في مقال لصحيفة "فايننشال تايمز" عن الطريقة التي غير فيها الرئيس
التونسي السابق زين الدين
بن علي، قواعد اللعبة التجارية لخدمة مصالح عائلته، وجاء فيه: "بالعربية يسمونها الواسطة، وهي الروابط والنفوذ التي تبقي عجلة
البيروقراطية في حالة دوران، وتساعد بعض الناس للتقدم في مجالهم، وكانت عائلة زين العابدين بن علي لديها الكثير منها".
وتضيف الصحيفة: "الآن كشف فريق يبحث في ملفات البنك الدولي كيف استطاع بن علي ومن حوله تغيير قواعد
التجارة في تونس لمصلحتهم، في الوقت الذي كانت الدول الغربية تثني على إدارة بن علي لاقتصاد بلاده".
ويكشف التقرير الذي وصلت لـ"فايننشال تايمز" نسخة عن التحديات التي تواجه تونس اليوم بعد ثلاث سنوات من خلع بن علي، وخاصة أن كثيرا من قوانين التجارة المقرة في وقته ما تزال سارية.
وحلل الباحثون في البنك الدولي بيانات الضرائب التي قدمتها وزارة المالية، والتي تخص أكثر من 600 ألف شركة، فوجدوا أن أكثر من 220 شركة يملكها أقرباء بن علي حصلت على 21% من أرباح شركات القطاع الخاص مجتمعة بين الأعوام 1996 إلى 2010، مستفيدة بشكل رئيسي من القوانين التي تعمل لصالحها.
وتعلق الصحيفة: "يبدو أن عائلة بن علي كانت تعرف أي قطاعات السوق تختار، وتتجنب القطاعات التي فيها تنافس شديد. أضف إلى ذلك أن القطاعات التي كانت تزعج عائلة بن علي كانت تتعرض لقيود تنظيمية أكثر".
تقول كارولاين فرويد من مؤسسة بترسون للاقتصاد الدولي التي شاركت في كتابة التقرير: "من الأسهل أن تحقق أرباحا أكثر إذا كان هناك قوانين تحميك من المنافسة، وأكثر من هذا تستطيع أن تسن قوانين جديدة إن لزم الأمر".
وكان صخر الماطري زوج ابنة بن علي الكبرى نسرين اشترى مؤسسة "النقل" الحكومية بـ16 مليون دولار، وبعد ذلك بفترة قصيرة رفعت الحكومة حصة الشركة من الاستيراد إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه، وعوم الماطري 40% من الشركة عام 2009، فحصل على 33 مليون دولا ثمنا للأسهم المَبِيعة.
وجمع هو وزوجته ملكية أو الشراكة في 36 شركة مختلفة بحلول عام 2010، بما في ذلك شركة للنقل البحري في ضاحية حلق الوادي شمال العاصمة تونس، بعد أن حصل كان يحلم به كثير من رجال الأعمال، انتخب للبرلمان عن حزب بن علي.
وسيطرت الشركات المرتبطة بمحيط بن علي حصة في السوق أكثر بـ6.3% من الشركات العادية، ويعد الفرق "بسبب توجه شركات بن علي إلى القطاعات المقننة".ولا شيء غير قانوني في هذا إلا أن هذه القوانين لا تخدم الشعب.
ويشير بوب رايجكرز، وهو اقتصادي يعمل مع البنك الدولي ومشارك في كتابة التقرير، إلى أن "لا شيء غير قانوني يحصل هنا، ولكن هذه القوانين لا تخدم بالضرورة المصلحة العامة".
وأصدر بن علي خلال مدة حكمه 22 مرسوما رئاسيا، تسببت في 73 تعديل للقانون التجاري. بعض هذه القوانين كانت مؤلفة بشكل ملتو مثير للسخرية؛ لتأكيد مصالح عائلة بن علي التجارية المختلفة.
ففي عام 2007 صدر قانون يتطلب الحصول على موافقة الحكومة للشركات التي تنتج الإسمنت، بالتزامن مع افتتاح شقيق زوجة بن علي شركة جديدة تدعى إسمنت قرطاج. وفي وقتها أشار الدبلوماسيون الأمريكيون في رسائلهم لواشنطن إلى اتهامات بأن دائرة بن علي تمكنت من الحصول على مميزات، وأن تزاحم المنافسين، وتذمر التونسيون من إثراء الماطري.
وهذا التركيز للثروة في أيد قليلة غذى استياء واسعا تفجر بعدها على شكل ثورة أطلقت الربيع العربي، واضطر بن علي والماطري إلى الفرار عام 2011.
تقول فرويد: "عندما نتحدث عن الفساد يخطر ببالنا الرشاوى، ولكن ما أزعج الناس هو هذا النوع من رأسمالية القرابة التي تميز المنطقة بأكملها".
ورفعت الزمر ذات العلاقات الجيدة مثل دائرة بن علي معدل النمو الوطني بنسبة 4-5 بالمئة قبل الربيع العربي، وحصلوا على إعجاب المراقبين في الخارجين حتى إن بن علي حاز إشادات دولية بسبب تعامله مع
الاقتصاد، ورفع القيود عن الشركات التي تتعامل بالتصدير.
يقول أنتونيو نوسيفور مدير قسم اقتصاد الشرق الأوسط وشمال وشرق إفريقيا في البنك الدولي: "بفتحه أجزاء من الاقتصاد، ومعاملة السجاد الأحمر التي لقيها المستثمرون الأجانب، أعطى بن علي انطباعا لبلد مفتوج للتجار والمستثمرين، وما نتج عن هذا هو أخذ الأضواء عن معظم نواحي الاقتصاد التي بقيت محمية بحواجز تمنع الدخول وبقوانين ضبط الأسعار".
وعلى خلاف مصر وليبيا وسوريا، استطاعت تونس إخراج نفسها من الأزمة السياسية، وتجنب الانحدار الى دائرة العنف، أو القمع السياسي، وصاغت دستورا توافقيا حصل على إشادات عالمية، وهدوء الأوضاع السياسية بعد أن كاد اغتيالان في العام الماضي يخرجا البلاد من طريق التحول.
واستدرك نيسوفورا وفريقه بأن على تونس أن تفكك تركيبة القوانين التجارية التي شكلت قلب الاقتصاد الفاشل في حقبة بن علي؛ حيث ما تزال هذه القوانين التي تخنق التنافس موجودة.
ويعلق نيسوفورا: "من الخطأ افتراض ان المحسوبية اختفت بذهاب بن علي وعائلته".
وكانت محكمة تونسية أصدرت حكما غيابيا على بن علي -الذي يعيش في السعودية- بالسجن المؤبد بتهم الفساد والاختلاس والتآمر للقتل.