أطلق الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، في
الجزائر، عمار
سعداني، الاثنين، تصريحات وصفت بـ"النارية" ضد رئيس مديرية الاستعلام و الأمن بوزارة الدفاع الوطني، الفريق محمد
مدين، المعروف باسم الجنرال توفيق، واتهمه أنه مصدر ما أسماه" الأكاذيب و الفضائح"، في محيط الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة، بغية قطع الطريق أمام ترشحه لولاية رابعة، بموجب انتخابات الرئاسة المقررة في 17 نيسان/ أبريل المقبل.
وليست هذه المرة الأولى التي يستهدف الأمين العام للحزب الحاكم في الجزائر جهاز المخابرات، لكن الاختلاف هذه المرة، يكمن في تشخيصه لاسم الفريق محمد مدين، واتهامه صراحة بخلق البلبلة قصد منع الرئيس بوتفليقة من التقدم لانتخابات الرئاسة.
وقال سعداني، الاثنين، في حوار له مع موقع " كل شي عن الجزائر" الإلكتروني الذي يتخذ من باريس مقرا، إنه "يجب على الجنرال توفيق أن يبقى بعيدا عن التعاطي بشأن الولاية الرابعة للرئيس وليس من صلاحياته الخوض في مثل هذه المواضيع السياسية"، كما دعاه إلى "الاستقالة" و" الكف عن التدخل في الشؤون الحزبية للحزب الحاكم".
ويأتي هذا التصريح بعد أسابيع قليلة من تصريح سابق لسعداني، أثار ضجة كبيرة، عندما أكد أنه "حان الوقت لبناء دولة مدنية، وإعادة جهاز المخابرات إلى دوره الحقيقي"، وكان سعداني أشار حينها إلى تدخل جهاز الاستخبارات بقيادة محمد مدين في الحياة السياسية على مدى العقود الماضية.
ويعيش الحزب الحاكم في الجزائر على وقع صراعات خطيرة قبل ثلاثة أشهر من انتخابات الرئاسة، بينما شجب أعضاء من المكتب السياسي المعارض لسعداني، وأعضاء في اللجنة المركزية، الاثنين، ما سماه بـ"الطغيان" وانتقام جماعة الأمين العام عمار سعداني من محافظين يشتبه في ولائهم للمعارضة داخل الحزب".
ونفى عبد الرحمن بلعياط، مسؤول المكتب السياسي في الافلان، المعارض لسعداني، الاتهامات التي وجهها له الأمين العام للحزب عمار سعداني، عندما ذكره في نفس الحوار على أنه "يطبق أجندة لزعزعة استقرار الحزب بإيعاز من المخابرات".
وقال بلعياط لـ"عربي21" إنه "لا حاجة لي إلى أي مسؤول يفرض علي إملاءاته"، وتابع "قراراتي مستقلة ومن يجرؤ على إرغامي على إتباع انحرافاته ونزواته، فمسعاه يبوء بالفشل"، كما قال " نحن نتعامل مع الشخصيات الأمنية منذ الاستقلال دون أية عقدة، خاصة وأن الكثير منها كانت أعضاء باللجنة المركزية للحزب العتيد".
وأكد بلعياط أن تصريحات سعداني الأخيرة "لا تلزم حزب جبهة التحرير الوطني، باعتبار أن إحدى المواد المنصوص عليها تؤكد أن عضو القيادة لا يلزم الحزب إلا بالتكليف، وسعداني ليس منتخبا وبالتالي لن يلحق بالحزب أية أضرار، بل يتحمل مسؤولية تصريحاته.".
ويطرح المراقبون، تساؤلات حيال "الجرأة" التي يتحدث بها سعداني، إزاء جهاز "لا يجرؤ أحد على انتقاده من قبل" لكنه يتردد في كواليس أحزاب المعارضة أن شقيق الرئيس بوتفليقة وهو سعيد بوتفليقة، وراء كل منطوق يأتي على لسان عمار سعداني.
غير أن المسؤول الأول عن الحزب الحاكم، ينفي ذلك، ويقول في الحوار المنشور الاثنين، "هذا كذب"، مضيفا أن "المخابرات درجت على إطلاق شائعات حول الأشخاص المقربين من الرئيس وهم أوائل المستهدفين".
وتابع سعداني قائلا إن "وزير الطاقة و المناجم السابق شكيب خليل كان ضحية هذه الشائعات".
لكن اجتهادات كثيرة تقول أن الرئيس بوتفليقة، تمكن من "إضعاف" نفوذ المخابرات لصالحه، عندما أجرى تغييرات عميقة على الجهاز بإحالة ضباط على التقاعد وتحويل مهام آخرين، ومن بينهم الجنرال جبار مهنى، المدير المركزي لأمن الجيش، و الذي يتردد أنه مقرب من المسؤول الأول عن جهاز المخابرات محمد مدين. وكان ذلك في شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي.
وخارج أن سعداني يرأس أكبر حزب سياسي هو في الأصل الجهاز السياسي للسلطة، فإن المعني بالذات كان في عام 2006، قال "آن الأوان لإنهاء حكم السلطة الخفية كي يبقى الرئيس بوتفليقة هو الحاكم الفعلي في البلاد".
ويعتبر سعداني، الشخصية السياسية الوحيدة التي تحدثت عن التغييرات التي أجراها الرئيس بوتفليقة على قيادات الجيش والمخابرات، على هذا النحو من القوة، فهل عبر سعداني عن وجهة نظر مؤسسة الرئاسة، أم أنه اجتهد لوضع مقاربة عما فعله الرئيس، لا تلزمه إلا هو؟.
هذه أسئلة، احتارت لها قيادات المعارضة في الجزائر، وقال وزير الاتصال السابق والمعارض عبد العزيز رحابي، لـ"عربي21 " إن "إنزال النقاش بشأن علاقة الرئيس بوتفليقة بالجيش و جهاز المخابرات، إلى الشارع عبر وسائل الإعلام، يعكس وجود أزمة سياسية خطيرة في أعلى هرم السلطة".
ويرى سعداني أنه "كان يستوجب على الجنرال توفيق أن يستقيل"، بعد تأكيده أنه "أخفق في العديد من الملفات، على غرار "الفشل في حماية الرئيس الأسبق للجزائر محمد بوضياف، الذي اغتيل يوم 29 حزيران/ يونيو 1992".
وأضاف أن "المخابرات فشلت في منع الاعتداء الإرهابي الذي شنته "جماعة الملثمين" لمختار بلمختار على الحقل الغازي بتيقنتورين، في صحراء الجزائر يوم 16 كانون أول/ يناير 2013"، بالإضافة إلى عمليات أخرى، على غرار "فشل الاستخبارات في حماية الرئيس بوتفليقة في باتنة، حيث وضعت قنبلة بمسلك عبوره في أيلول/ سبتمبر".