من الواضح أن حصار النظام السوري لمخيم
اليرموك، ليس مطبقاً تماماً، فخلال الأسبوع الماضي ألقت طائرات النظام على المخيم براميله الشهيرة. هنالك إذن طريقة للوصول إلى أهالي المخيم، طريقة لإيصال ما يُراد إيصاله لهم، ومن الجو، وبالبراميل. أما ما تحويه هذه البراميل، فهو نقاش آخر.
هذا أحد جوانب المنطق الذي يعيش عليه مؤخراً بعض متفذلكي النظام السوري وممانعته، أقول بعض، وهو بعض قليل، لأن الغالبية العظمى منهم لا يسلّم بما يتضمّنه هذا الكلام وهو مسؤولية النظام المباشرة عن حصار المخيم وتجويع أهله وقتلهم.
نقاش هؤلاء المتفذلكين ممارسة عبثية إذ لا منطق يمكن لهم أن يحتكموا إليه، ولا منطلقات أخلاقية وإنسانية يمكن لمناقِشهم أن ينطلق وإياهم منها، بل هي فحسب مواقف سياسية غاية في اللا أخلاقية وغاية في الانتهازية (لا أريد أن أزفّر في الحكي) وكل ما تردّ به هو: كلامك غلط، غير صحيح.. وغيرها من الإجابات المُفلسة.
هكذا بالضبط كانت إجابات عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عبدالله عبدالله (ورئيس اللجنة السياسية فيه عن حركة فتح)، وكأنه لا يكفينا أحمد مجدلاني موفد الرئيس محمود عباس إلى النظام السوري ولا حسن البطل، وأخيراً في مديح نظام الأسد وتبرير قتله فلسطينيي اليرموك، ولا آخرين كثرا يطلّون علينا من وطن أهالي المخيم.
في برنامج ‘قابل للنقاش’ على قناة دبي الفضائية أطلّ علينا عبدالله عبدالله ممثلاً الطرف المدافع عن النظام السوري والسلطة الفلسطينية (هل من تركيبة أشد شناعة؟)، وعلى الطرف الآخر محلّل سوري، والكاتب الفلسطيني الصديق ماجد كيالي.
في الوقت الذي كانت مداخلات كيالي حقائق وأرقاما وأسماء وتواريخ ومعلومات وثّقها الإعلام منذ ضرب النظام السوري المخيم بطائرات الميغ الروسية قبل أكثر من سنة، إلى حصاره المخيم مؤخراً وضربه بالبراميل المتفجرة قبل أيام، كانت أجوبة عضو المجلس التشريعي ترديدات: غير صحيح، غلطانة (هذه للمذيعة)، ماذا تعرفون عمّا فعلته السلطة، أرسلنا وفوداً، سيادة الرئيس محمود عباس، يا أخي مش صحيح، وغيرها من العبارات الكفيلة بإعياء مناقِشها.
لن يهمّ ما يقوله هذا العضو، مهما صغر أو كبر موقعه في السلطة، هو محكوم بسياسة السلطة الفلسطينية التي لم تجد غير أحمد مجدلاني لترسله موفداً إلى دمشق (لا إلى المخيم بالمناسبة).
للأسف أقول لن يكون سهلاً إيجاد مثقفين وكتّاب فلسطينيين يقفون بوضوح وجرأة مع السوريين وثورتهم ومع الفلسطينيين في الحرب الهمجية التي يشنها النظام السوري عليهما، وفي الوقت نفسه، وكما هي مواقف حاسمة ضد النظام القاتل، هي مواقف ضد ‘داعش’ و ‘النصرة’ وبكل حسم.
إن بحثنا جيداً سنجد في الصحافة المكتوبة فلسطينيين كهؤلاء، أما من تستضيفه القنوات التلفزيونية، فهم إما من الفصائل أو السلطة أو أحد متزلّفيها هي والنظام السوري، لأن التلفزيونات لا تهتمّ بالمثقّفين كما تهتمّ بالسياسيين، وهؤلاء أسوأ ما فينا نحن الفلسطينيين!
وسمعتْ ‘الميادين’ بمخيم اسمه ‘اليرموك’!
بالمناسبة، وللأمانة ومن حق القناة عليّ، ولأني ذكرت منذ تفاقمت مأساة مخيم اليرموك في تجويعه وحصاره قبل أسابيع، أن قناة ‘
الميادين’ لم تسمع بعد بمأساة اليرموك (أو لم يصلها الإيعاز بذلك)، قبل أيام باغتتنا القناة بخبر عن اليرموك في إحدى نشراتها، وفي نشرة تالية في اليوم ذاته توسّعت بالخبر.
أما كيف أتى الخبر فهو نقل عن بيان أصدرته حركة حماس تدعو فيه المسلحين في المخيم للانسحاب منه. لكن، ولبؤس حظ القناة، البيان ذاته وصل لقنوات أخرى نكتشف منها أن الكلام وُجّه للمسلحين عامة ومن كافة الجهات، كما أنه دعا لرفع الحصار (الذي يفرضه النظام البلجيكي؟) على المخيم.
