أصبحت سيطرة
الجيش على المشروعات
الاقتصادية الكبرى في
مصر واضحة للعيان في الآونة الأخيرة، حيث تزايدت أعداد المشروعات الاقتصادية والتنموية التي يتم إسناد تنفيذها للقوات المسلحة، بعد أسابيع من سيطرتها الكاملة على السياسة والإعلام والأمن في البلاد.
وأطلقت الحكومة المدعومة من القوات المسلحة يد الجيش في المشروعات الاستراتيجية والبنية التحتية بشكل غير مسبوق.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن الجيش عقب انقلابه على الرئيس محمد مرسي مطلع يوليو الماضي، يوسع سلطاته علنا إلى الحد الذي جعله يشعر بأنه لا يخضع لرقابة أحد، مشيرة إلى أن تحصيل الجيش لرسوم المرور بأهم الطرق في مصر الرابطة بين القاهرة والصعيد والاسكندرية والسويس مثالا بارزا على السيطرة على اقتصاد البلاد بعد منحه حقوق استغلالها لمدة 50 عاما.
وأكدت الصحيفة أن الجيش الذي كان كان يحمي مصالحه من خلف الستار باعتباره دولة داخل الدولة، تحول اليوم إلى دولة فوق الدولة واتخذ خطوات واضحة لتعزيز سلطاته، مثل التعديلات الدستورية التي تعطي الجيش القرار النهائي في تعيين وزير الدفاع، وجعل ميزانيته منفصلة عن ميزانية الدولة، ومنحت الجيش سلطة محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
وكانت صحيفة "يو إس إيه توداي" الأمريكية قد ذكرت في تقرير سابق لها أن الجيش يسهم بنحو 40% في الاقتصاد المصري، ويدخل في شراكات مع مستثمرين أجانب، وأن يديه تصل للعديد من المجالات الاقتصادية بالبلاد مثل الصناعة والزراعة والتعدين والعقارات، في غياب أي شفافية أو مساءلة حول تلك الأنشطة.
الجيش يعيد هيكلة الدولة خدميا
ونقلت صحيفة "المصرى اليوم" عن مصادر حكومية قولها إن القوات المسلحة ستبدأ تنفيذ خطة شاملة "لإعادة هيكلة الدولة خدميا"، بمشاركة الوزارات المعنية والمجتمع المدنى وأساتذة التخطيط العمرانى، في الأسابيع الأولى من 2014.
وقالت المصادر، إن الخطة تشمل تطوير المناطق العشوائية على مستوى الجمهورية مثل مد الطرق أو مشروعات توصيل المياه والصرف الصحي والإنارة ورصف الطرق.
وتنفذ القوات المسلحة مشروعات سكنية بمحافظة بورسعيد، بتمويل إماراتي قيمته مئات الملايين من الدولارات، كما تنفذ 27 جسرا ونفقا بتكلفة 4.5 مليار جنيه في عدة محافظات.
وتم الأسبوع الماضي توقيع اتفاق مع القوات المسلحة لتطوير30 منطقة عشوائية بمحافظتي القاهرة والجيزة، عن طريق إدارة الأشغال العسكرية بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة، كما كشفت وزارة الزراعة، عن توقيع الوزارة بروتوكول تعاون مع ما أسمته القوات المسلحة لتسويق المحاصيل الزراعية لشباب الخريجين.
وكشفت مصادر مسؤولة بوزارة الإسكان لصحيفة "الشروق"، أن القوات المسلحة ستمول جميع المشروعات التنموية والاستراتيجية التي لا تستطيع الموازنة العامة للدولة تحمل نفقاتها، وتقدر بنحو عشرة مليارات جنيه، بهدف سرعة إنهاء تلك المشروعات.
بالأمر المباشر
وقال بيان لمجلس الوزراء في نوفمبر الماضي إن إسناد المشروعات القوات المسلحة يأتي بسبب ما تتمتع به من كفاءة وفاعلية في تنفيذ المشاريع في أسرع وقت مع ضمان أعلى معايير الجودة وانخفاض التكلفة.
