المعطيات على الأرض تشير إلى معيقات تمنع توجه
الفلسطينيين إلى
الأمم المتحدة إلى هذه اللحظة، ومنها ضغوط أمريكية، وآخر المؤشرات ما تداولته وسائل إعلام إسرائيلية عن انعقاد جلسة مفاوضات استمرت نحو خمس ساعات جمعت بين الطاقمين التفاوضيين، الفلسطيني والإسرائيلي ليلة السبت في القدس بحضور المبعوث الأمريكي مارتن أنديك.
المشهد ما زال غامضا، وهذا ما أجمع عليه عدد من المحللين في مقالات لهم، وهو ما يتردد في الصالونات السياسية الفلسطينية.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود
عباس، وقع مساء الثلاثاء الماضي، على وثيقة للانضمام إلى 15 منظمة ومعاهدة واتفاقية دولية، بعد رفض الحكومة الإسرائيلية الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى.
وهي الخطوة التي لقيت ترحيبا واسعا في الشارع الفلسطيني، وحتى بين التيارات الفلسطينية المعارضة للرئيس عباس، إلا أن السؤال الذي طرحه الكثيرون هل يتجه الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة؟ وماذا سيترتب على هذا التوجه؟
عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، عباس زكي، خرج بتصريح يحمل فيما يبدو رسالة مزدوجة للداخل والإسرائيليين والأمريكان، حيث قال عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" السبت، إن "القيادة الفلسطينية تعمل بثقة ومعنويات عالية واستطاعت إظهار العجز الأمريكي أمام المتطرفين الإسرائيليين".
وهاجم زكي بتصريحه المبعوث الأمريكي، متهما إياه بالانحياز لمصالح الاحتلال الإسرائيلي، ان "السلطة ذاهبة إلى الأمم المتحدة لأخذ العضوية رغم أنف أميركا التي تقرا الأمور بعيون ليكودية إسرائيلية من خلال وساطتها للعملية السياسية، وان الوسيط الأمريكي في
المفاوضات مارتن أنديك هو صهيوني ويدافع عن مصالح إسرائيل".
وتابع زكي قائلا " إذا ظن الإسرائيليون أننا نقايض قضيتنا بالإفراج عن 30 أسيرا فهم مخطئون".
ودعا زكي كل الفصائل للعمل معا لان القضية الفلسطينية مستهدفة من المحيط للخليج ولن يبقى الموقف العربي على حاله. كما دعا إلى طي صفحات الرهان على من اسماهم الأعداء.
دعوة إلى أن يكون التوجه استراتيجيا
إلى ذلك قال المحلل السياسي هاني المصري في حديث مع "عربي21" أن "لجوء القيادة الفلسطينية إلى الانضمام للمعاهدات والمواثيق الدولية هو بمثابة ردة فعل على التعنت الإسرائيلي وعلى عدم قيام الإدارة الأمريكية بالضغط على إسرائيل للإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين أسرى ما قبل (أوسلو)، الذين اتفق على الإفراج عنهم مقابل تجميد التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة".
لكنه أوضح، "هذه الخطوة يمكن ان يكون تأثيرها مجرد خطوة محدودة وردة فعل وتكتيك ويمكن ان تكون بداية لاعتماد مقاربات جديدة.
إذا كانت مجرد تكتيك لن تسفر كثيرا، وإنما يمكن ان تؤدي لإطلاق دفعات جديدة من الأسرى، ولكن يبقى الاستيطان والاحتلال والاعتداءات على القدس وتهويدها، وتبقى كل الإجراءات الإسرائيلية على حالها، وبالتالي لا يوجد أي حل في هذه الحالة. ولكن إذا كان التوجه استراتيجي نحو الأمم المتحدة هو جزء من استراتيجيات متكاملة مع المقاومة الشعبية والوحدة الوطنية، والمقاطعة، واستعادة البعد العربي والدولي والإنساني للقضية الفلسطينية، وتنشيط حركة التضامن الدولي، كل هذا يمكن ان يكون بداية خلاص للفلسطينيين من ظلام الاحتلال".
