رد زائر
إيراني كبير كان ضمن الوفد المرافق لرئيس الجمهورية الأسبق السيد محمد خاتمي لموسكو سنة 2001 على سؤالي عن حجم العلاقة بين بلاده وروسيا بكثير من التبسيط: «هي بحجم ما يوجد في منزلك في بيروت من صنعة روسية».
لكن الظروف الصعبة التي تمر بها إيران تدفعنا إلى البحث عن بديل مؤقت.
اعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي عاد إلى سدة الرئاسة سنة 2012 أن بإمكانه ملء فراغ على الساحة الدولية، الذي سببه التراجع الأميركي المؤقت في الكثير من الملفات الدولية، وراهن باندفاعته السياسية على إمكانية قبول واشنطن ببعض الشروط الروسية لحل عدد من هذه الأزمات، ما يعيد لبلاده دورها ويحيي الآمال بتعددية قطبية.
بعد أكثر من سنتين على هذه الاندفاعة، ما زال الاحتمال الروسي بلعب دور دولي يراوح مكانه، ويواصل السقوط تلو الآخر في مطبات حفرتها واشنطن والدول الغربية على الطرق الافتراضية التي عدَّها بوتين ممرا لعودته.
فقد فشل الروس في مؤتمر «
جنيف 2» في الدفاع عن آخر حلفائهم في شرق المتوسط، وأصبحت حسابات الخسارة في سوريا أكبر من احتمالات الربح المشروط، أضف إلى ذلك رفض الدول الـ40 المشاركة في «جنيف 2» اعتبار مكافحة الإرهاب بمفهوم النظام السوري مقدمة على مسألة مصير النظام، وتمسكها بمقررات «جنيف 1»، واعتبار وزير الخارجية الأميركي في كلمته الافتتاحية أن العنف الذي يمارسه الأسد هو الجاذب لهذا التطرف والإرهاب.
كما أن القيادة الروسية تمر بمرحلة قلق متصاعد جراء عدم معرفتها الدقيقة بما يجري داخل الأروقة المغلقة بين طهران وواشنطن، وقناعتها بأن القيادة الإيرانية الجديدة تتطلع إلى علاقة وثيقة مع واشنطن لا بد أن تكون على حساب مستقبل التعاون مع
روسيا، هذا التقارب التدريجي بين البلدين سيفتح أبواب طهران أمام مشاركة أميركية واسعة في السياسة والاقتصاد والتطوير وإعادة الإعمار، ما يضيق من إمكانية المنافسة الروسية على الكعكة الإيرانية التي تفضل الزيت الأميركي على الزيت الروسي، كما أن التقارب الإيراني - الأميركي سيلامس ثوابت الأمن القومي الروسي، في آسيا الوسطى وتقاسم ثروات بحر قزوين، ويضاعف من هواجس موسكو في رفع العقوبات النفطية مستقبلا عن إيران، ما سيتسبب بهبوط أسعار النفط والغاز عالميا، بما لا يناسب وضع الخزينة الروسية، التي تعتمد في معظم مداخيلها على ارتفاع أسعار النفط الذي جعلته دولة بوتين محصولا شبه حصري للاقتصاد القومي.
حاول بوتين العودة إلى مصر والعراق، فلم يحصل في القاهرة إلا على هامش محدود لا يعول عليه، وإدراك الخبراء الروس أن غيابا استمر 40 سنة عن القاهرة لا يسترد بردات فعل مصرية غاضبة من التردد السلبي الأميركي في التعاطي مع انتفاضة 30 يونيو (حزيران)، أما في بغداد فقد استغل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حاجة موسكو إلى سوق سلاح جديدة فأغراها بصفقة سلاح كادت تسقط ضحية الفساد من كلا الجانبين من جهة، ومن جهة أخرى نجح المالكي عبر التلويح بالتعاون مع موسكو في دفع الإدارة الأميركية إلى تزويد بغداد بالعتاد العسكري الذي تطالب به، واستدراج واشنطن من جديد إلى بغداد، وإعادة بناء الثقة معها.
للحظة ما شعر بوتين أنه استعاد زمام المبادرة، فنجحت ضغوطه في دفع القيادة الأوكرانية إلى رفض توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتوقيع اتفاقية التعاون مع موسكو، فخرجت المعارضة الأوكرانية عن صمتها وعادت إلى الشارع، ولم تفلح محاولات الالتفاف التي قامت بها موسكو بتقديم 15 مليار دولار كإغراءات اقتصادية، من أجل حماية حليفها الرئيس يانوكوفيتش في كييف، لأن حراك المعارضة الأوكرانية المتصاعد والدعم الغربي لها، أديا إلى تراجع موسكو سريعا عن الكثير من ثوابتها، فقدم حليفها رئيس الوزراء استقالته، وألغى البرلمان الأوكراني قانون التظاهر المثير للجدل، وأعلنت وكالة «إنترفاكس» عن دخول رئيس الجمهورية فيكتور يانوكوفيتش في إجازة مرضية بسبب أزمة نفسية حادة يمر بها، فيما حذر أول رئيس لأوكرانيا ليونيد كرافتشوك من حرب أهلية على حدود روسيا.
يردد كبار السن أن ثعلبا خرج للصيد صباحا فسار بعكس الشمس فنظر إلى ظله وقال «علي اليوم أن أصطاد جملا»، وعندما ارتفعت الشمس قليلا نظر إلى ظله ثانية وقال «يمكنني البحث عن معزاة»، وعندما انتصبت الشمس فوقه في وسط السماء نظر إلى ظله وقال «سأكتفي بدجاجة».خرج الروسي إلى الصيد مستخدما عتادا سوفياتيا عفّى عليه الزمن، حاملا أوهاما إمبراطورية، لكنه لا يملك الإمكانيات ولا الأدوات لاستعادتها، مستغلا اللحظة التي قرر فيها الصياد الأميركي الاكتفاء مؤقتا بما لديه من غنائم، فلم يعثر إلا على فتات ما تركه الحلفاء الغربيون الذين خرجوا منتصرين من حرب باردة، لا مجال للعودة إليها.
(عن الشرق الأوسط 1 شباط/ فبراير 2014)