أعلن الرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، الجمعة، عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في ظلّ الأزمة التي تشهدها البلاد.
وذكرت وسائل إعلام أوكرانية، أن يانوكوفيتش أعلن عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة والعودة للعمل بموجب دستور عام 2004 الذي يحدّ من صلاحيات الرئيس، بالإضافة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وأعلنت الرئاسة الأوكرانية في وقت سابق الجمعة، أنه جرى التوصل إلى اتفاق مع المعارضة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، لإنهاء أعنف أزمة تشهدها البلاد منذ استقلالها.
وقال بيان صادر عن الرئاسة الأوكرانية، إن "المفاوضات الخاصة بتسوية الأزمة السياسية في البلاد بمشاركة الرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، وزعماء المعارضة، وممثلي الاتحاد الأوروبي، وروسيا، انتهت".
وأضاف أنه "تم الإتفاق على توقيع اتفاقية لتسوية الأزمة بالأحرف الأولى"، مرجحاً أن "يتم التوقيع على الوثيقة ظهر اليوم بتوقيت كييف في مقر الرئاسة".
وكانت وزارة الصحة الأوكرانية أعلنت الخميس، مقتل أكثر من 75 شخصاً في أعمال العنف في كييف منذ الثلاثاء، وهي أعمال تعتبر الأسوأ منذ حصلت البلاد على استقلالها في العام 1991.
وتشهد كييف أزمة سياسية حادّة، أدّت في الأشهر الماضية إلى سقوط قتلى وجرحى، على خلفية احتجاج المعارضة على رفض الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، التوقيع على اتفاق للتبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي، مفضّلا بدلاً من ذلك تقارباً مع
روسيا.
استمرار الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن وانشقاق رجال شرطة
وفي السياق نفسه، استمر سماع أصوات الأعيرة النارية في ساحة الاستقلال وسط العاصمة الأوكرانية كييف، بالرغم من إعلان الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، عن توصل الأطراف إلى اتفاقية لوقف
المواجهات الدامية التي شهدتها ساحة الاستقلال مؤخراً.
وأوضحت وزارة الداخلية الأوكرانية، أن قوات الأمن أطلقت النار على متظاهرين أخلوا اتفاقية وقف إطلاق النار، فيما وصل 50 شرطياً برفقة وزير الداخلية الأوكراني السابق يوري لوتسينكو، إلى ساحة الاستقلال، للانضمام إلى المتظاهرين المناهضين للحكومة، قادمين من مدينة "لفيف" غرب أوكرانيا.
وقال لوتسينكو، خلال كلمة ألقاها أمام حشود المتظاهرين في ساحة الاستقلال، إنه "كان يتحرق شوقاً من أجل الالتحام بجماهير الشعب، إلا أن الظروف لم تكن مواتية في الأيام السابقة"، مشيراً إلى أن قدومه إلى العاصمة جاء من أجل مواصلة "مسيرة النضال جنباً إلى جنب مع الشعب".
وأشار أوليكساندر يفرموف، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الأقاليم الحاكم في البرلمان الأوكراني، في لقاء مع وكالة أنباء "إنترفاكس" الأوكرانية، إلى أن الاتفاقية التي توصلت إليها قوى المعارضة مع الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش، تضمنت إجراء تعديلات دستورية في شهر أيلول/ سبتمبر، وانتخابات رئاسية في كانون الأول/ ديسمبر.
فيما لفت فولودمير ريباك، رئيس البرلمان الأوكراني، إلى أنه صادق على القانون الذي يتيح لقوات الأمن التعامل مع المتظاهرين كالتعامل مع الإرهابيين، بعد أن فقد 75 شخصاً حياتهم، وجرح مئات من المتظاهرين، وأن البرلمان سيلتئم الجمعة مجدداً، لمناقشة مقترح العودة إلى دستور 2004 مؤقّتاً، ريثما تتم المصادقة على التعديلات الدستورية.
ووفقاً لوكالة الأنباء الروسية الرسمية "ريا نوفوستي"، فإن السلطات الأوكرانية فرضت ضرائب إضافية، على التذاكر التي تقطعها شركة الخطوط الجوية الروسية "ايروفلوت"، وقال مسؤولون في الشركة إن الإجراء الذي اتخذته السلطات الأوكرانية، يعود لأسباب اقتصادية.
إلى ذلك، طالب آرسيني ياتسينيوك زعيم أحد أحزاب المعارضة، من سلطات بلاده الإفراج فوراً عن رئيس الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو، وعدم معاقبة المتظاهرين واعتقالهم، مشدداً في حديث أمام البرلمان، على ضرورة معاقبة المسؤولين الذين أمروا بإطلاق النار على المتظاهرين، والعودة للعمل بدستور عام 2004، من أجل تحقيق الاستقرار.
عشرات القتلى في أوكرانيا وواشنطن تصعد اللهجة
وكانت أوكرانيا، شهدت الخميس أعنف يوم خلال أزمتها المستمرة منذ منتصف كانون الأول/ ديسمبر، مع سقوط أكثر من ستين قتيلا في كييف، فيما صعدت
واشنطن اللهجة وواصل ثلاثة وزراء أوروبيون مساعيهم طوال ليل الخميس الجمعة سعيا للتوصل إلى تسوية.
وتوعدت واشنطن بفرض عقوبات على "المسؤولين الحكوميين المسؤولين عن أعمال العنف" في رسالة نقلها نائب الرئيس جو بايدن مباشرة إلى الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، فيما دعا وزير الخارجية جون كيري إلى وضع حد لأعمال العنف و"القتل الجنوني".
وكتب المتحدث باسم وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي، في حسابه على موقع "تويتر" أن "المفاوضات عند الرئيس يانوكوفيتش.. لا تزال جارية".
وأضاف أن "زعماء المعارضة الأوكرانية ورئيس البرلمان وعددا من النواب موجودون هنا. إننا نعمل".
وقبل ذلك بساعات أفادت أوساط وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، بأن المفاوضات "صعبة جدا" وليس هناك "اتفاق في الوقت الحاضر".
وبعد ذلك، غادر فابيوس كييف إلى بكين بسبب التزامات في الصين، على ما أعلنت وزارة الخارجية، إلا أنه يبقى "باستمرار على اتصال مع نظيريه الألماني والبولندي" و"ملتزما كليا بهذه المفاوضات".
وقضى الدبلوماسيان ونظيرهما الألماني فرانك فالتر شتاينماير، قسما كبيرا من النهار يجرون مشاورات مع يانوكوفيتش ومع قادة المعارضة الأوكرانية، في وقت شهدت فيه البلاد موجة جديدة من العنف.
وقال المسؤول في الأجهزة الطبية التابعة للمعارضة سفياتوتسلاف خانينكو لوكالة فرانس برس، إن "أكثر من 60 متظاهرا قتلوا، وجميعهم بالرصاص"، فيما شاهد صحافيون في فرانس برس 25 جثة خلال يوم الخميس وحده.
وأعلنت وزارة الصحة مساء الخميس، أن الحصيلة ارتفعت إلى 75 قتيلا منذ الثلاثاء، بعدما كانت أحصت في حصيلة سابقة 67 قتيلا.
وكانت وزارة الداخلية أعلنت عن مقتل ثلاثة شرطيين الخميس، لترتفع حصيلة قتلى قوات الأمن منذ الثلاثاء إلى 13 قتيلا. وفي "لفيف" أفادت السلطات المحلية عن العثور على جثتي شرطيين من قوات مكافحة الشعب الخميس في ثكنة احترقت.
وتواجه مئات المتظاهرين الراديكاليين بالعصي والسلاسل المعدنية والحجارة وكذلك الزجاجات الحارقة وبعضهم يعتمر خوذات ويحمل دروعا، مع قوات مكافحة الشغب التي ردت بالرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، وبالكلاشنيكوف، بحسب شهادات.
وأظهرت مشاهد بثتها إحدى وسائل الإعلام الأوكرانية رجالا يعتقد أنهم من عناصر قوات الأمن، وأحدهم يفتح النار ببندقية كلاشنيكوف على هدف لم يتم تحديده في وسط كييف.
وقالت الطبيبة أولغا بوغوموليتس ردا على أسئلة القناة الخامسة الخاصة إن "المتظاهرين قتلوا بطريقة محترفة جدا بنيران قناصة صوبوا على قلبهم أو رأسهم أو شريانهم السباتي".
وتوقفت المواجهات عصرا وشوهد متظاهرون يعززون الحواجز التي أقاموها في وسط المدينة، ويستقدمون مواد غذائية وألواحا خشبية وإطارات وزجاجات فارغة تستخدم لإعداد زجاجات حارقة.
وفي ساحة الميدان قلب الحركة الاحتجاجية التي باتت ساحة معركة، أقام المتظاهرون حواجز وخيما، وتواصلت الأناشيد وتعاقب الخطباء بدون توقف حتى وقت متأخر من الليل.
وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك إن "أسوأ سيناريو كنا نخشاه، وهو سيناريو حرب أهلية، بات واقعا للأسف".
وأضاف "تم الاتفاق مع يانوكوفيتش على أنه مستعد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، ومستعد لتشكيل حكومة وحدة وطنية في مهلة عشرة أيام وتعديل الدستور بحلول الصيف".
لكنه أعرب عن تشكيكه وقال "إن تجاربنا تقول لنا إن الإدارة الأوكرانية، نادرا ما تفي بالالتزامات التي تقطعها".
وكان وزراء الخارجية الأوروبيون المجتمعون في بروكسل، قرروا منع تأشيرات الدخول وتجميد أرصدة المسؤولين الأوكرانيين "الملطخة أيديهم بالدماء".
كما جرت محادثات بين المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأعلنت الحكومة الألمانية أن المسؤولين الثلاثة "اتفقوا على وجوب إيجاد حل سياسي للأزمة في أوكرانيا بأسرع وقت ممكن ووقف إراقة الدماء".
وفي وقت يتفق فيه الخبراء على أن روسيا أساسية للخروج من الأزمة، تتمسك موسكو في الوقت الحاضر بموقف شديد الحزم. وأعلن رئيس وزرائها ديمتري مدفيديف أن بلاده لن تتعامل إلا مع "سلطة لا تداس بالأرجل وكأنها ممسحة".
وكان الكرملين أعلن بعد الظهر أنه أرسل ممثله مندوب حقوق الإنسان والدبلوماسي السابق فلاديمير لوكين، بطلب من الرئاسة الأوكرانية للمشاركة في وساطة مع المعارضة.
واحتج عدد من المسؤولين السياسيين الأوكرانيين كذلك ضد "إراقة الدماء" في الأيام الأخيرة، وبينهم رئيس بلدية كييف الذي أعلن خروجه من حزب المناطق الحاكم، وحذا حذوه مساء الخميس 12 نائبا أعلنوا خروجهم من حزب الرئيس.
ونجح البرلمان للمرة الأولى في تشكيل غالبية معارضة ليانوكوفيتش، فصوت مساء الخميس على قرار يتناول تدابير مكافحة الإرهاب التي أعلنت عنها الأجهزة الخاصة في اليوم السابق وتأمر بعودة الجنود إلى ثكناتهم.
من جهتها، أعلنت المعارضة المسجونة يوليا تيموشنكو في تصريح نشر على موقع حزبها أن "إبعاد يانوكوفيتش فورا والشروع بملاحقات بحقه بتهمة القتل الجماعي لمدنيين، يجب أن يكون المطلب الوحيد للشعب والمعارضة والأسرة الدولية".