نشر الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، محمد جلال
القصاص مقالا في صفحته على "فيسبوك"، يتحدث فيه عن الظهور الملفت والمتكرر لأحد منظري "الاتجاه السلفي الموالي للحكم العسكري" في
مصر، في وسائل الإعلام المصرية، وبخاصة تلك الرافضة للإسلاميين منها، على حد تعبير القصاص.
ويبرر الباحث المصري المتخصص بالحركات السلفية اهتمامه بهذا الظهور الإعلامي المتكرر لـ"ياسر
برهامي"، باهتمامه الشخصي بالخطاب "السلفي" الذي يمثله الرجل من ناحية، والتعرف على ما يدور في الحوارات التلفزيونية معه، والبحث في دوافع الزج به "باستخفاف" في هذه الوسائل، من ناحية أخرى.
ومن خلال متابعته للحوارات، يرى القصاص أن قضية برهامي الآن تنحصر في أهداف، أهمها محاصرة "الفكر التكفيري التفجيري".
وفي مقاله الذي حمل عنوان "تفعيل ياسر برهامي"، يرد القصاص على برهامي من خلال ما كان يصرح به الأخير نفسه لوسائل الإعلام؛ فلم يحدث أن وجه أحد اتهامات للإخوان أو الجماعة الإسلامية أو السلفية العلمية أو أيٍّ كان ممن هم في "التحالف الوطني" اليوم، بأنهم أصحاب فكر تكفيري، غير ياسر برهامي.
ويضيف أن برهامي لا يقدم دليلا على دعواه غير ادعاء أنهم هم الذين يفجرون الكنائس والمنشآت العامة؛ ثم يتخذ من التفجير إمارة على التكفير، فيقول: يكفرون ويفجرون، ويقول: الإخوان اختاروا حمل السلاح والخروج على المجتمع.
ويبيّن القصاص أنه معلوم أن الإخوان لم يتبنوا عملية تفجير واحدة، أو عملية قتل مسلح واحدة، وأن الدولة لم تستطع أن تثبت عملية تفجير أو قتل مسلح واحدة لجماعة من الجماعات الإسلامية، بل جاءت تصريحاتهم مضحكة وواضحة الكذب، فهم ينسبونه لـجماعة بيت المقدس ويعاقبون الإخوان، وينسبونه للأموات والمسجونين، ويعلنون عنه قبل وقوعه بأيام، ويتعهدون بعدم حصوله أحيانًا. وبيّن أن القتلى كلهم من الإخوان وممن اصطف بجوارهم، والعسكر هم الذين يَقتلون وفي وضح النهار. ولكن برهامي يصرح بأن أغلب العسكر مفعول به وليس فاعلًا!!
ويعلّق متهكما: "هكذا يتكلم (الشيخ)، (التقي) الذي لا تفوته تكبيرة الإحرام!!".
ومن ناحية أخرى يشير الكاتب إلى مناشدة برهامي للدولة بأن تعينه بقوة للتصدي لهذا الفكر، فيطالب بتكوين تيار كبير يمثل الإسلام المعتدل الذي يتكون من جماعته ومن الأزهر وبعض أنصار أهل السنة و"المعتدلين" من الإسلاميين عمومًا، يكون –هذا التيار- مرجعية لكل المسلمين في مصر.
ويقول: "في ظني أن هذه هي قضية برهامي الرئيسية: تكوين تيار كبير في مصر على أنقاض الإخوان ومن تحالف معهم، يكون هو بيضة هذا التيار"، ويدل على ذلك السياق الذي يتحرك فيه برهامي و"الدعوة السلفية" بالإسكندرية، فقد حرصوا مذ ظهروا على التميز والتحدث كفصيلٍ مستقلٍ، فالذي يبدو أنه يستغل الحدث للتوسع على أنقاض الإخوان وعامة التيارات السلفية.
ويشير إلى أن "ياسر يتقافز بين ضدين: مرة يدعي أنه يقف أمام الإسلاميين (كحام)، لهم من بطش العسكر، ومرة يقف أمام العسكر كحامٍ لهم من الإسلاميين (التكفير والتفجير)، والهدف من هذا التقافز الخفيف بين الضدين أن يُفعل المتاح وصولًا إلى بناء كيان (دعوي)".
أما قضية مَن يستضيف برهامي، بحسب ما يرى القصاص، فهي ليست التواصل مع الحركات الإسلامية للوصول لحل ثقافي أو التعايش المجتمعي فهم أنفسهم الذين يُقلِّبون الناس على الإسلاميين، وليست قضيتهم تلميع برهامي وحزبه، فقد أقر برهامي نفسه بأن هناك محاولات لإقصائه ومن معه، وأقر بأن الإعلام يثير أزمات من خلال ما يطرحه عليه من أسئلة، وذات مرة فوجئ بأن ما اتفق مع المذيع على عدم إثارته قبل الحلقة أثير في بدايتها، وكان حديثًا عن تولي غير المسلم الولاية العامة.
