبق له إقفاله لثمانية عشر شهراً أيام حكومة الرئيس السنيورة الأولى)، وهو الآن في الموقع نفسِه، وربما يكون له أيضاً الدور نفسه هذه المرة، إذا تصعّبت عمليةُ التجديد أو التمديد لبشار الأسد!
ولدى الإيرانيين- كما سبق القول- تحدٍ ثالث هو الانتخابات البرلمانية العراقية آخر هذا الشهر. والحرب (على الإرهاب طبعاً) دائرةٌ في المحافظات السنية، التي قد لا يستطيع بعضها إجراء الانتخابات. إنما حتى لو جرت، فالسنة سيكونون ضعفاء، ومنهم فريقٌ معلن (أحمد أبوريشة مَثَلاً) يدعم المالكي. وقد لا يحصل المالكي على الأكثرية من أجل التمديد للمرة الثالثة. لكنه حتى لو حصل عليها؛ فإنه لن يستطيع تشكيل حكومةٍ في ظلّ الانقسام الشيعي، والافتراق الكردي، وغياب أكثر الفريق السُني ذي القوة التمثيلية.
هناك إذن ثلاثُ دولٍ عربيةٍ تُعاني من مأزقٍ واحدٍ هو التدخل الإيراني، وتحويل هذه البلدان إلى مناطق نفوذ، تشيع فيها الفوضى، ويشيع القتل والخراب. لماذا كان ذلك، وما هي المصلحة القومية أو الدينية (المذهبية) لإيران في تخريب هذه البلدان؟ لقد ظلّت إيران وظلَّ نفوذها يتقدم في هذه البلدان لحوالي العقد من الزمان ودائماً من وراء ستار: مرة تتخفى وراء الجيوش الأميركية، ومرة وراء المقاومة للجيوش الإسرائيلية، ومرة وراء «حماس» وتحرير فلسطين، ومرة وراء تحالفات «حزب الله» مع الجنرال عون ووليد جنبلاط في لبنان. لكنها منذ عام 2011 اضطرت للقتال علناً من خلال الحرس الثوري، أو من خلال التنظيمات المسلَّحة التي أنشأتها بلبنان والعراق وسوريا. فقد قال جنرال في الحرس الثوري قبل أيام إنّ قوات الدفاع الوطني السوري (الشبيحة سابقاً) إنما أقامها بسوريا الجنرال سليماني على غرار الباسيج والحرس الثوري!
لقد سمعتُ بشار الأسد يقول قبل ثلاثة أيام: إنّ الأوضاع في سوريا لن تهدأ إلى حين القضاء على الإرهاب! لكن الإرهاب الحقيقي والمصطنع المسؤولُ عنه في السنوات الأخيرة، وفي لبنان والعراق وسوريا، وبشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر الإيرانيون وحلفاؤهم. فقد شجعوا منذ عام 2011 المتطرفين أو ساعدوهم للانطلاق من طريق الإخراج من السجون أو إعادة التوجيه بحيث لا يقاتلون ولا يقتلون إلاّ في المناطق المتمردة على الأسد وعلى المالكي. أما الشكل غير المباشر فيتمثل في دفع الشبان لليأس والاتجاه للانتحاريات والسيارات المفخخة وأعمال الثأر نتيجة أفاعيل النظامين السوري والعراقي. فقد ظلَّ السوريون يتظاهرون ثمانية أشهر من دون سلاحٍ والقتل جارٍ فيهم. وتظاهر الناس في الرمادي والفلّوجه وغيرهما لأكثر من عام من دون سلاح. وعندما عمدت جيوش المالكي لإخراج المتظاهرين من الساحات بالقوة، حلَّ محلَّهم «القاعديون» و«الداعشيون» الذين يقاتلهم المالكي الآن!
إنّ أصلَ هذا
المشهد المأساوي في المشرق العربي هو الغزو الأميركي للعراق عام 2003 بزعم مكافحة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ونشر الديمقراطية. وقد بادروا مرةً أُخرى عام 2010 على مشارف مغادرتهم للعراق إلى الاتفاق مع إيران على المالكي والأسد وعلى إحلال حكومة موالية لهم في لبنان. وعندما يقال لهم اليوم باعتبارهم رأس النظام الدولي: ماذا فعلتم في العراق وسوريا وللعراق وسوريا.. ولبنان، يعودون للكلام على مكافحة الإرهاب! ولا إرهاب أفظع مما تمارسه إيران وحرسها الثوري وتنظيماتها المسلَّحة في هذه البلدان الثلاث وفي اليمن.
إنّ الواقع أنّ هذه الشكاوى والاتهامات لا تفيد السوريين والعراقيين واللبنانيين كثيراً أو قليلاً. هناك ثلاثمائة ألف قتيل، وعشرة ملايين مهجَّر، وخراب هائل في عمران تلك البلدان. والنظام الدولي عاجز والمتاح فقط المساعدات الإنسانية النزرة للمهجَّرين بدواخل البلدان وخارجها. وهذه البلدان عربية. والعرب جميعاً مهدَّدون بالهجمة الإيرانية. ولذلك لا يصحُّ الصمتُ، ولا الاكتفاء بالتذمر والشكوى والاستسلام لهذا الواقع. ولا يمكن العودةُ إلى الوراء بالتسليم لبشار الأسد أو المالكي أو «حزب الله»، إذ كيف ستنحلُّ مشكلات هذه البلدان إذا عاد القَتَلَة للتحكم ببشرها وأرضها؟! ولستُ أدري ما هي الفائدةُ التي ستحصل للإيرانيين من وراء هذه القتل وذاك الخراب. لكنني على يقين أنّ الإسرائيليين والأتراك يستفيدون كثيراً. سمعتُ أولَ من أمس رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يخاطب اللاجئين السوريين المليون عنده قائلاً: أنتم المهاجرون ونحن الأنصار! أما الجنرال الإسرائيلي فقال: ما عادت لدى العرب بمنطقة الشرق الأوسط جيوش، إنما الأهمّ أنه ما عادت هناك أيضاً شعوبٌ. فالله المستعان.
(الاتحاد الإماراتية)