التقى موقع "عربي 21" مع الممثل والمخرج المغربي
رشيد الوالي الذي أكد أن السينما المغربية تمر بمرحلة اكتشاف الذات مشيرا إلى أنه "لا بد من الفوضى لاكتشاف الذات". وقال إن فيلمه الجديد "يما" الذي تم عرضه هذا الأسبوع بالدورة الـ 15 للمهرجان الوطني للفيلم بمدينة طنجة شمال المغرب، هو محاولة للبحث في المهمش. وتحدث عن رحلة عشرين عاما في العمل والأداء في 40 فيلما وكيف قرر الانتقال من أمام الكاميرا لإدارتها من الخلف.
ورشيد الوالي هو صاحب أفلام "وداعا أهمات"، و "نهار تزاد طفا الضو" و"سارق الأحلام". وقد تطرق لصور من التحرش الجنسي في عالم الفن وقف عليها، وعبر عن موقفه من الظاهرة، وهي ذات المواقف التي عبر عنها حول نقاش الكم والكيف في السينما المغربية.
وعن الدعم السينمائي الدي توجهه الدولة للمنتجين السينمائيين، أكد منشط برنامج "من سيربح المليون" على قناة "نسمة"، أنه من غير المعقول الحضور الضعيف للقضايا الوطنية والتاريخية في السينما المغربية.
ولرشيد الوالي المولود في نيسان/ إبريل 1965 بالحي الشعبي العكاري بالرباط؛ عدة أفلام سينمائية وتلفزيونية أهمها "علال القلدة" والتي يرافقه لقبها في الشارع إلى اليوم، وجه رسائل للشباب المبدع لكي يحلم ويدافع عن أحلامه إلى آخر رمق مهما كانت الصعوبات والظروف. وذلك قبل أن يعبر عن موقفه الصريح الرافض لمشاهد العري وما يسمى بالأدوار الساخنة بالسينما المغربية.
- ما دامت المناسبة شرط لنبدأ الحوار عن فيلمك الجديد "يما" والذي تم عرضه هذا الأسبوع بالدورة 15 من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة وعن أهم دوافع الإنجاز والرسائل التي يحاول الفيلم تبليغها؟
بداية أشكر موقع "عربي21" على هذا اللقاء. وبالنسبة لفيلم "يما" فهناك عدد من الرسائل التي أحاول إيصالها للمشاهد المغربي سواء داخل المغرب أو خارجه، وذلك كجزء من خلاصات تجوالي خارج المغرب، حيث لاحظت أنه ليس هناك نوع من الالتحام والذوبان للمغاربة المقيمين بالخارج في المجتمعات التي يعيشون فيها سواء في أوروبا أو في قارات أخرى، كما أنه عند مجالستهم وولوج بيوتهم ومخالطتهم تشعر وكأنك في مغرب السبعينات، مما يؤكد أن مستوى المواكبة لديهم لم يكن بالشكل المطلوب خاصة عند المرأة إذا ما قورنت بالرجل وهو نفس الأمر بالنسبة للعالم القروي بالمغرب.
فعندما نتحرك بالمدن الكبرى وبالمركزعموما نجد أن المرأة المغربية تطورت ووصلت لمراكز كبيرة، فهي وزيرة وطبيبة وسائقة القطار والطائرة ومن رجال الأعمال، وتتوفر على هامش كبير من الحرية. وكيفما كان الحال فهو جد مهم، على عكس المرأة المغربية في أوروبا، وعلى الرغم من كونهن غادرن المغرب منذ عشرين أو ثلاثين سنة فلم يستفدن من التطور الذي تعرفه المرأة الأوروبية بالشكل المطلوب، وظل هناك نوع من الانكماش على الذات، ولذلك فالفيلم الجديد هو سفر داخل المجتمع المغربي.
- إذن يمكن القول أن فيلم "يما" هو انتصار للمهمش، وفي ذات الوقت يسلط الضوء على ما يعيشه المجتمع المغربي من تطور في العلاقات والحريات وغير ذلك؟
تماما، والفيلم كذلك يتضمن مجموعة من المتناقضات؛ فشخصية بوجمعة الذي يشتغل بمجال الإشهار (الإعلان) والانترنت وفي عالم متطور ومدينة كالدار البيضاء عقليته وحلمه وهدفه أن يجد امرأة للزواج تشبه أمه، ويذهب للبحث عنها عن طريق الانترنيت لأنه لا يجدها في الوسط المتطور والمتحرر جدا الذي يعيش به وتوجد فيه المرأة الحالية.