وأكد المصري على أهمية التوقيع على المعاهدات الدولية، وقال إن ذلك يعزز المكانة القانونية والسياسية الفلسطينية، ويجعلها أقدر على استخدام القوانين الدولية، ومحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، وكل المؤسسات التابعة للأمم المتحدة في سياق ملاحقة إسرائيل على جرائمها، وإدانتها، وجعلها تدفع استمرار احتلالها، والذي أصبح منذ فترة احتلال "سبع نجوم" تستفيد منه ولا تدفع ثمنه على الإطلاق، بحسب المصري.
ونوه إلى أن المنظمات الدولية بشكل عام ستقبل انضمام فلسطين لها، "ولكن هناك بعض المنظمات تأخذ جزءاً من موازنتها من المساعدات الأمريكية، وبالتالي يمكن ان تشكل تلك المنظمات صعوبة في الانضمام، ولكن مع المثابرة والاستمرار فإن القضية الفلسطينية عادلة وستأخذ الدعم الدولي لأنها حصلت على تأييد 138 دولة لتصبح دولة مراقبة، وتستطيع ان تحصل على مثل هذا الدعم واكثر بشرط أن تكون السياسة مثابرة وليس مجرد ردود أفعال أو تكتيك".
صراع قانوني
وفيما يتعلق بالآثار القانونية المترتبة على انضمام فلسطين لمجموعة من
الاتفاقيات والمنظمات الدولية، قال أستاذ القانون الدولي بالجامعة العربية الأمريكية سعيد أبو فارة في حديث مع "عربي21": "هذا يعني دخول فلسطين في مرحلة قانونية جديدة، هذه المرحلة تساعدنا في قيادة الصراع القانوني الفلسطيني الإسرائيلي في الساحة الدولية، وهذه يعني نقل الصراع من صراع على أرض محتلة لصراع بتدخل من منظمات دولية بالإضافة لتدخل قواعد وأحكام القانون الدولي، وبالتالي نقل القضية الفلسطينية من جو المقاومة الفلسطينية والتي هي حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة بكافة أشكالها إلى نوع جديد من المقاومة أو الصراع وهو الصراع القانوني، وذلك يمنح الحق لفلسطين بعدما أصبحت دولة مراقب في الأمم المتحدة بالانضمام للعديد من الاتفاقيات والمنظمات الدولية".
وأضاف، "الآثار القانونية المترتبة على انضمام فلسطين للعديد من تلك الاتفاقيات يعني أننا غدا سنصبح طرفاً سامياً متعاقد بتلك الاتفاقيات، بمعنى أننا سنكون جنبا لجنب مع إسرائيل بتلك الاتفاقيات، فأي انتهاك لنصوص هذه الاتفاقيات ستصبح جميع الأطراف المتعاقدة بها مطالبة بالضغط على إسرائيل لوقف هذه الانتهاكات، وعندما اصبح طرفا ساميا متعاقدا باتفاقيات جنيف فهذا يمنحني الحق بالجلوس لجانب إسرائيل كطرف سام متعاقد".
وأشار إلى أن النتيجة الإيجابية لهذا الموضوع هي "أن ذلك يعطينا (الفلسطينيين) إمكانيات للتعامل في الساحة الدولية مع أعضاء الأسرة الدولية كدولة، فيحق لي الذهاب لاستخدام كافة الآليات القانونية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان سواء في ظل القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وسيكون انضمامنا لاتفاقيات جنيف بمثابة خطوة أولى للانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تعتبر الذراع الدولي، أو الجهاز القضائي الجنائي الدولي الرادع لانتهاكات القانون الدولي الإنساني".
وأوضح أنه من خلال "الانضمام سيكون لدى القيادة الفلسطينية القدرة على تحريك دعوى ضد قيادات إسرائيلية ستسول لها نفسها غدا أو بعد غد انتهاك أو ارتكاب جرائم ذات طابع دولي ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وكذلك ستكون فلسطين جزءا من الشرعة الدولية، أي ستتعامل فلسطين مع دول العالم كدولة جزء في هذه الاتفاقيات".
مؤكدا على انضمام فلسطين للاتفاقيات الدولية سيجعل إسرائيل تجد العديد من المنظمات الدولية تقف عائقا أمامها في انتهاكاتها التي تتفرد بها دون رادع، وسيحرج الكثير من الدول خاصة على الصعيد السياسي، وأولى هذه الدول هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي ممكن ان تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.