أما في النشرات التالية لـ’الميادين’، فكان الخبر في نقل لكلمة قصيرة ألقاها زعيم ميليشيا الجبهة الشعبية – القيادة العامة أحمد جبريل، أمام الإعلام (قنوات النظام السوري بما فيها الميادين) متفوّهاً بما يتناسب وتاريخه هو والنظام المتبوع. جبريل الذي يهتف المخيم فيه: برميل ورى برميل، بدنا راسك يا جبريل!
ثم عرضت تقريراً عن الحصار كان لا بدّ أن يحوي قولاً لأحمد مجدلاني محمّلاً المسؤولية للمسلحين، الذين: ينتظرهم الجيش العربي السوري لمنازلتهم في أي مكان خارج المخيم’، قدّيش حنون هذا الجيش!
في التقرير عينه نسمع إحدى تلفيقات القناة الفانتازيّة (تنفع أن تعود الصفة على الاسمين)، وهي أن ‘المسلّحين يحاصرون المخيم من الداخل’، كيف؟ لم أفهم. خاصة وأننا نرى أهالي اليرموك في شوارع المخيم وفي جنازات ومظاهرات تسمّي محاصرهم وقاتلهم.
إذن أخيراً سمعت القناة بمأساة اليرموك، وهذه للحقيقة.
سكارليت جوهانسن ومعاليه ادوميم و ‘صوداستريم’
يبدو أن لشبكة ‘الجزيرة’ متابعين مخلصين، أقصد أولئك المتربصين بأقل ما يمكن أن يصدر عن هذه الشبكة الإعلامية، لكني لن أتحدّث عن ‘الجزيرة’، التي نعرفها، بل عن ‘الجزيرة أمريكا’، القناة الجديدة نسبياً وصاحبة تأثير سأذكر مثالاً عليه الآن، تأثير لا يعرف به متابعو ‘الجزيرة’ العربية، والعارفون تماماً بحالات التربّص بها، تحديداً من قبل إعلام كلا النظامين، السوري والمصري.
دون إطالة، إحدى أكثر الممثلات الأمريكيات شهرة
سكارليت جوهانسن صارت قبل أيام الوجه الإعلاني لشركة المشروبات الغازية ‘صوداستريم’، ويقع مصنع هذه الشركة في مستوطنة ‘معاليه أدوميم’ في الضفة الغربية، فنشر موقع ‘الجزيرة أمريكا’ خبراً مع أربع تغريدات لنشطاء يشيرون للموضوع، لنجد موقع ‘ذا دايلي بيست’ المندمج مع مجلة ‘نيوزويك’ المنافس الأول لمجلة ‘تايم’ قبل إقفال الأولى ورقياً، ينشر مقالة يتهجّم فيها على ‘الجزيرة’، التي نشرت الخبر على موقعها، مدافعة لا عن جوهانسن فحسب، بل عن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة، ثم لتنقل مجلة ‘ذا نيويوركر’ الموضوع، مشيرة إلى إشارة ‘ذا دايلي بيست’ وما سمّته الأخيرة في عنوان عريض ‘الجدال السقيم لـ’الجزيرة’ حول سكارليت جوهانسن وصوداستريم’!
وهذا فقط حسب متابعتي البسيطة لأني أعتقد أن أكثر من مجلة وصحيفة وربّما تلفزيون تناولت المقالة الصغيرة، التي نشرها موقع ‘الجزيرة أمريكا’، علماً أن المجلتين المذكورتين من الأكثر قراءة عالمياً.
نحكي هنا عن قناة تأسست جديداً للمشاهد الأمريكي، كما نحكي عن خبر عُرض على موقعها على الإنترنت، ما تطلّب مقالات أطول وردوداً تدافع عن الصهيونية في مجلات أمريكية من بين الأبرز عالمياً. فكيف لو تناولت ‘الجزيرة’ الموضوع تلفزيونياً، بالخبر والتقرير، ومقالة صغيرة على موقعها أثار هذه الردود؟!
لدينا كعرب بعض القنوات والشبكات الإعلامية تتمتع بإمكانات مادية قد تفوق ما تملكه ‘الجزيرة’، لكنه غير كاف للريادة إعلامياً وصحافياً، هنالك ما يجعل أحدنا يختار نشرة ‘الجزيرة’ النشرةَ الرئيسية اليومية الإلزامية، ثم للتنويع يعرّج على غيرها.
ويبدو أن تأثير القناة على المشاهد وتنغيصها الدائم على المتربّصين لم تعد ميزة لقناة ‘الجزيرة’ بنسختها العربية، بل تمتد لقناة ‘الجزيرة أمريكا’. ليفقع اليمين الأمريكي وصهاينتهم (والممانعون العرب على البيعة) بغيظهم.
(عن القدس العربي)