قال تقرير صادر عن "مركز
كارنيغي للشرق الأوسط" إن
حزب الله اللبناني يواجه سلسلة من التحدّيات الإقليمية ويتعرّض إلى ضغوط دولية شديدة للانسحاب من
سوريا، بعد تورط قوّاته في الأزمة الدائرة في البلاد منذ مارس / آذار 2011.
وأضاف التقرير أن حزب الله "يُعتبر اليوم الفريق السياسي الأكثر سيطرةً في لبنان، لديه مصلحة استراتيجية ووجودية أساسية هي الإبقاء على هيمنته السياسية على النظام السياسي اللبناني، لاسيما من خلال الوسائل العسكرية"، مشيرا إلى أنه "من المستبعد أن يتراجع عن ركائز استراتيجيته السياسية والعسكرية على الرغم من الانتكاسات والتحدّيات".
ولفت التقرير إلى ان امتلاك القوة العسكرية واستخدامها "هي الوسيلة الأساسية التي يلجأ إليها حزب الله بغية الاستمرار في فرض هيمنته السياسية"، مشيرا إلى أنه "عمد إلى تعزيز جهوزيّته وقدرته على فرض سيطرة عسكرية كاملة على الأراضي اللبنانية عند الحاجة".
واعتبر أن "قوّة الحزب العسكرية الهائلة تتخطّى بأشواط كبيرة قدرات الجيش اللبناني الضعيف وغير المجهّز كما يجب"، مستطردا أن حزب الله "دأب على استغلال ضعف الجيش اللبناني من أجل الحصول على الدعم لشرعية ترسانته العسكرية، ما أتاح له الاحتفاظ بسلاحه خارج إطار الدولة اللبنانية".
واعتبر أن حزب الله "يحتاج إلى تحالف قوي مع النظام السوري من أجل ضمان وصول السلاح إليه عبرها، فهي المعبر الأساسي لنقل الأسلحة من إيران، الراعية الأكبر للحزب"، مضيفا أنه "يسعى أيضاً إلى ضمان مصالح إيران وتمثيلها على ساحل المتوسط، وفي شكل خاص على طول الحدود مع إسرائيل".
ورأى التقرير أن الحزب "يواجه حالياً عوائق وتحدّيات على كل الجبهات، بسبب تورّطه في النزاع السوري، ومواجهاته مع المتشدّدين السنّة، والاتفاق الذي تم التوصّل إليه بوساطة أميركية وروسية من أجل تسليم سوريا أسلحتها الكيميائية، والمفاوضات النووية الإيرانية، والدعم الدولي للجيش اللبناني، والمحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، والتي وجّهت اتهاماً إلى خمسة عناصر منه".
وحول مشاركة عناصر حزب الله بالقتال إلى جانب قوات النظام السوري، قال التقرير إن "تدخّل حزب الله في سوريا هو محاولةً لضمان بقائه عبر الحفاظ على خطوط إمداداته العسكرية، بعد أن وجد أن إمداداته العسكرية مهدّدة بسبب عدم الاستقرار الذي أحدثته الانتفاضة السورية"، مشيرا إلى أنه "يسعى جاهداً لإضفاء شرعية على تدخّله في سوريا".
وأضاف أن الحزب "يدعي الدفاع عن المقامات الدينية الشيعية التي تتعرّض إلى التهديد من التنظيمات السنّية المتطرفة المناهضة لنظام الأسد"، معتبرا أن هذه الذريعة "تخدم مآرب الحزب لأنها تساعد على إثارة شعور قوي بالتماهي والانتماء لدى أنصاره ومقاتليه".
وأشار إلى أن الحزب "يحاول تغيير صورته في نظر الرأي العام السوري، بحيث يتحوّل من معتدٍ أجنبي يدعم نظام الأسد إلى مدافع عن السوريين في مواجهة المجموعات الإرهابية الأجنبية التي تتوافد من مختلف أنحاء العالم للقتال في سوريا"، وأن دعوة الحزب لخصومه من أجل القتال في سوريا "أتت من أجل أن تساهم أيضاً في إضفاء شرعية على تدخّله في القتال".
وأكد التقرير أن الحزب "لم ينجح في انتزاع الشرعية حول تدخّله في النزاع السوري، فالتداعيات السلبية التي يتحمّلها اللبنانيون من جرّاء هذه الحرب أكبر من المنافع، واللاجئون السوريون متواجدون اليوم بأعداد هائلة في لبنان، كما أن المسلّحين السوريين حوّلوا البلدات الحدودية اللبنانية إلى منطلق للعمليات العسكرية في سوريا، بل أيضاً للهجمات على معاقل حزب الله".
واعتبر أنّ الحزب أصبح مكشوفاً في الداخل اللبناني، وهو "يعمد إلى تكثيف جهوده الأمنية من أجل درء المخاطر بعد المواجهة بينه وبين التنظيمات السنّية المتشدّدة على ضوء وقوع عددٍ من التفجيرات الانتحارية في الداخل اللبناني، ولاسيما في معاقله في الضاحية الجنوبية لبيروت".