-
خلال استضافتكم مؤخرا على قناة "فرانس 24" قلتم إن الفيلم يحمل كذلك لمسة وفاء لأمك ومن خلالها ربما لكل الأمهات المغربيات عموما؟
بالفعل هو كذلك، وأنا أقول حتى لو أنتجت الفيلم حول الطحين أو حول السكك الحديدة فكنت سأسميه "يما"، لأنه بالنسبة إلي كأول فيلم طويل كنت أريد أن تكون فيه بصمة الوفاء للوالدة واضحة، والأم هنا تحضر كذلك بكونها الأرض والوطن والأصالة المغربية، وأيضا في علاقة الشاب اليوم وصراعه المستمر مع التقاليد ومع ما أخذه من والديه فالشاب المغربي اليوم مهما تحرر. هل يمكن له أن يترك أخته تكون لديها علاقة عادية مع رجل مع أنه هو نفسه يقيم علاقات قبل الزواج مع النساء ويعتبره أمرا عاديا؟
- كلامك يحيلنا إلى سؤال يهم المضمون في السينما المغربية، فهل ترى أن الوصول إلى مستوى إنتاج عشرين فيلما طويلا كمعدل سنوي يعكس التنوع والتطور على مستوى مواضيع هذه الأفلام؟
لا بد من الفوضى لاكتشاف الذات، والكم كمرحلة لا بد منه للتمكن من أدوات الإنتاج السينمائي ومن تقنيات السينما، ولذلك فالمرحلة التي تعيشها السينما المغربية على هذا المستوى عادية، اليوم في أمريكا وغيرها يتم إنتاج آلاف الأفلام، لكن التي تتمكن من الحضور وتتوفر على رسالة وتستطيع الوصول للجمهور والتواصل معه فهي قليلة. ونحن عندما ننتج عشرة أفلام نريدها أن تنجح بكاملها وهذا أمر غير ممكن، لكن هذا لا يعني أن السينما المغربية غير لصيقة بالمجتمع وقضاياه. ففي كثير من الأحيان وفقت في ضبط ورصد أو تناول مواضيع تهم سنوات الرصاص أو تدور حول المرأة. وشخصيا اشتغلت في "محاكمة امرأة" و"نساء ونساء" و"كيد النسا". وطبعا بين الفينة والأخرى هناك مخرجون ينجزون أعمالا لا تشبه المجتمع المغربي بشكل عام، ويمكن أن تدخل ضمن أفلام المؤلف وهي تعبر عن وجهة نظر خاصة، لكن الأفلام المغربية رغم ذلك ومقارنة مع عدد من الدول فهي تجعل من المجتمع أساسا لاشتغالها.
- طيب هل السينما المغربية اليوم مؤهلة لتعبر ما وصفته بمرحلة الفوضى لاكتشاف الذات، والمرور من الكم إلى الكيف، أم أن الأمر ما يزال يتطلب وقتا؟
نحن ما نزال في مرحلة وسط بين الكم والكيف. ومن المعلوم أن السينما هي إمكانيات وما دامت الإمكانيات غائبة أو ضعيفة، وما دام هناك منتجون هدفهم الرئيسي هو الربح فقط فسنبقى نتخبط في نوع معين من السينما، والتي تبقى مرتبطة بلجنة الدعم وبأناس معينين لديهم ثقافة وتكوين معين ويريدون تشجيع سينما معينة، ولا أدل على ذلك من كون مجموعة من أفلام الجمهور لا تدعم خاصة الكوميدية منها، وقد شاهدنا كيف أنتج فيلم "نهار تزاد طفا الضو" أو أفلام سعيد الناصيري التي ينتجها بماله ومجهوده الخاصين، وسجلنا مرور أفلام قليلة من قبيل "فيها الملحة والسكر وما بغاتش تموت" و"البحث عن زوج امراتي" لكنها تبقى أفلام قليلة مقارنة مع أفلام تنتج دون أن يراها الجمهور بالمرة بالرغم من أن أفلام الجمهور تنال جوائز مختلفة.
-
في موضوع الدعم يسجل العديد من النقاد والمهتمين أنه على الرغم من وجود عدة عقود من دعم الدولة المادي للسينما، فإنه بالمقابل يسجل الحضور الباهت أو الغياب التام لأعمال تهتم بالقضايا الوطنية ومواضيع ذات صلة بالذاكرة والتاريخ والمقاومة، كيف تفسر هذا الأمر؟
كنا في لقاء مؤخرا مع وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، وتطرقنا إلى النقص الحاصل في المواضيع ذات الصلة بالقضايا الوطنية. وأعتقد أن هذا مشكل ينبغي أن يحل لأنه من غير المعقول الحديث عن الكثير من الأشياء في السينما المغربية أمام غياب الاشتغال على قضايانا المهمة والحيوية والاستراتيجية من قبيل قضية الصحراء المغربية. طبعا هناك مشكل كبير على مستوى الإمكانيات التي يتطلبها إنجاز أعمال تاريخية أو وطنية من هذا النوع، ولكن الدولة اليوم أظن أنها مستعدة لكي تدعم أعمال في هذا الاتجاه سواء تعلق الأمر بالقنوات الموجودة أو وزارة الاتصال أو من خلال المركز السينمائي المغربي. وسمعت أن هناك بعض الميزانيات التي سترصد لهذه النوعية من الأفلام التي ستتناول هذا النوع من القضايا لأنه بالفعل هناك مشكلة، فجبهة "البوليساريو" الذي يحمل قضية ظالمة ويدافع عنها يتوفر على أكثر من 33 شريطا حول ما يتوهمونه.
