ما إن تدخل
وادي قانا، حتى تشتم رائحة البرتقال والليمون والزيتون، وتسحرك الطبيعة بجمالها الخلاب، الوادي الذي يأتيه السياح من مختلف انحاء
فلسطين، تبلغ مساحته 10 آلاف دونم، ويقع في محافظة سلفيت في الشمال الغربي من الضفة الغربية.
يمتاز الوادي ويشتهر بأراضيه المزروعة بالحمضيات وأشجار الزيتون وبوفرة عيون الماء، حيث يوجد في منطقة وادي قانا تسعة من عيون الماء منها (عين الحية، وعين المعاصر، وعين الجوزة، وعين الفوار، وعين البصة، وعين التنور، وعين أبو شحادة)، ما جعله بيئة خصبة للزراعة فكانت قبل الاحتلال
الإسرائيلي عام 1967م مصدر دخل لعشرات العائلات من بلدة ديرستيا وبلدة قراوة بني حسان.
المتمعن في جمال الوادي تصدم عينه بالمستوطنات التي تربعت فوق الجبال المحيطة به، وتساهم بتلويثه بمياهها العادمة، وقطع أشجاره، وطرد سكانه.
الفلسطيني مقبل عواد أحد سكان بلدة دير استيا القريبة من الوادي، ويمتلك أرض في وادي قانا، يقول لـ(عربي21) إن "وادي قانا من أجمل الأماكن الجمالية على الأرض، وملكية الأراضي الخاصة بالوادي تعود جميعها لأهالي بلدة دير استيا، تبدأ من غرب البلدة إلى بلدة عزون عتمة وبلدة صنيرة، وهو مزروع بحقول من البرتقال الليمون والزيتون ويحده من جميع الجهات مستوطنات إسرائيلية".
ويتابع عواد أن "الأرض التي أملكها بالوادي ورثتها عن أجدادي، وفي القدم كان يسكن الوادي ما لا يقل عن 300 شخص، ولهم آثار متواجدة لغاية الآن تدل على أنهم كانوا يسكنوه، منها أربعة بيوت لازالت متواجدة، وأصحاب الأراضي يذهبون يوميا من دير استيا إلى أراضيهم الموجودة في الوادي، ويعملون في أراضيهم حتى من يمتلكون الحقول هناك فتعتبر هذه الحقول من البرتقال والليمون هي مصدر الرزق الوحيد لهم".
معاناة مع الاحتلال
ويضيف، "منذ عام 1976 تم الإعلان عن وادي قانا على أنه محمية طبيعية وهذا الإعلان كان من طرف واحد وهي إسرائيل"، ويتساءل: "كيف يقومون بمصادرة أراضينا دون حق؟ تفاجأنا بالقرار، وكذلك منعنا الاحتلال من زراعة أية شيء في أراضينا، وذلك بحجة أن زراعة أية شيء في الوادي يعتبر مخالف لشروط المحمية وتغيير للمعالم، وهم يناقضون ما يقولون، فالاحتلال يمنعنا من الزراعة وهو يقومون بقطع الأشجار منها لإعدادها للحدائق، ويقومون بالبناء فيها وهذا هو بذاته تغيير للمعالم".
ويستمر في حديثه قائلا إنه و"منذ العام الماضي قام الاحتلال بتسليم إخطارات لاقتلاع 3000 شجرة زيتون، وما بين الحين والآخر يقومون باقتلاع جزء كبير منها، ومنذ أشهر قاموا باقتلاع 500 شجرة زيتون، وبعد اقتلاع هذه الأشجار يقوم الاحتلال بمصادرتها وأخذها معه دون تركها في المكان".
ويشارك نظمي سلمان أبو النواب عضو بلدية دير استيا عواد الهم ويقول لـ(عربي21) إن "الوادي يحتوي على بيارات الليمون والبرتقال وينابيع عديدة يقدر عددها بتسعة ينابيع ماء، دمر الاحتلال منها ينبوعين بحجة شق الطرق للمستوطنين، كذلك تلوث المياه الذي استمر لأكثر من 14 عاما، وفي عام 2003 قام الاحتلال بفتح خط للمياه العادمة".
ويتابع سلمان أن "المزارع الفلسطيني في وادي قانا يتعرض لضغوط يومية، وحالة هجوم من الاحتلال من ثلاثة جهات رئيسية هي: الجيش الإسرائيلي والمستوطنون، والإدارة المدنية الإسرائيلية، وسلطة حماية الطبيعية الإسرائيلية، عوضا عن الاعتداءات المتكررة من قبل المستوطنين على المزارع الفلسطيني جسديا في المنطقة، واقتلاع أشجار الزيتون ومصادرتها بعد اقتلاعها، ومنع إقامة المساكن في المكان، ومنذ فترة قصيرة تم تدمير شبكات المياه التي تم إنشاؤها من قبل أصحاب الأراضي، وتمت مصادرة السياج الذي نصبه المواطنون لحماية الأراضي من الخنازير التي يطلقها الاحتلال في المكان، وتم تدمير الطريق الذي أعده المواطنون لتسهيل وصولهم إلى أراضيهم".
وأبرز الاعتداءات ما كان هذا الأسبوع من اقتلاع 1000 شجرة زيتون من قبل جيش الاحتلال وسلطة حماية الطبيعة الإسرائيلية، ومصادرتها إلى جهة غير معلومة بحجة أن زراعة شجرة الزيتون خرق لقوانين المحميات الطبيعية.
وأشر أبو النواب إلى أن "الاحتلال يقوم بوضع إخطارات ورقية على الأشجار دون علم المزارعين وإذا تمكن المزارع الذي يتواجد في أرضه من اكتشاف هذه المنشورات بالصدفة يقوم باتخاذ الإجراءات القانونية، وإذا لم يتمكن بهذا يستنفذ الوقت للذهاب إلى المحكمة".
ورغم هذه المعاناة الا أن حركة الفلسطينيين إلى الوادي لا تزال مستمرة ولا يزال الوادي مليء بالعائلات الفلسطينية التي تتوافد إليه، إلا أن ممارسات الاحتلال بشكل مستمر أدت إلى هجرة الكثير من السكان الذين كانوا يسكنون الوادي ويقدر عددهم بـ 300 نسمة إلى بلدة دير استيا المجاورة، وفي أحيان كثيرة لتسهيل حركة المستوطنين يتم إعلان المنطقة "منطقة عسكرية مغلقة"، ويتم تنظيم رحلات سياحية للإسرائيليين، وهذا يمنع المزارع الفلسطيني من دخول أرضه في هذه الفترة إلى أن تنتهي تلك الرحلات.
رد محكمة العدل العليا
ويشير أبو النواب إلى أن البلدية والمزارعين توجهوا إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية على أمل إصدار قرار بوقف اقتلاع الأشجار، إلا أن المحكمة العليا حكمت باقتلاع جزء من الأشجار وبقي الجزء الآخر معلّقا للبت في المحكمة، وتم تنفيذ أمر الاقتلاع قبل خمسة أيام.
وتابع "في عام 2011 تم اقتلاع ما يقارب 1600 شجرة زيتون في وادي قانا، وهناك 800 شجرة الآن معلّمه باللون الأحمر تنتظر المصير المحتوم بالاقتلاع في أية لحظة من قبل قوات جيش الاحتلال".
يشار إلى أنه في عام 1976 تم إعلان الوادىي منطقة عسكرية مغلقة، يمنع دخول الأهالي إلى أراضيهم إلا بتصاريح من السلطات الإسرائيلية، إلا أن الاهالي اعترضوا على القرار وتم إفشاله.