كتب علي بردى: تفرض
روسيا أمراً واقعاً جديداً لن يحظى بشرعية في المؤسسات الدولية. لن تودّع أوكرانيا شبه جزيرة القرم على رغم النتائج المعروفة للاستفتاء. لن تتوقف
الحرب في سوريا في سنتها الرابعة مع إعادة انتخاب متوقعة للرئيس بشار الأسد. لا يكترث الكرملين كثيراً لتهديدات الغرب الذي ينجر أكثر فأكثر الى منطق الحرب
الباردة. أخشى ما يخشاه هو غضب المسلمين.
يعتقد ديبلوماسيون غربيون أن تلك الحرب كانت صراعاً عقائدياً عفاه الزمن بين معسكرين: الرأسمالية والاشتراكية. يجادل مسؤولون في بلدان مثل أوكرانيا وليتوانيا وبولونيا بأنهم لا يريدون وضعهم أمام خيار تلك الانقسامات التي كانت تشطر العالم بين غرب وشرق. لا يرغبون في الإقامة مجدداً وراء "ستار حديد". بعد هدم جدار برلين، تمكنت شعوب أوروبا الشرقية من تحديد خياراتها بحريّة. فتحت الأبواب في نهايات القرن العشرين لصعود المجتمع المدني وعولمته. نجحت الديموقراطيات الوليدة في إزاحة أنظمة الاستبداد الهرمة في أوروبا الشرقية والوسطى. جاءت الانتخابات بزعماء جدد مكان طغاة في الفيليبين والأرجنتين والسالفادور ونيجيريا وغيرها. بيد أن العالم العربي بقي يراوح تلك الحقبة وما قبلها من الماضي. كان الرئيس باراك أوباما يجهد للضغط على "مفتاح إعادة تشغيل" العلاقات الأميركية – الروسية، حين كان الرئيس فلاديمير بوتين يستمع الى أغنية "البيتلز" المفضلة لديه "ياسترداي" كلما دب به الحنين الى الحقبة السوفياتية. يردد: "بالأمس، كل مشاكلي كانت بعيدة/ الآن تبدو كأنها مقيمة هنا/ آه، كم أؤمن بالأمس". يخشى أن تفسد رياح الغرب الساحة الحمراء. مرحى بالحرب الباردة.
ارتكبت الولايات المتحدة والدول الغربية أخطاء فادحة إذ خالفت القانون الدولي وغزت العراق. استخفت بروسيا إذ اطاحت نظام العقيد معمر القذافي تحت شعار حماية المدنيين في ليبيا. قرر بوتين أنه لن يسمح لأوباما بتكرار "الإهانة" في سوريا باطاحة الرئيس بشار الأسد. فلتسفك الدماء! سنة، سنتان، ثلاث، أربع وأكثر حتى تصل الرسالة. ليس مهماً أن اسرائيل هي التي تنعم بهذه الحال. فلتجر الترتيبات اللازمة من أجل تكريس ترئيس الأسد. ها هي مصر أيضاً تهيئ الأجواء كي يصير المشير عبد الفتاح السيسي قائداً خالداً جديداً لضبط عقارب الساعة. بدّد سكان الكهوف بعض الأمل الذي شاع في بداية "الربيع العربي".
تتغير قواعد اللعبة أكثر انطلاقاً من القرم وأوكرانيا. تتحقق أمنية الكاتب الستاليني الروسي ألكسندر بروخانوف الذي نقلت عنه "النيويورك تايمس": "أخشى أني مهتم بحرب باردة مع الغرب (...) انتظرت 20 سنة. فعلت كل ما في وسعي كي تبدأ تلك الحرب. عملت من أجلها ليل نهار".
المفارقة أن الولايات المتحدة تعمل لتظهر مدافعة عن حق الشعوب وتقرير المصير، وأن روسيا تميل أكثر الى بقاء أنظمة الاستبداد باسم المحافظة على الاستقرار ومحاربة الإرهاب.
إذا صدقت نظرية الحرب الباردة، على من يصب
المسلمون جام غضبهم؟