مدونات

تأشيرة العمرة.. ثوب قريش

الكعبة المشرفة (أرشيفية)
الكعبة المشرفة (أرشيفية)
في زمن الجاهلية الأولى تشوهت العقيدة الحنيفية السمحة التي حملها نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام إلى العرب الذين استوطنوا في الجزيرة العربية وتمركزوا حول أول بيت وضعه الله للناس. 

في ذلك الزمن وبعد أن توالت السنون صدّق إبليس ظنه على الأعراب، فحولهم تدريجيا إلى عبادة الأصنام وتغيير مفاهيم الدين الحقيقية، ومن هذا التغيير ما كان يفعله أهل قريش في الحج، حيث أنهم كانوا يمنعون الحجاج من الطواف بالبيت إلا بثوب أحدهم، أو أن يطوف عاريا تماماً. وطبعا هذا جعلهم يؤجرون ثيابهم للحجاج وزوار بيت الله الحرام بمبالغ باهظة.

وحولوا هذه العبادة إلى تجارة واستغلال، وفرغوها من مضمونها وحكمها الجليلة، وبقوا على هذا الحال إلى أن جاء الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فهدم أركان الباطل وأزال كافة التشوهات التي لحقت بعقيدة التوحيد النقية.

ما يحدث هذه الأيام -وبعد مرور أربعة عشر قرناً على البعثة النبوية- بما يخص رحلات العمرة يظهر أن التاريخ يعيد نفسه، ويكرر زمن الجاهليه جاهليته، فالعمرة مشروطة بالحصول على تأشيرة، والتأشيرة مشروطة بالحصول على موافقة الوكيل السعودي (الذي منحته الحكومة هذا الحق)، والذي أخذ بدوره يتحكم بسعر هذه الموافقة حتى وصلت في بعض الأحيان والبلدان إلى 100 دولار وبعضها أكثر من ذلك، وهذا بطبيعة الحال يحرم ملايين المسلمين غير القادرين على إضافة هذا المبلغ إلى تكاليف رحلة العمرة المتمثلة بأسعار الفنادق والتي تعود ملكيتها إلى أصحاب الجنسية المحظوظة أيضاً. 

كما أخذ السيد المرخص له من دولته بتوجيه تأشيراته إلى البلد التي يحقق فيها مكاسب أكبر وبرامج عمرة ذات مرابح أكبر، لتصبح العمرة فقط للمقتدرين ويحرم منها أصحاب الدخل المحدود، وهذا يحرم ملايين المسلمين من العمرة في بلاد العالم الثالث الذي ينتمي إليه معظم المسلمين بفضل حكامهم.

هذه الإجراءات والتعليمات تتناقض مع الاتفاق الضمني بين أي نظام حاكم يتمكن من الحكم في جزيرة العرب وبين العالم الاسلامي، والذي بموجبه تتم الموافقة على ولاية هذا النظام على الحرمين الشريفين مقابل شروط أهمها أن لا يمنع هذا النظام المسلمين من الوصول إلى الديار المقدسة بشكل مباشر أو غير مباشر (مثل فرض رسوم أو تكاليف لا معنى، لها او احتكار الخدمات)، كما أن الاتفاق كان يقضي بأخذ موافقة العالم الإسلامي على أي إجراء يخص الحرمين الشريفين أو أي تعليمات تخص الحج والعمرة. 

ويبدو أن هذه الاتفاقات الضمنية تلاشت مع مرور الأيام، وأصبحت القرارات التي تخص نظام الحج والعمرة سيادية لا يجوز نقاشها أو الاعتراض عليها من أية جهة كانت، و من أخطر هذه القرارات فرض نظام جديد للحصول على تأشيرة العمرة من خلال وكيل سعودي شبيه بنظام الكفالة المعمول به في المملكة العربية السعودية والذي يمكن وصفه بنظام الرق الذي حاربه الإسلام على مر العصور ولكن تم إعادة إنتاجه بمسمى جديد (الكفالة).

واستمر تلاشي ولاية كل المسلمين على الحرمين الشريفين حتى تفتقت الأذهان عن إنشاء شركة جديدة تحمل اسماً على غير فعلها في زمن السنوات الخداعات ( شركة تسهيل ؟!) والتي يملكها أحد الأمراء، والذي اكتشف بالعمرة كنزاً جديداً وبئر نفط لا ينضب، وفرضها على الناس بولايته المطلقة على الديار المقدسة!! 

بدء عمل هذه الشركة بتحصيل مبلغ من المال مسبقاً عن كل معتمر يصل إلى الديار المقدسة مقابل استقباله في المطار و تسهيل (تعقيد) خروجه من مبنى المسافرين، ثم تطور عمل هذه الشركة وبدأت بفتح فروع لها خارج السعودية (الإمارات والأردن كمرحلة أولى) لتصبح هذه الشركة وسيلة التواصل الوحيدة بين الناس وبين قنصليات المملكة العربية السعودية، وطبعا قامت هذه الشركة بتقسيم خدماتها إلى فئات ذهبية وبلوتونيوم وفضية بحيث تتضاعف الأسعار حسب نوع الخدمة المطلوبة وحسب حاجة الناس إلى سرعة السفر.

إن هذه القرارات وهذه التعليمات والإجراءات من شأنها تكرار زمن الجاهلية الأولى والذي ينذر بتغيير الواقع، فسنة الله في الكون نافذة لكل من يحول بين بيت الله الحرام وبين عباد الله وذلك بنهاية ولايته وسدنته للكعبة، ولن تشفع سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام التي لا تستوي مع الجهاد في سبيل الله لكل من يمنع عباد الله عن بيت الله، والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه.

سالم الخطيب - الأردن
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم