بالتزامن مع الزيارات المتكررة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي جون
كيري إلى الأردن والمنطقة العربية، ضمن مساعيه عقد اتفاق إطار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لوحظ دخول أطراف جدد على خط "
تطبيع" العلاقات الاقتصادية بين الأردن وإسرائيل.
ففي الآونة الأخيرة، زادت وتيرة حملات "تطبيع" العلاقات بين البلدين، عبر مبادرات واتفاقيات يقودها تارة القطاع الخاص بتسهيلات حكومية ودعم رسمي غير معلن، وتقودها الحكومة تارة أخرى، وبشكل مباشر عبر مشاريع بينية كبرى، وفق برلماني ورئيس لجنة نقابية معنية بمقاومة التطبيع.
وظهرت مؤخرا مكاتب تشغيل تعرض على الأردنيين العمل في
إسرائيل مقابل امتيازات ورواتب عالية، ناهيك عن انتشار سماسرة يهود يسعون لشراء عقارات الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية داخل إسرائيل، إضافة إلى فتح باب الاستيراد على مصراعيه للفواكه والخضار من المستوطنات، وانتهاء بالاتفاقية التي وقعتها شركتا "البوتاس العربية" و"برومين" الأردن مع شركة نوبل إنيرجي الأمريكية، الأربعاء 19 شباط/ فبراير الحالي، لتوريد ملياري متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقل "تامار" الإسرائيلي، لمدة 15 عاما، وبقيمة 771 مليون دولار.
من جانبها، لم تستبعد مصادر حزبية أن يكون الأردن قد تعرض لضغوط أمريكية بفرض هذه الاتفاقية، على شركة "البوتاس"، التي تملك الحكومة الأردنية نسبة كبيرة من أسهمها وتتولى إدارتها، بهدف تمتين وتطبيع العلاقات تحسبا لأية عزلة دولية لاحقة قد تعاني منها اسرائيل جراء مضيها في سياسة الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية، وتعنتها ضمن ملف مفاوضات السلام.
فيما تنفي شركة "البوتاس" أي علاقة لها مع إسرائيل، حيث أصدرت بيانا أشارت فيه إلى أن شركة "نوبل إنيرجي" ستقوم بموجب الاتفاقية بتسليم الغاز للشركة بعد سنتين على الحدود الأردنية غرب البحر الميت، كما أشارت إلى أنه ليس لشركة "البوتاس" أي نشاط تجاري في إسرائيل، وليست لها أي علاقة مع اسرائيل، مؤكدين في البيان على أنهم يتعاملون فقط مع الشركة الأمريكية.
إلا أن البيان لم يتطرق إلى مصدر ومنشأ الغاز التي ستقوم الشركة الأمريكية بتأمينه.
بيد أن وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال المتحدث باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، نفى أن تكون هذه الاتفاقية وقعت مع أي ممثلين عن الحكومة الإسرائيلية أو القطاع الخاص الإسرائيلي.
وأضاف المومني، أن "الاتفاقية أبرمت بين شركتين أردنية وأمريكية ولا حاجة لعرضها على مجلس النواب".
وحول هذه الاتفاقية، قال رئيس اللجنة النقابية الأردنية لمقاومة التطبيع، مناف مجلي إنها - أي الاتفاقية - "باطلة نقابيا وساقطة شعبيا ولا تمثل إلا من وقعوا عليها في أحسن الأحوال"، على حد وصفه.
وتابع مجلي، "سنكافح لإسقاط هذه الصفقة المشبوهة، كي لا يدفع الأردني ثمن الرصاص الذي يقتل فيه الصهاينة أشقاءنا الفلسطينيين".
وعلى الرغم من حملات مكافحة التطبيع التي تطلقها الهيئات والمؤسسات المدنية والتجمعات الشبابية والطلابية، وأحيانا مجلس النواب، إلا أن مكاتب وساطات التشغيل العاملة في عمان، تمكنت أخيرا، وفق وثائق، من الحصول على الموافقات الأمنية والرسمية عبر المسارين الأردني والإسرائيلي للشروع بإرسال آلاف العمال الأردنيين للعمل في مدينة أم الرشراش من الجانب الإسرائيلي الساحلية المتاخمة لمدينة العقبة الواقعة على الساحل الجنوبي للبلاد، لاسيما في قطاع الفنادق والإنشاءات والخدمات العامة.
وحول النشاط التطبيعي "المحموم" الذي تشهده البلاد قاول النائب في البرلمان الأردني علي السنيد إن "ما يجري من عمليات تطبيع مشبوهة بين حكومة عبد النسور والكيان الإسرائيلي، هو جزء من مخطط كيري الهادف إلى تهيئة الأرضية الاقتصادية لحسم القضية الفلسطينية على حساب الأردن ومصالحه العليا".
واتهم السنيد حكومة بلاده بـ"إجهاض" العديد من المذكرات النيابية التي دعت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وطرد سفيرها من عمان، ما يثبت أن الجانب الرسمي الأردني ضالع في تهيئة الظروف لما وصفه بـ"مشروع الوطن البديل"، والهادف إلى إلغاء "حق العودة"، وإقامة "سلام اقتصادي" مع إسرائيل، على حد تعبيره.
وكان النائب في البرلمان الأردني خليل عطية أعلن الخميس 20 شباط/ فبراير الحالي أنه توجه بسؤال لرئيس الوزراء عبدالله النسور حول قيام السفارة الإسرائيلية في عمان بمساومة مواطنين أردنيين من أصول فلسطينية لشراء ملكية الأراضي الخاصة بهم في فلسطين المحتلة.
وطالب عطية في سؤاله تزويده بحقيقة قيام السفارة باستدعاء مواطنين أردنيين من أصول فلسطينية يمتلكون أراض داخل الخط الأخضر، من أجل مساومتهم على شرائها، معتبرا ذلك بمثابة انتهاك للقوانين الدولية الناظمة لعمل القنصليات والسفارات والهيئات الدبلوماسية.
وحول مشروع "ناقل البحرين"، الذي ستقايض فيه الحكومة الأردنية مع إسرائيل المياه المحلاة في العقبة، مقابل كميات مشابهة من مياه طبريا إلى مدن الشمال الأردني، يقول السنيد إن هذا المشروع، إضافة إلى الاتفاقية الجديدة الخاصة باستيراد الغاز من إسرائيل، كلها تهدف إلى بسط النفوذ الإسرائيلي وتعزيز وجوده وتبعيتنا له، وفرضه على الشارع الأردني كـ"واقع طبيعي لا غنى عنه وإلا متنا من العطش".
واستعرض السنيد حجم التبادل التجاري بين الأردن وإسرائيل، فقال إن "الميزان التجاري يميل لصالح اسرائيل ذلك أن قيمة واردات الأردن من إسرائيل أعلى من الصادرات إليها"، دون أن يذكر نسبة الفارق أو قيمه.
وكانت مبادرات وأنشطة شبابية عديدة أطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي سعت إلى إقناع التجار بتعويض استيراد "الجزر" الإسرائيلي، بالاستيراد من تركيا ودول أخرى مجاورة، والأمر ذاته ينطبق على فاكهة "المانجو"، وأصناف أخرى كانت تستورد من إسرائيل في مثل هذا الوقت من العام.
جدير بالذكر أن الأردن وإسرائيل أنهيا في 26 تشرين الأول، أكتوبر من العام 1994، وقعا اتفاقية "وادي عربة" أو "
معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل".
وجاءت الاتفاقية بعد توقيع البيان الأمريكي الأردني الإسرائيلي في واشنطن في السادس من حزيران/ يونيو 1994، الذي هدف إلى استكشاف وتحديد العلاقات التجارية والاقتصادية المستقبلة بين الجانبين، والأهم بعد "إعلان واشنطن" في 25 تموز/ يوليو 1994، الذي وقعه الملك الراحل حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين، والرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بصفته شاهدا، لـ"طي صفحة حالة الحرب بين الأردن وإسرائيل" كما تنص بنوده.
ولم يكن الأردن أول من وقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، بل سبقته إلى ذلك مصر من خلال اتفاقية السلام العام 1979 والفلسطينيون عبر اتفاقية أوسلو في 13 أيلول/سبتمبر 1993، وجاءت المعاهدة الأردنية ـ الإسرائيلية بعد أربع سنوات من مؤتمر مدريد في العام 1991 الذي عقد على أساس مبدأ "الأرض مقابل السلام" وشاركت فيه أطراف النزاع العربية أي سوريا ولبنان والأردن والفلسطينيين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.