مدونات

زوجة الشهيد زعيتر.. وجع ينفذ للأعماق كالسُمّ!

الشهيد رائد زعيتر.. الذي لاقى حتفه بالرصاص الصهيوني الغادر
الشهيد رائد زعيتر.. الذي لاقى حتفه بالرصاص الصهيوني الغادر

كانت تجلس وحيدة مثل عُزلة، وذاكرتها مُقفلة. تحاول تذكر الابتسامات الضائعة، منكسرة في داخلها، في لحظة شوق، ورغبة عارمة بالبكاء!

يخففون عنها، حتى لا تموت مختنقة، بمأساتها، ومصابها الجلل، وبعد أن تحدثهم، تصمت طويلا، وتحاول جاهدة أن تنام بحزنها ووحدتها.

زوجة "رائد زعيتر" الشهيد الحي، الذي لاقى حتفه على معبر الأردن، بالرصاص الصهيوني الغادر، وابنها الذي تبعه بعد أن صارع المرض لأسابيع!.. يذهبون، لتبقى وحدها تلعن الظلم، والفقر، وبني صهيون!

تصمت قليلا، تمر ببالها أشياء كبيرة، بسرعة غامضة!، تقول في نفسها: رباه.. ماذا علي أن أفعل؟، كل شيء بدأ يصغر إلا هوة المأساة! تقاوم رغبتها بالبكاء، لا تقبل أن يتقهقر قلبها نحو الموت.

زوجها الشهيد "زعيتر"، الذي شعر أن منفاه يكبر بسرعة، والمسافات بينه وبين البلاد تزداد اتساعا، مات ليجد نفسه يُدفن في المكان الذي طالما حلم أن يعيش فيه، ليدفن في بلده نابلس، بعد طول غياب.

بني صهيون.. لقد قتلوا الكثيرين، واحدا تلو الآخر، ولم نفعل شيئا، سوى أن نقف عاجزين، نتجرع مرارة فقدهم، وأنين الحنين لنبضهم، ينخر في جسدنا مرار غيابهم، كالخشب يأكله السوس، دون جدوى من منعه!

نحاول أن نتلمس تفاصيل تأوهاتها، أن نخفف وطأة الأمر عليها، فلا نعرف من حسرتها إلا أن نتعاطف معها دون القدرة من اختراق قلبها!

هي.. التي تبحث عن أجوبة لأسئلتها، حول مقتل زوجها، ولا تجد إلا أسئلة أخرى تعود عليها، ضائعة داخل قطرة ماء، تتكور على زجاج النافذة، ثم تنزلق وتنكسر.

ذات ألم، كان الوجع ينفذ نحو أعماقها كالسُمّ! كانت بحاجة إلى شيء استثنائي في داخلها، ليقويها على مصائبها.

زوجها عندما فاجأه الموت، لم يكن يحمل سوى الكرامة، مدافعا عنها، وغطى الدم وجهه، وجسده، غادر الحياة، مرفوع الهامة، مدافعا عن آخر من تبقى لديه.

أما هي فقد صارت الدنيا رمادا، وطريقها يكمن به انغلاقاتٍ كثيرة!، إمرأة تحمل في قلبها الحنين، والشوق، والذاكرة المثقلة!

تحاول أن تنبش في ذاكرتها، التي حولوها إلى رماد، علّها تجد ما تقوى به، ما يشدّ أزرها، ويربط على قلبها، بعد أن جفّت الدنيا في عينيها، وبدأ الموت يدخل في قلبها، وأنوار عينيها تخفت، وتتضائل شيئا فشيئا.

ولا بد لها أن تجد بداخلها شيء كبير، لتُشفى من وجع الفقد، وحطاماته، فهي مثل عصفور مجروح جناحه، تحاول أن تتجاوز الموت، وتحلق، فتقع على رأسها منكسرة من جديد لتجد نفسها تفقد ابنها!، ليصبح المشهد أمامها، ضبابيا، لا ملامح له.

زوجها، وابنها، ذهبوا بلا عودة.. انقرضوا مثل الأشجار النادرة، لم يتبق منهم سوى أصواتهم في الأذن التي لم تنسى مناداتهم لها، وأطيافهم المنكسرة، وأصداء ضحكاتهم.. كل شيء اندثر، لم تعد الدنيا تسع حجم ألمها، لتقول: يا رب الحزن، ورب الوجع، ورب الموت، ورب الأخذ، والعطاء.. امنح قلبي صبر الفقد!

لم تبكِ، فقد تجمدت الدمعات في مقلتيها، وجفّت في روحها الشهقات! هي تتمنى فقط أن لا تضيع دماء زوجها هباءً منثورا، وأن لا يتركوا قضيته في منتصف الطريق، فتنكسر كعود حطبٍ يابس!
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم