كتب الباحث في جامعة كامبريدج البريطانية خوسيه مارتينيز أن الأردن قد يبدو واحة من الاستقرار في الشرق الأوسط، لكن سكانه في يعيشون حالة من القلق مما يضع تحديات أمام الملك عبدالله الثاني، ويشكل في وضعه الهش الحالي خطرا على المصالح الأمريكية.
ويرى الكاتب إن حصول الأردن على مقعد في مجلس الأمن بسبب الرفض السعودي غير المسبوق في تشرين الأول / أكتوبر 2013 قد يعمينا عن عدد من المعضلات التي يواجهها النظام في الأردن. ويعتقد أن الدعم الخارجي للملك وسياسته الخارجية الصديقة للغرب أدت لنتائج ديكتاتورية في البلد، فمنذ عام 2004 قدمت الولايات المتحدة ما معدله نصف مليار دولار كمساعدات سنوية.
وفي الوقت الذي نجح فيه الملك عبدالله بإقناع الكثير من السكان اتباع تعاليم الله والملك والوطن، وتخفيف حدة غضبهم، إلا أن الحاشية التي تحيط به ليس لديها ما تقدمه للأردنيين الراغبين بإسماع صوتهم في السياسة والباحثين عن مدخل مختلف للحكم.
وصور مارتينز في مقاله الذي نشرته صحيفة "لوس أنجليس تايمز" الأمريكية الوضع الذي يعيشه الأردن من ناحية دولية وإقليمية ومحلية. فهو أصبح مركزا للاهتمام العالمي خاصة بعد انتخابه في عضوية مجلس الأمن من بين 10 دول غير دائمين في المجلس.
كما أنه محاط بكتلة من المشاكل، فالفلسطينيون والإسرائيليون يتجاذبون عناوين الأخبار حول مفاوضاتهم المرة والراكدة، ومصر تعيش حالة من عدم الاستقرار وغياب النظام، فيما يعتبر العنف حالة يومية في كل من العراق وسورية. وبالمقارنة مع هذا قد يبدو الأردن أنه واحة من الاستقرار للمراقب غير المتابع، لكن المشاكل تتفاقم على كل الجبهات.
فالأردن صديق
الغرب والملكيات المحافظة في الشرق الأوسط فشل حتى الآن في دمقرطة سياسته واقتصاده ويخطط بشكل جيد لاستقبال آلاف اللاجئين الذين يعبرون الحدود يوميا والتي أدت إلى زيادة في التوتر داخل البلاد.
ويضيف الكاتب إن مصادر التوتر نابعة من عدد سكان البلد حيث يعيش فيه أكثر من 6 مليون نسمة، ومصادره الطبيعية قليلة، ويعتمد بشكل كبير على المساعدات والقروض من جيرانه والأغنياء في دول الخليج وله علاقات طويلة مع الغرب.
ويضيف الكاتب أنه بعد فقدان الضفة الغربية في أثناء حرب 1967 تخلى الأردن تدريجيا عن حقه في السيادة . وظل الأردن في غالب الأحيان محايدا في السياسة الإقليمية، مع أنه تحالف استراتيجيا مع صدام حسين في أكثر من مناسبة وأقام علاقات جيدة مع نظام الرئيس بشار الأسد قبل اندلاع النزاع في سورية عام 2011.
ويشير الكاتب إلى أن تركيبة من العوامل التاريخية والجغرفية والجيوسياسية أعطت الأردن موقعا متميزا ووضعته كحليف استراتيجي مهم للغرب.
