هل تعني مشاركة قليلة للتيار السلفي في
استفتاء هذا الأسبوع دعما للجهاديين وعنفهم في مرحلة ما بعد حكومة مرسي؟ الإستفتاء كما يقول إريك تريغر (من دراسة لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الذي نشر التقرير) يقدم على أنه استفتاء على شرعية تدخل الجيش
المصري وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، لكن التصويت لن يغير المسار السياسي قصير الأمد في مصر، ومهما كانت النتيجة فالحكومة المدعومة من الجيش ستواصل حملتها ضد مؤيدي مرسي الذين سيواصلون بدورهم التعامل معها كحكومة غير شرعية.
ومن هنا فالمدى الذي سيشارك فيه السلفيون في الاستفتاء قد يكون له آثار بعيدة المدى. فمن ناحية تعني مشاركة واسعة من التيار السلفي تبنٍ لموقف
حزب النور وقراره المشاركة في مرحلة ما بعد مرسي. ومن ناحية تعني المشاركة القليلة شعورا بالحرمان الذي قد يؤدي إلى اعتناق فكر الجهاديين.
وبعد استعراضه مسودة
الدستور التي يجري عليها الاستفتاء وإشارته إلى أنها تقوم بتعزيز دور الجيش يشير، إلا أن الدساتير وما تحتويه من مواد ليست مهمة برأيه، لأن الحكومات المصرية نادرا ما التزمت بحرفية البنود في مواثيق سابقة، ولا يتوقع أن يتم تنفيذ بنود مثل حظر الأحزاب الدينية أو البنود التي تدعو لإنفاق كبير من الحكومة.
ومن هنا فالنقاش حول الدستور تجاهل مواده ونصوصه بقدر ما تم تصويره على أنه مرحلة انتقالية من مرسي إلى شرعية شعبية.
ولا يتوقع مثل غيره أن يرفض المصريون الدستور، فقد صوتوا على دستور عام 2012، وإن كانت المشاركة هي 33% ( الصحيح 38%). ومن هنا يحاول الذين دفعوا للإطاحة بمرسي حشد مشاركة أوسع.
وقارن عدلي منصور، الرئيس المؤقت المشاركة بتلك التي أدت لإنهاء حكم مبارك عام 2011 ومرسي عام 2013. ودعا الناخبين للمشاركة لاكمال ما قال "الثورة التي اردناها". وبنفس السياق أدارت المؤسسة الإعلامية المملوكة من الحكومة والخاصة وبابا الأقباط حملة لدفع المواطنين إلى المشاركة في الاستفتاء، وكذا الأحزاب غير الإسلامية. وأعرب الجيش عن اهتمامه بمشاركة واسعة عندما أعلن الفريق عبد الفتاح السيسي عن خطة لنشر 160 ألف جندي لحراسة 30,317 مركز للإقتراع، وألمح أن قراره الترشح للرئاسة مرتبط بنتيجة الإستفتاء، كما عبرت الحكومة عن قلقها من المشاركة عندما أعلن مستشار لرئيس الحكومة عن إمكانية مد التصويت ليوم ثالث. في الوقت نفسه عبر الإخوان المسلمون والجماعات التي تعارض الحكومة أعلنت عن مقاطعتها الإستفتاء. ووصف الشيخ القرضاوي المشاركة بأنها مشاركة في سفك الدم.
ويرى الكاتب أن التأكيد على الأرقام لن يغير من واقع المسار السياسي في مصر. فلو تجاوز المشاركون من صوتوا على دستور عام 2012 فعندها ستقوم بالإعلان عن حصولها على تفويض لمواصلة قمع الإخوان في الوقت الذي تمضي فيه نحو الإنتخابات الرئاسية ثم البرلمانية. وفي حالة مشاركة قليلة، سيؤدي إلى قلق الحكومة، وعندها ستمضي في قمع الإخوان ثم تواصل مسيرتها لتعزيز قبضتها على السلطة. ولن تؤدي نتيجة الإستفتاء إلى تغير في إستراتيجية الإخوان وهي رفض نظام ما بعد 3 تموز/ يوليو باعتباره نتاجا لانقلاب.
أما بالنسبة للسلفيين فإن مشاركتهم ستترك أثرا بعيد المدى على الحياة السياسية في مصر. ففي الوقت الذي يقول محللون أن استبعاد الإخوان من الحياة السياسية سيدفع بكوادرها للعمل السري والعنف، إلا أن السلفية باعتبارها أكثر تشددا من الإخوان هي أقرب للعنف. ويقدر عدد السلفيين في مصر ما بين 3- 6 مليون عضو مما يجعلهم مصدرا مهما للتجنيد من الجماعات الجهادية التي تواصل حملتها ضد الحكومة.
وحتى لو كانت هناك مشاركة كبيرة من التيار السلفي، فلن يمنع بعض أعضائها من المشاركة في العنف، ولكن مشاركة أقل تؤشر إلى حالة من عدم الرضى والشعور بالحرمان مما يحول قاعدتهم لحوض يستخدمه الجهاديون للتجنيد.
وعشية الاستفتاء لا يبدو أيا من السيناريوهين واضحا، فمن جهة دعا حزب النور السلفي والدعوة السلفية في الإسكندرية للمشاركة بنعم للدستور وبقوة، وقاموا بعقد مؤتمرات وحشدوا كوادرهم على مستوى مصر، إلا أن الاحزاب الكبيرة قررت مقاطعة الاستفتاء رغم فقدانها القدرات للتحشيد، وهذا هو حال حزب الوطن الداعم لمؤيدي مرسي.
ومن الآثار المترتبة على مشاركة حزب النور هي وضعه على تناقض مع بقية مشايخ السلفية مثل أبو اسحق الحويني الذي أصدر فتوى بمقاطعة العملية. كما أن دعم حزب النور للحكومة التي تقمع الإسلاميين سيؤثر على حجم قاعدتها الإنتخابية والتأييد الشعبي له. وعلى خلاف الإخوان المسلمين المعروفين بقدرتهم على ضبط أعضائهم، فالحركة السلفية ومنها حزب النور ليست لديها هذه الميزة.