انتقد المعلق جورج مونبيوت بمقال له في صحيفة "الغارديان"، تعامل الحكومة البريطانية مع العائدين من
القتال في
سوريا كإرهابيين، فيقول: "لو عاد جورج أورويل ولوري لي اليوم من الحرب الأهلية الإسبانية لتم اعتقالهما بموجب المادة (5) من قانون
الإرهاب لعام 2006".
ويضيف أنه لو تمت إدانتهما بجريمة القتال في الخارج بدوافع "سياسية أو أيديولوجية أو دينية أو عرقية" – وهي تهمة من الصعب نفيها - فكانا سيواجهان السجن المؤبد كعقوبة قصوى، ولكانت حجتهما بأنهما كانا يحاربان للدفاع عن حكومة منتخبة ضد تمرد فاشي لن تغني عنهما شيئا، ولكانا وسما بالإرهاب.
وجورج أورويل صحفي وكاتب وروائي وناقد إنجليزي، ومن أشهر رواياته تلك المعنونة بـ (1984)، والتي كتبها في اربعينيات القرن الماضي وترجمت إلى 65 لغة، ولوري لي شاعر وإعلامي وروائي إنكليزي. وقد شاركا في الحرب الأهلية الإسبانية 1936- 1939.
ويقول الكاتب إن
بريطانيا في وقتها هددت بأنها ستعاقب كل من ينضم إلى الكتائب الدولية (الإسبانية) بإحياء قانون التطوع في جيش أجنبي لعام 1870 وحذرت عام 1937 أن أي متطوع للقتال في إسبانيا سيتعرض للسجن سنتين في حال إدانته. وكان هذا متسق مع سياسة عدم التدخل التي كان يؤيدها تشرتشل، ولكنه وصفها فيما بعد بـ"نظام رسمي دقيق للاحتيال" حيث كانت بريطانيا تمنع وصول الأسلحة للحكومة الجمهورية وتغض الطرف عن انتشار القوات الألمانية والإيطالية إلى جانب فرانكو.
ولكن قانون 1870 لم يكن قابلا للتطبيق، ولم يستخدم على عكس تهديد النيابة العامة للبريطانيين الذين يقاتلون في سوريا. ففي كانون ثاني/ يناير تم اعتقال 16 شخصا بعد عودتهم من سوريا وهناك سبعة آخرون ينتظرون المحاكمة. وكانت رئيسة النيابة العامة، سو همينغ قد صرحت الأسبوع الماضي بأن "الذهاب والمشاركة في صراع يعتبر جريمة بغض النظر مدى سوء الجانب الآخر في نظر المشارك .. وسنقوم بتطبق القانون بصرامة".
ويعلق الكاتب قائلا هذا يعني "إن الناس الذين يحاربون قوات تدير نظام تعذيب وقتل على مستوى صناعي وتدمر التجمعات المدنية بشكل ممنهج يمكن أن يسجنوا مدى الحياة جزاء آلامهم، فهل هذا أعدل من سجن أورويل لو حصل؟".
ويضيف أنه بالرغم من تقبله فكرة أن المقاتلين البريطانيين قد يتغيرون من خلال مشاركتهم في الحرب في سوريا، وأن دوافعهم قد تكون الجهاد العابر للحدود، وأنهم سيعودون لبريطانيا وقد اكتسبوا خبرات تمكنهم من ممارسته. ولكن هذه الإدانة هي إدانة بالإنتساب.
صحيح أن بعض من ذهب إلى سوريا قد يطور رغبة بتفجير الباصات في بريطانيا، بنفس الطريقة التي قد يستخدم المصرفيين الاستثماريين خبرتهم المصرفية في غسيل أموال تجار المخدرات وعصابات الإجرام، فنحن لا نقوم باعتقال المصرفيين لأن خبرتهم في مجال قد تغريهم أن يتعاملوا مع آخر. والحكومة لا تحاسبهم حتى عندما يقومون بغسيل الأموال لعصابات المخدرات والإرهابيين كما حصل في فضيحة بنك الـ (HSBC) بينما يخاطر كل من يغادر بريطانيا إلى سوريا للقتال بأن يتهم بالإرهاب حتى لو كان هدفه الدفاع عن عائلته.
ويذكر قصة أبو سليمان البريطاني الذي هجم على سجن حلب في شاحنة محملة بالمتفجرات فاتحا أبواب السجن، حيث مات هو في الانفجار متسببا في إطلاق سراح 300 سجين ويتساءل: "هل هذا عمل إرهابي أم بطولي؟"، ثم يذكر أن 11 ألف سجين تمت تصفيتهم في السجون السورية وأنه لا أحد يستطيع أن ينكر أن تحرير السجناء عمل جيد، وربما لم يكن بالإمكان تحرير هؤلاء السجناء من سجن حلب دون هجوم انتحاري، "ألا يجب علينا إذن أن نحتفي بهذا العمل كعمل بطولي رائع؟"، ويضيف أنه "لو كان ابو سليمان البريطاني مجندا في الجيش البريطاني وقام بعمله هذا فلربما حصل على (الفيكتوريا كروس)"، وهو أعلى وسام شجاعة في بريطانيا.
ويقارن بما حصل خلال الحرب الأهلية الإسبانية عندما قامت كتيبة بريطانية في الدفاع عن مكان سمي لاحقا بهضبة الانتحار حيث قتل فيها 225 جندي بريطاني من أصل 600 ويتساءل "هل ترى ذلك بأنه عمل ارهابي – مهمة انتحارية بدوافع أيديولوجية متطرفة - أم أنها كانت محاولة باسلة لمقاومة حملة إرهابية؟".
ثم يعلق على تصريح سو همينغ بأن "الذهاب للمشاركة في صراع ما يعتبر جريمة"، بأنه غير صحيح لأنه يمكن محاكمة المشارك إذا كانت دوافعه "سياسية أو أيديولوجية أو دينية أو عنصرية" ولكن ليس إذا كانت الدوافع مادية، على العكس فإن هذه الدوافع تعتبر محترمة بل إن هناك شهادة تخرج لما يسمى "عامل أمن بحري" فما دمت لا تهتم من تقتل فأنت معفى من القانون.
ويذكر أن السير مالكولم ريفكند وزير الخارجية الأسبق والذي يرأس لجنة الأمن والمخابرات في البرلمان ويضخم المخاوف من الإرهاب كان في الماضي ولعدة سنوات يرأس شركة آرمر غروب والتي كان عملها هو التدخل في الصراعات، وغياب عبارة "الدوافع المالية" من نص القانون يضمن له عدم الاتهام بالإرهاب، ويقترح الكاتب على المقاتلين في سوريا أن يطلبوا من قادتهم أن يدفعوا لهم رواتب، ثم يقولون أنهم ذهبوا فقط لأجل جني الربح المادي وبذلك يتجنبون الإدانة.
ويقول أنه لم يكن هناك حالة تهديد بالقيام بعمل بدوافع سياسية أو دينية أو عنصرية أو أيديولوجية أوضح من قرار الحرب على العراق، ولكن وزراء توني بلير كان لديهم حصانة، ولكن السؤال: "ألم يشعروا بشيء من التناقض عندما قاموا بإعداد قانون الإرهاب لعام 2006؟"
ويخلص الكاتب إلى أن تحذيرات هيمينغ تبين الطبيعة الاعتباطية لقوانين الإرهاب، حيث تجرم بعض أعمال العنف وتهمل أخرى والخوف من أن تستخدم هذه القوانين ضد أي شخص داكن البشرة وملتحي وإن كان لا يشكل أي خطر على المجتمع.