- بعد تجربة 20 سنة والمشاركة في 40 عملا فنيا قررت الانتقال من أمام الكاميرا إلى خلفها، لماذا الآن بالذات، وكيف وجدت نفسك في الوضع الثاني؟
هي مرحلة مهمة بالنسبة لي، والمخرج في نظري هو أكثر من تقني يجيد استخدام الكاميرا ويسيرها. وانتظار كل تلك المدة لأنني كنت محتاجا للنضج أكثر، لأن الإخراج بالنسبة إلي هي وجهة نظر في موضوع ما، مما يتطلب عودة للمواضيع وكيفية طرحها وتحليلها، وإلا سأبقى أقوم بالإخراج من أجل الإخراج. واليوم نشاهد مخرجين شباب معتبرين من الناحية التقنية، لكن لا كلمة لهم في القضايا التي يطرحونها ويقومون إما بالنسخ أو النقل من أعمال أخرى، أو بالتعبير بطريقة لا تجعلك في قلب الفكرة التي يريدون التعبير عنها، وشخصيا كنت محتاجا لهذا التراكم لكي ألج عالم الإخراج مثل المعلم الذي يحتاج إلى وقت لكي يفهم نفسية المتعلمين أو ليصبح مفتشا.
- أثارت العديد من الفنانات وما تزال موضوع التحرش الجنسي في المجال الفني خاصة من طرف بعض المخرجين أو المنتجين، كيف تنظر لهذه الظاهرة وهل من وقائع وقفت عليها في مسارك المهني؟
بالنسبة للمخرجين الذين اشتغلت معهم (محمد إسماعيل، عبد الرحمان التازي، وغيرهم..) سأكون كاذبا إذا قلت إنني لاحظت في يوم من الأيام أمرا كهذا، لكن هذا لا ينفي أنني عاينت وعرفت ممثلات اشتكين من التحرش، وعرفت مخرجين أنجزوا أعمالا وأرادوا تحقيق "دي فونطازم" كانت عندهم، وبالتالي يطيلون من عمر اختيار الممثلين ويستغلون مرحلة "الكاستينغ" كمحطة لعيش حياتهم وهؤلاء أناس يسيؤون للميدان بطبيعة الحال، ولا يمكن إلا أن أعبر عن عدم رضاي على هذه الممارسات، وسأكون كاذبا كذلك إذا قلت أن هذا النوع من الممارسات غير موجود ولكن الحمد لله أنهم قلة في الميدان.
- موضوع الأدوار "الجريئة" أو الساخنة، بين المبرر والمجاني، بين الرمزيات والإيحاءات والإغراق الفج للأعمال بالعري واللقطات الجنسية الفاضحة، كما هو الشأن بالنسبة لفيلم "موشومة" أو اللغة الساقطة كما هو الحال بالنسبة لـ"كازا نيكرا" أو "الزيرو" كيف يقارب الوالي هذا الموضوع؟
أظن أنه عندما يكون موضوع ما يفرض شكلا معينا، فهنا لا يمكننا إلا أن نشاهده ونحاول فهم ما أنجز، ولكن عندما تكون هناك لغة ساقطة من أجل اللغة الساقطة أو من أجل جلب الجمهور فأظن أنه هنا يقع المشكل والحمد لله اليوم لم تعد هناك رقابة لأنها لو كانت لما خرج هذا النوع من الأفلام، ولكن الكلمة تبقى للجمهور. وعني شخصيا فأنا أرفض أن أنجز أفلاما ساقطة، وأفتخر أن الجمهور من الكبير إلى الصغير يمكنه أن يشاهد أعمالي، وأعتبر أن من حقي أن أقول ما أريد لكن الاحترام ضروري وفق عدد من المعايير. وهنا دون أن نتحدث عن مجتمع إسلامي أو غير إسلامي، فهناك دول أجنبية تجاوزت العديد من المظاهر ونجد عندها الحديث كذلك عن معايير معينة.