ويوضح أن الإعلاميين المشار إليهم، إنما "يستغلون الظرف ويستضيفون ياسر لتفعيله، لطرح عددٍ من الأسئلة على الفكر الإسلامي والحصول على إجابة تخدمهم في أهدافهم: هذه الأسئلة تدور حول قضايا الخلاف بين العلمانية والحركات الإسلامية"، مثل: شكل الدولة التي يريدوها الإسلاميون، وموقفهم من الدولة القومية الحالية، والموقف من الأقليات وبالتالي قضية المواطنة والولاية العامة والقبول بمرشح نصراني على قوائمهم، والموقف من المرأة حسب الرؤية الغربية، والموقف من الفن بوضعه الحالي.
ويرى أن "هذه الأسئلة أداة، وليست أسئلة عادية تبحث عن إجابة، وإنما أسئلة تُطرح على نوعية معينة من المنهزمين.. المتنازلين.. المتراجعين.. المتأولين- كما تشاء سمهم – من أجل الحصول على إجابة معينة تسوق في اتجاهين: الأول، داخل الصف الإسلامي نفسه للتفاعل معها وبالتالي شغل الداخل الإسلامي؛ والثاني، في صفوف المخالفين من أجل تثبيتهم على ما هم عليه وتغيير معالم الدعوة الإسلامية في حسهم".. فالإسلاميون -بحسب تيار برهامي- ليسوا ضد الفن ويرون في الأفلام والأغاني جمالًا، والإسلاميون لا يعارضون ترشح المرأة على قوائمهم وبالتالي خروجها وكشف وجهها ومخالطتها للرجال، والإسلاميون ليسوا ضد تولي النصارى على قوائمهم.
ويلفت إلى أنهم إن وجدوا إجابة لا يرغبون فيها استعملوها في تخويف المخالفين من الإسلاميين، بدعوى التشدد وأن الإسلاميين خطر على غيرهم ويريدون إجبارهم على غير ما يعتقدون؛ والمقصود أن هذه الأسئلة أداة للطعن في الفكر الإسلامي عمومًا.
ويقرر أنه "ربما كان هذا هو السبب في استدعاء ياسر نفسه، وعدم الاكتفاء بالمتحدثين الرسميين إذ أن الأمر يحتاج إلى "مرجعية" لتقرير الإجابة على تلك الأسئلة في هذا التوقيت بالذات".. وياسر له قضية، وهم لهم قضية، هو يحاول تفعيلهم لصالحه وهم يحاولون تفعيله تحصيلًا لأهدافهم؛ وهم المستفيدون من ياسر ولن يصل من خلالهم لقضيته هو، ببساطة لأن مساحة الصراع أكبر منه، فهو جزء من المشهد، وكثير من أطراف الصراع يعملون في مناطق لا يتواجد هو فيها وتخدم مصالح المخالف.
ويخلص القصاص إلى "أن هناك حراكا يهدف إلى الإفادة من ياسر، أسميهم بآكلي الجيف، فبعد أن سقط برهامي في المعركة القائمة بين الإسلاميين والعلمانيين، نزل عليه من حاول الإفادة منه وتفعيله".
ويضيف أن هذا التوجه يحاول تطوير برهامي، أو تطوير الحالة السلفية في اتجاه علماني باستغلال "تراجع ياسر"، وأنه يمكن رصد هذا التوجه في الحراك الثقافي المتعلق بالإسلاميين على أرض دولة قطر، وخاصة ذلك الذي يتوسطه محمد الأحمري وعزمي بشارة، "فكلاهما يفيد من المتساقطين في المعركة بين العلمانية والحركات الإسلامية، وإن اختلفا عن بعضهما، وأهم ما يخرج منهما هو: الحديث عن أن أدوات الديمقراطية تؤدي إلى تبني فلسفات الديمقراطية أو التعديل في الأيدلوجيات، وهو ما بشر به عزمي بشارة من قبل.
ويلفت إلى أن هؤلاء يتخذون من حال "حزب ياسر" دليلًا، وأن "السلفية" تقع ضمن سياق المستبدين وضد الحريات.
ويقول إن ياسر قدم لهؤلاء مسوغًا للبقاء والنمو، فقد يكون هذا الحراك –وخاصة القريب من السلفيين – سببًا في تطوير الخطاب السلفي أو جزء منه في اتجاه العلمانية، وبشائره بدت في مصر، وخامته موجودة بكثرة في صفوف الدعوة السلفية، والخبرات السابقة موجودة في التجربة الخليجية التي كان طليعتها محمد الأحمري.
وينبه القصاص إلى أنه في هذا الوقت الذي تجمّع فيه المخالفون لاستئصال حركات التجديد الإسلامي، تحرك ياسر برهامي لأهداف خاصة، تتمحور حول الحفاظ على أتباعه وتوسيع رقعة نفوذه، ويقدم عداوة الصف الإسلامي قربانًا ويمتطي الكذب الصريح، في مشهد لم ير التاريخ أسوأ منه من منتسبٍ للمتدينين.
ويختم بالقول، إن المخالفين يتحركون لأهداف خاصة تتعلق بالقضاء على حركات التجديد الإسلامية أو تحجيمها، بأكثر من أداة، أحدها برهامي وفي أكثر من ساحة لا يتواجد فيها برهامي؛ وقد أفادوا منه ولم يفد منهم، فكل يومٍ يخسر ويكسبون.