فمنذ اعتلائه للعرش عام 1999 بعد وفاة والده الملك حسين، كان الملك عبدالله الثاني مسلحا بلهجته الإنكليزية- البريطانية وبكلامه الساحر يحاول تسويق جهوده في مجال دمقرطة بلاده محليا وخارجيا. وزيارته للمؤسسات الإعلامية وظهوره في البرامج المعروفة في الولايات المتحدة مثل "العرض اليومي" الذي يقدمه جون ستيوارت يظهر براعة في جذب انتباه الجماهير الأجانب. "فهو يتحدث عن الأرض وكأنه واحة للديمقراطية، ومتقدم دائما على نظرائه من الملوك في تسويق جهود الإصلاح التدريجي والاستقرار السياسي وكبح التطرف الإسلامي، فهو وجه الاعتدال الغربي في منطقة يعيش فيها إرهابيون وأصوليون ملتحون يملؤهم الغضب والحقد ضد الأقاليم والمناطق الغربية".
ويضيف الكاتب إن المشاهدين الغربيين عادة ما يتعامل مع الملك عبدالله وبشكل متساو مع والده على أنها مثالان للاعتدال والعقلانية في بحر من التطرف، إلا أن الاحتجاجات الأسبوعية تظهر أن الأردنيين أصبحوا أكثر ضجرا من القصر وديمقراطيته الجوفاء،ويشعرون بالإحباط من كثرة الحكومات التي تتغير وعادة ما تفشل من الوفاء بوعودها. فالأردنيون الجوعى للتغيير ينظرون للملكية بعين من الشك. وما يفاقم الوضع هو الأزمة المالية العالمية وتدفق اللاجئين من سورية والعراق التي ضربت الأردنيين بشكل كبير، وأصابت احتياجاتهم اليومية مما أدى لارتفاع أسعار الطعام وزيادة نسبة البطالة التي تصل رسميا إلى 12% و 30% بشكل غير رسمي.
ويضيف الكاتب أن الغضب الشعبي لا يزال مقتصرا حتى الآن على تظاهرات أسبوعية، أي بعد صلاة الجمعة التي تخرج في مدن مثل العاصمة عمان والكرك ومعان.
وعادة ما يشارك فيها متظاهرون ناشطون مستقلون وجماعات معارضة مرتبطة بالأحزاب الإسلامية والمنظمات اليسارية والذين يتجمعون معا للتظاهر ضد ارتفاع أسعار المواد الرئيسية وتأخر الإصلاح والسياسات الاقتصادية التافهة.
ويقول مارتينز أن الحالة الهشة التي يعيشها الأردن في جزء منها هي آثار للحرب الكارثية في سورية والانقلاب في مصر حيث وضعت البلد في حالة من الجمود والتأني في مطالب التغيير. فما كان حتميا قبل 3 أعوام من زحف الربيع العربي للأردن أصبح مدعاة للنقاش وسببا للحذر بين الناشطين المحليين مما يعني عدم ظهور حركة احتجاج كبيرة على مستوى البلد.
واستطاعت الحكومة في الوقت الحالي التغلب على مظاهر الحنق بين المواطنين من خلال القيام بسلسلة من الإصلاحات التجميلية، وقللت من حجم القمع وقدمت بعض الحوافز المالية لتجنب الثورة الشعبية. وفي مقابل هذا وعدت الحكومة بتعديل الدستور ولم توف بوعدها، وتم التعرض واستهداف التظاهرات السلمية من المؤيدين للنظام، فيما تم تعديل قانون النشر والمطبوعات من أجل منع أي معارضة.
ويتساءل الكاتب لأي مدى سيستمر القصر وحلفاءه حكم بد منقسم في الوقت الذي يواصلون فيه إرضاء الداعمين الخارجيين، وهذا سؤال مهم لأنه سيشكل على المدى المتوسط الدينامكية السياسية في الأردن.
ويختم بالقول في الوقت الذي يوجه مجلس الأمن انتباهه نحو المفاوضات المهمة حول سورية والملف النووي الإيراني والنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني فمن الحكمة بمكان تذكر المعضلات التي تواجه العضو الجديد في المجلس. فاستمرار التدهور في استقرار الأردن فلن يترك أثره على مواطني البلد بل ستكون له تداعيات إقليمية التي لا تزال تربك صناع السياسة الأمريكية.