أصابت وسائل التخاطب المجتمعي العالم بصداع مزمن ليس له حل سريع، فكل القوانين التي تبدعها عقول المتخوفين من تأثيرها "السلبي" قد فشلت، فهناك مخرج لكل صعب والتفاف على كل قانون، والدول المستهدفة قد تحمل أسماء دول أخرى يعرفها المتعارفون، والشخصيات تتحول بقدرة قادر إلى رسومات يفهمها المتابعون، فإشارة رابعة المشهورة بكفها ذي الأصابع الأربع تحولت إلى رقم أربعة بلونه الأصفر أو حتى إلى 5 – 1، فأي قانون هذا الذي سيجاري كل هذه المتغيرات؟
نشرت صحيفة الفاينانشال تايمز تقريرا مطولا عن صداع الحكومة البريطانية من تأثر الجهاد بوسائل التخاطب المجتمعي، فقد غادر 400 مواطن بريطاني إلى
سوريا للقتال ضد نظام بشار ولكن المصيبة التي تعاني منها الحكومة أن هؤلاء يستخدمون وسائل التخاطب المجتمعي بكثرة واحترافية، وكل شخص من هؤلاء لديه بضعة آلاف من المتابعين على التويتر أو الفيس بوك، أي أن العدد المرشح للمغادرة إلى هناك أكثر بكثير من هذا الرقم المعلن.
حفلت حسابات هؤلاء الشباب بالكثير من الكلمات، مثل الجنة والجهاد والخلافة والشهادة، كلمات تتابعها الجهات الأمنية لمحاولة الوصول إلى وسيلة تستطيع بها توقع أعمال عنف أو خطة للذهاب إلى جبهات القتال، ولكن من الصعب عمل ذلك، فالأمر ليس سهلا، فكثير من هؤلاء الشباب أو من متابعيهم لديهم اهتمامات أخرى، ولكن متى هي اللحظة المناسبة التي تستطيع الجهات الأمنية إلقاء القبض على مغرد بتهمة التحريض على العنف أو الدعوة للجهاد؟ مستحيل!! فالكثير من هذه الأسماء السابقة ترد في سياق آيات قرآنية أو أحاديث أو حتى أدعية، فكيف ستقرر الجهات الأمنية متى يشكل هذا الأمر خطورة على الدولة؟ وكيف ستقنع القاضي بهذا الأمر؟ (تذكروا أن هذه دول ديمقراطية).
يتوقع المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة كنغز كولج في لندن أن عدد الأوروبيين الذين غادروا إلى سوريا للقتال يبلغ حوالي 2000 شخص أغلبهم لا يرغب في العودة إلى أوروبا مرة أخرى وهم هناك بانتظار الشهادة، ولكن المشكلة ليست أيضاً في بقاء هؤلاء هناك ولكن في موتهم، لأن موتهم سيشعل رغبة الجهاد في الكثيرين ممن يتابعونهم على التويتر أو يرون صورهم في الفيس بوك وهم مضرجين بدمائهم.
أقفلت الحكومة البريطانية حوالي 28000 موقع منذ بداية 2013 ولكن الأمر أصبح غير مسيطر عليه، خصوصا مع التويتر الذي يستطيع صاحب الحساب إضافة حرف إلى اسمه التويتري وإعادة التغريد من جديد.
حاولت ترجمة أهم النقاط التي وردت في تقرير الفاينانشال تايمز حتى نستوعب حجم التحديات التي تواجه الأجهزة الأمنية الأوروبية عامة والبريطانية خاصة، ولكن دعونا ننظر إلى الأمر من جهة أخرى أغفلها التقرير، ودعونا نطرح السؤال التالي:
ماذا لو تدخلت أمريكا وأوروبا لوقف المجازر في سوريا منذ بداية الحرب ولم تترك آلة الموت تتحرك لوحدها ناهشة لحوم ضحاياها؟
دعوني أصيغ الأمر بطريقة أخرى، هل تذكرون حرب
البوسنة؟ لقد أحكمت القوات الصربية الحصار على المدن البوسنية حتى بدأ الناس يعانون من الجوع والبرد بشكل لم تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن استطاع البوسنيون تنظيم أنفسهم وشكلوا جيشا قوامه مئة ألف مقاتل، وتقاطر عليهم المقاتلون الشباب المسلمون من زوايا الأرض، واستطاع هذا الجيش أن يتقدم ويعيد الاستيلاء على أراض كان قد خسرها، حينها قررت أمريكا التدخل عسكريا وضربت بعض المنشآت العسكرية الصربية وبدأت مفاوضات دايتون وعاد المقاتلون من حيث أتوا، وكفى الله المؤمنين القتال.
إن القضية التي لا تريد أوروبا أن تفهمها هي أنها شريكة في جريمة السكوت عن المجازر بالتضامن مع أمريكا، والسكوت عن الجريمة له ثمن سيدفعه أكثر من يستطيع أن يمنعها ولم يفعل، فهؤلاء الشباب الأوروبيون لن يذهبوا للقتال لو كان الغرب قد تحرك لمنع المجازر التي تحدث في سوريا وغيرها من الأماكن، فأغلب تغريدات هؤلاء الشباب كانت تأثرا بما يحدث للنساء والأطفال من قتل وانتهاك عرض وتشريد.
ستصرف الدول الغربية المليارات لمراقبة وسائل التخاطب المجتمعي، وقد تخرج عن ديمقراطيتها أحيانا بدعوى الحفاظ على
الديمقراطية، فأعداد المعتقلين في السجون بتهم التحريض على الجهاد يزداد بمرور الوقت والسبب هو الصمت عن الظلم.
ليس من السهولة منع جرائم القتل التي يرتكبها النظام السوري ومؤيدوه، ولكن الأصعب منه هو إطفاء الحرائق التي تشتعل في قلوب الملايين من البشر الذين يشاهدون هذه المذابح دون أن يروا من يفعل شيئا لإيقافها.
(الشرق القطرية)