وأكد التقرير أن الحزب لن يتراجع ولن ينسحب من سوريا تحت تأثير هذه الضغوط "فهو لن يغادر قبل أن ينتزع اتفاقاً شاملاً من أي قيادة سورية جديدة لضمان خطوط إمداداته العسكرية"، معتبرا أنه "إذا تمكّن حزب الله من هزم أعدائه السنّة على الأرض، في سوريا ولبنان، وتعزيز المكانة العسكرية لنظام الأسد أو الحصول على دعم الرأي العام السوري لتدخّله في النزاع، فسوف تكون أمامه فرصة جيّدة لأداء دور أساسي في أي تسوية محتملة في المستقبل، حتى لو لم يكن بشار الأسد جزءاً منها".
وأشار إلى أن حزب الله حاول بمساعدة سورية بناء إمكاناته الخاصة في مجال الأسلحة الكيميائية "بغية تطوير ترسانة صاروخية ضخمة"، وأنه "استخدم المنشآت الكيميائية السورية واعتمد على التدريب من الخبراء السوريين والإيرانيين".
وأضاف أنه "بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2118 الذي فرض على سوريا تفكيك برنامجها الكيميائي وتدمير أسلحتها الكيميائية ومنشآت تصنيع السلاح الكيميائي، لم يعد بإمكان حزب الله الوصول إلى المرافق اللوجستية الضرورية لتطوير إمكاناته في مجال الأسلحة الكيميائية، وتوقفت الخيارات المتاحة أمامه مستقبلاً لتطوير إمكاناته في مجال الصواريخ التقليدية، على امتلاكه صواريخ بالستية استراتيجية يمكن استخدامها في أي نزاع مع إسرائيل".
واعتبر أنه "من غير المرجّح أن يسعى الحزب إلى امتلاك صواريخ بالستية استراتيجية حتى لو كان قادراً على ذلك، فليس من مصلحته ولا من أولوياته إشعال نزاع عند حدود لبنان الجنوبية مع إسرائيل التي لن تتردد بضربه إن امتلك مثل هذه الصواريخ".
ولفت التقرير إلى أن الاتفاق النووي الإيراني والتقارب في العلاقات بين طهران والغرب طرح تحدّياً إضافياً على حزب الله الذي خفّف من حدّة لهجته ضد الولايات المتحدة "حتى إنه التقى مع الخطاب الأميركي في خطابه المناهض للإرهاب"، معتبرا أنه بالرغم من ذلك فإن حزب الله "لن يسير على خطى إيران، فهو لن يدخل في حوار مباشر مع الولايات المتحدة ولن يتعاون معها لتحقيق أهداف مشتركة، حتى لو التقت مصالحهما، ولاسيما في ما يتعلق بالجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة التي تنشط في سوريا".
وبحسب التقرير، فأن الحزب "يواجه مسائل مهمة تثير قلقه على الصعيد الداخلي في لبنان، منها تنامي الدعم للجيش اللبناني الذي حصل مؤخراً على هبة قدرها ثلاثة مليارات دولار أميركي من السعودية، كما أن مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، التي أنشأتها الأمم المتحدة من أجل تعزيز الاستقرار في البلاد، تعهّدت في آذار/مارس الماضي بمواصلة الدعم للجيش اللبناني".
وتوقع أن لا يقوم الحزب بتسليم كبار قيادية المتّهمين بالضلوع في اغتيال الحريري "فمن شأن هذه الخطوة أن تضع الحزب في دائرة المساءلة، وتُشوِّه صورته كتنظيم مقاوِم في نظر الرأي العام اللبناني، وتجرّده من المصداقية بعدما اتّهم المحكمة الخاصة بلبنان، منذ إنشائها، بالعمالة للخارج والعمل من أجل تقويض المقاومة التي يقودها".
من الجدير بالذكر أنّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله اعتبر في خطاب له السبت 29 آذار/مارس، أن المشكلة في لبنان ليست في ذهاب حزب الله الى سوريا بل في تأخّره بالذهاب الى هناك، ورأى أن الأيام تثبت صحة خيارات حزبه، مطالباً الفريق الآخر بإعادة النظر في موقفه مما يجري في سوريا.
وقال نصرالله، في خطاب عبر شاشة خلال رعايته حفل إطلاق "منتدى جبل عامل للثقافة والأدب" وافتتاح مسرح "الإنتصار" في بلدة عيناثا في جنوب لبنان، إن "المشكلة في لبنان ليست في ذهاب حزب الله الى سوريا بل في تأخّره بالذهاب، وفي بقائكم في موقعكم وعلى موقفكم"، في إشارة الى الأطراف السياسية اللبنانية الرافضة لمشاركة حزبه في القتال بسوريا.
وأضاف "يوم بعد آخر تثبت صحة الخيارات التي اتخذناها"، واعتبر أنه "لو انتصر الإرهاب التكفيري في سوريا كنا سنُلغى جميعا"، لافتا إلى أن "بعض اللبنانيين عرض علينا الذهاب معنا من أجل القتال في سوريا، لكننا قلنا لهم إنه لا داعٍ لذلك".