وأوضح اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية إنه يتم إسناد تلك المشروعات للقوات المسلحة "بالأمر المباشر" – أي دون إجراءات مزايدات علنية لاختيار أفضل لعروض من الشركات المتنافسة - لضمان الانتهاء من التنفيذ في الوقت المحدد وبالجودة المطلوبة.
لكن مراقبون يقولون إن القوات المسلحة تفوز بهذه المشروعات بسبب تكلفتها المنخفضة للغاية – مقارنة بالشركات الخاصة – حيث لا تسدد القوات المسلحة ضرائب كما تحصل على المواد الخام بأسعار متدنية فضلا عن توظيفها لمئات الآلاف من المصريين في مشروعاتها بأجور زهيدة للغاية أثناء قضائهم فترة تجنيدهم بالجيش فتسند لهم وظائف مدنية تدرعوائد ضخمة على القوات المسلحة.
ويؤكد يزيد الصايغ أن نحو نصف الاقتصاد المصري قائم على شركات يديرها عسكر متقاعدون، وفقا لدراسة صندوق النقد الدولي، وأهؤلاء الضباط يستغلون المجندون البسطاء كعمالة زهيدة في مشروعاتهم".
الاصطدام بالرئاسة
ويقول مراقبون إن الجيش عزل مرسي بعد شعوره بالخطر على إمبراطوريته الإقتصادية عندما بدأ مرسي في سحب بعض المشروعات من القوات المسلحة وإسنادها إلى مسئولين مدنيين.
وأكد يزيد الصايغ، الخبير في الشئون العسكرية والباحث في مركز كارنيجي في حوار سابق مع قناة الجزيرة، أن محاولة مرسي تقليص النفوذ السياسي والاقتصادي للعسكر بعزل 70 قائدا من القوات المسلحة عقب الإطاحة بالمشير طنطاوي والفريق سامي عنان هي ما عجلت بالإنقلاب عليه.
ولفت إلى أن ثلاثة أرباع المحافظين في مصر منذ ثورة يوليو 1952 يكونون من العسكر المتقاعدين، ولم تكسر هذه العادة إلا في عهد مرسي.
وقال الصايغ إن العلاقة بين الرئاسة والجيش في عهد مرسي تأزمت لأسباب اقتصادية تتعلق بمشروع تنمية قناة السويس، موضحا أن القناة التي يسيطر عليها الجيش تدر لمصر شهريا نصف مليار دولار، ومشروع تنميتها الطموح يهدف لرفع هذا الرقم إلى 100 مليار، وأرادت الرئاسة تكوين هيئة مدنية لإدارة المشروع، وهو ما تصدت له المؤسسة العسكرية بقوة بحجة الأمن القومي، لرغبتها هي في القيام بهذا الدور.
من جانبه كشف يحيى حامد وزير الاستثمار السابق وأحد مستشاري الرئيس مرسي أن جهود الرئيس مرسي للاكتفاء ذاتيا من القمح أقلقت الجيش لأن غالبية الجهات المستوردة تابعة له، مشيرا إلى أن لواءات سابقون في الجيش يتحكمون في عشرات الشركات القابضة التي تحقق أرباحا سنوية تقدر بأكثر من ستين مليار جنيه سنويا.
وأوضح أن شركة "ميدي تريد" التابعة لجهاز المخابرات هي التي تتحكم في تجارة مصر مع دول أفريقيا، مؤكدا أن تلك الشركة عرقلت اتفاقية بين مصر والسودان لاستيراد اللحوم حتى تمنع خفض سعرها في الأسواق المصرية.
وقال الصايغ - صاحب دراسة "فوق الدولة.. جمهورية الضباط في مصر" - إن أي حكومة مدنية ستأتي لمصر وتحاول الإصلاح ستصطدم بالمعاقل التي تحكمها مصالح عسكرية.