تساءل فيليب جيرالدي عما إذا كانت منظمة العلاقات الأمريكية–
الإسرائيلية المعروفة بـ"إيباك" لا تزال تمارس تأثيرا قويا على
صناع القرار في
الكونغرس، أم أنها في انحسار في ظل فشلها في إقناع الكونغرس بالتصويت على عقوبات جديدة ضد إيران، وهزيمتها في منع تعيين تشاك هيغل وزيرا للدفاع، أو دفعها إدارة أوباما لضرب سوريا.
يبدأ جيرالدي مقاله الذي نشره موقع "الجزيرة نت" الإنجليزي بالحديث عن مؤتمر الإيباك المنعقد في واشنطن، الذي بُدئ في الثاني من آذار/ مارس وسينتهي اليوم (الثلاثاء) الرابع من آذار/ مارس، بخطاب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويتفاخر المنظمون بأن المؤتمر سيحضره 14 ألف أمريكي مؤيد لإسرائيل، بما في ذلك ثلثا الكونغرس وأكثر من 2200 طالب من 491 جامعة. وسيكون هناك كلمة للسيناتور جون ماكين ووزير الخارجية جون كيري.
وكجزء من نشاط الإيباك، سيقوم المشاركون بالتوجه إلى "كابيتال هيل" حيث مكاتب أعضاء مجلس الشيوخ والكونجرس، لإثبات أن الإيباك ما تزال حية بالرغم من النكسات العلنية.
كما أنهم سيقومون بمطالبة
الولايات المتحدة، بمواصلة ضغطها على إيران وتشريع عقوبات جديدة، حتى في الوقت الذي يبحث فيه البيت الأبيض عن طريق تجنبه حربا كارثية أخرى في الشرق الأوسط.
وستكون حجتهم أن إيران تشكل خطرا على العالم بأسره، وأنه يجب تحجيمها إلى مستوى لا تستطيع معه التفكير في الهجوم أو حتى الرد على هجوم ضد إسرائيل، وأن يتضمن تفكيك قدرتها النووية وتدمير صواريخها البالستية التي يتجاوز مداها الـ 500 كم.
وستبلغ الإيباك مستويات قياسية في جمع التبرعات والدعم من القواعد، فهناك 100 مليون دولار موقوفة لنشاطاتها، وتصل ميزانيتها السنوية إلى 70 مليون دولار، كما أنها توظف 200 شخص، ما يجعلها أقوى وأغنى مؤسسة ضغط مختصة في السياسة الخارجية. ولكن لم يكن حاضرا في أذهان المشاركين أي شعور بالمصالح الأمريكية الأساسية في دعم إسرائيل.
ولطالما كانت حجة اللوبي المؤيد لإسرائيل -والإيباك جزء منه- أن مصالح واشنطن وتل أبيب متشابهة، أو باستخدام التعابير البراقة الجديدة "ليس هناك مسافة بينهما"، والولايات المتحدة ستحظى دائما "بدعم إسرائيل".
دولة صغيرة تابعة
إن الطبقة السياسية في واشنطن تبنت المصطلحات المؤيدة لإسرائيل، وحتى رؤية تل أبيب المنحرفة لواقع الشرق الأوسط، ما خلق مشهدا فريدا من نوعه لدولة عظمى تفعل كل ما في استطاعتها لإرضاء دولة صغيرة تابعة، وسيكون التملق لإسرائيل جليا خلال مؤتمر الإيباك.
ولكن، وبالرغم من كل هذه المظاهر الاحتفالية، فإن الإيباك تعلم أنها لا تستطيع جمع تواقيع 70 عضوا في مجلس الشيوخ على منديل ورقي، خلال يوم واحد. كما أن المذكرات التي ترسلها باستمرار للكونغرس والإعلام، لم تعد تلقى نفس الاحترام الذي كانت تلقاه في السابق.
و"إيباك" لم يعد بإمكانها أن تخط مسودات قوانين لمصلحة إسرائيل وترسلها للكونغرس، ويتوقع أن تصدر قانونا بتصويت كل الأعضاء. فقد عانت من فشل كبير في دعمها لقصف سوريا وقوانين زيادة العقوبات على إيران؛ الأولى عارضها الشعب المتعب من الحروب، والثانية تعثرت في الكونغرس الذي أصبح أكثر قلقا.
كما أن إيباك عارضت تعيين تشاك هاجل وزيرا للدفاع بسبب مناوءته المزعومة لـ"إسرائيل"، مع أنها لم تفعل ذلك بشكل علني بل قامت بالضغط بشكل صامت في كابيتال هيل، وهذا أيضا يعتبر هزيمة.
وحتى "نيويورك تايمز" أشارت إلى أن الإيباك أصبحت في موقع دفاع، مما دعاها أن ترد على افتتاحية الصحيفة التي قالت فيها الصحيفة أن اللوبي فشل في ثني البيت الأبيض عن التوصل إلى اتفاق مع إيران واضطرت الإيباك أن تدافع عن موقفها بهذا الخصوص وهذا ما لم تعتده هذه المجموعة التي اعتادت أن تعمل خلف الكواليس.
وكان هذا الصدع بسبب افتراق الواقع عن الخيال. فالواقع أن الولايات المتحدة لا تحتمل حربا أخرى في الشرق الأوسط لا من الناحية المالية ولا من ناحية النتائج غير المحسوبة والتي دمرت التدخل في العراق وأفغانستان. ولكن للولايات المتحدة مصلحة ضرورية في أن يبقى تدفق الوقود من مصادر الطاقة مستمرا وإن حربا مع إيران ستضرب الاقتصاد العالمي، الذي لا يزال في مرحلة التعافي. مقابل هذا الواقع هناك الخيال بأن إسرائيل هي كنز استراتيجي وشريك دولي للولايات المتحدة.
وعدا عن الضغط التي تمارسه المجموعات مثل إيباك، فقد بدأ الأمريكيون يدركون أنه لا شيء يضطر أمريكا للتضحية بمصالحها من أجل السماح لإسرائيل بالتصرف كما تشاء.
وليس هناك تبرير في أن تقوم أمريكا بحماية إسرائيل من جيرانها أكثر من حماية أي بلد آخر في الشرق الأوسط. كما أن هناك شعورا متناميا بأن هذه العلاقة غير المتوازنة ليست فقط مكلفة من ناحية مادية، ولكنها تحرك الجماعات الإرهابية مثل القاعدة لمهاجمة أمريكا.
وهذا لا يعني أن أمريكا لا يمكن أن تلعب دورا إيجابيا وتعمل لدعم مصالح كل أصدقائها في الشرق الأوسط، وهذا ما تستطيع فعله من خلال كونها وسيطا أمينا يهتم في استقرار المنطقة وليس مجرد تغيير الأنظمة.
ولكن نظرة إيباك المحدودة تجعلها ترى حليفا واحدا هو الأقرب وهو إسرائيل وكل بلد آخر يجب النظر إليه على أنه لاعب من الدرجة الثانية ويجب أن تتناغم مصالحه مع تل أبيب أو أن يهمل.
الجانب الخطأ من التاريخ
إن إصرار إيباك على الطرح، الذي يعتبر ديمقراطية إسرائيل المشوهة والفاسدة ليبرر "العلاقة الخاصة" تسبب بضرر كبير لمصالح أمريكا في العالم الإسلامي. وكما أشير لذلك أكثر من مرة من أن أمريكا لم يكن لها أعداء في الشرق الأوسط بعد انتهاء الاستعمار حتى أقيمت إسرائيل عام 1948 والآن لها قلة من الأصدقاء.
وتبنى التيار الرئيسي في الإعلام الأمريكي هذه العلاقة الحميمة بين واشنطن وتل أبيب جعله غير مستعد لانتقاد تصرفات إسرائيل، ولكن هذا الإجماع في وجهة النظر الذي استمر لفترة طويلة والذي ساد وسائل الإعلام وخبراءها المستفيدين بدأ بالتآكل مع استمرار انتشار مصادر المعلومات البديلة ولذلك يجب أن تكون قيادة الإيباك قلقة جدا.
هذا التحول في الرأي مستمر ويزداد حجمه ويضم أعدادا من اليهود الشباب واليهود الليبراليين الذين ارتفعت أصواتهم لتقول لإيباك إنها لا تتحدث باسمهم وخاصة أن تاريخها يعكس دعما أعمى للحكومات الإسرائيلية التي تزداد تطرفا.
وتزداد معارضة الشعب الأمريكي الأكثر وعيا للمغامرات العسكرية في الخارج، فقد بدأ يدرك أن الأمور التي كان يراها سابقا على أسس مانوية (مبدأ الصراع بين النور والظلام) إنما هي أكثر تعقيدا، هذا بالإضافة إلى عامل التجربة. فتدخلات أمريكا في العراق وليبيا ومصر كلها دعمتها إسرائيل ومؤيدوها لأسباب مختلفة، جميعها ينظر إليها على أنها لا تخدم المصالح الأمريكية بل على العكس تماما.
وهذا ما يبين سبب قلة الحماس لإعادة التجربة في سوريا وإيران، وهذا أيضا يعني أن إيباك وجدت نفسها في الجانب الخطأ من التاريخ بخصوص ما تطلبه من الشعب الأمريكي وهذا بالتأكيد ليس أمرا جيدا بالنسبة لمجموعة ضغط في واشنطن.
يذكر أن غيرالدي ضابط سابق في المخابرات العسكرية والمخابرات المركزية الأمريكية، وعمل في مكافحة الإرهاب في أوروبا والشرق الأوسط، ويشغل اليوم منصب المدير التنفيذي لمجلس المصالح الوطنية.