قال الكاتب البريطاني بيتر أوبورن إننا "قد ندفع جميعا ثمن سحق الديمقراطية في
مصر". واتهم الكاتب في مقاله بصحيفة ديلي تلغراف النخبة العسكرية الحاكمة في مصر بالإصرار على تكرار أخطاء الماضي.
أوبورن بدأ مقالته بالتذكير بالكيفية التي أجبرت فيها نخبة مصر العسكرية منذ عقود آلافا من الشبان المصريين الذين كانوا يطمحون في دخول الحياة السياسية العامة إلى تبني طريق العنف.
ويضرب مثلا بزعيم
القاعدة الحالي أيمن الظواهري، ويقول إن "أول قرار اتخذه ذلك الطبيب الشاب كان الانضمام للإخوان المسلمين".
وحتى في تلك الفترة، الستينات من القرن العشرين، فقد صنفت الجماعة تنظيما غير قانوني، ما جعل من المستحيل أمام الظواهري الشاب الدخول في التيار السياسي العام. وبدلا من ذلك أجبره النظام الوحشي القمعي في مصر على تبني الطريق الذي قاده للقاعدة ولبرجي مركز التجارة العالمي" في نيويورك.
وفي هذا الإطار تساءل أوبورن: هل يعيد التاريخ تكرار نفسه؟ ويقول إنه يطرح هذا السؤال الملح، لأنه عاد من رحلة مثيرة للقلق زار فيها مدينة القاهرة التي زارها آخر مرة في صيف عام 2011. "فقد كان كل شيء ممكنا في تلك الفترة، عندما تجمعت الحشود في ميدان التحرير في الأشهر المليئة بالأمل، الجميلة، والتي تلت الإطاحة بالرئيس مبارك".
ومقارنة مع ذلك الجو المريح "أصبح التجمع اليوم في القاهرة جريمة يعاقب عليها الشخص، وأصبح الاختطاف والتعذيب أمورا روتينية، فيما يتم إطلاق النار على المتظاهرين. فبعد الانقلاب الذي أزاح الرئيس محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو الماضي تسيطر الطغمة العسكرية على البلاد، وما الرئيس المؤقت عدلي منصور إلا دمية، لأن وزير الدفاع، الفريق عبد الفتاح
السيسي هو الذي يدير البلاد".
ويشير الكاتب إلى أن السيسي الذي يبدو أقل من عمره الـ59 "تحول إلى رمز للإغراء الجنسي للنساء المصريات في متوسط أعمارهن، فصوره في كل مكان؛ في المقاهي والمحلات وفي زوايا الشوارع. وتظهر صورة السيسي في الكثير من الأحيان على ملصقات إلى جانب عبد الناصر والسادات، ويُتوقع أن يترشح للانتخابات الرئاسية التي ستعقد في وقت لم يحدد من هذا العام. ونقل عنه حلمه الذي تحدث به لأصدقائه ومعناه أن قدره الذي خلق من أجله هي أن يكون "المخلص" لمصر".
هذا عن السيسي بائع الأحلام والمخلص، فماذا حدث للإخوان المسلمين الذين فازوا في انتخابات الرئاسة في عملية اقتراع حرة ونزيهة قبل 18 شهرا؟ يجيب الكاتب " في يوم عيد الميلاد، استخدمت الطغمة العسكرية المادة 86 من القانون الجنائي المصري لحظر الجماعة وتصنيفها كجماعة إرهابية، وكانت الذريعة وراء ذلك هو الهجوم الإرهابي الذي نفذته جماعة إرهابية في سيناء تطلق على نفسها أنصار بيت المقدس على مركز للشرطة في المنصورة وأدى إلى مقتل 16 شخصا".
وذكر الكاتب بأن تنظيم "أنصار بيت المقدس" كان معارضا للإخوان المسلمين وهاجم أفراده مرسي "الكافر"، ومع ذلك فمن يقوم بالمشاركة في مظاهرات للإخوان يواجه عقوبة السجن لمدة خمسة أعوام.
ويصف الكاتب حال الجماعة بقوله "كل قيادة الجماعة الآن في السجن، أو مختفية عن الأنظار أو غادرت البلاد. وعادت الجماعة إلى العمل السري وخلاياه التي اعتمدت الجماعة عليها لحماية نفسها في فترات القمع والملاحقة. وتتم اللقاءات اليوم في البيوت الخاصة، والهدف الوحيد هو البقاءـ وهناك أحاديث تشير إلى أن نظام الخلايا تم التخلي عنه".
ويقول الكاتب: "أثناء زيارتي لم أبحث عن فرصة للقاء أي من الإخوان، ليس خوفا على سلامتي، وقد كان من السهل أن أنتهي مثل نهاية صحافيي الجزيرة الثلاثة الذين التقطتهم الشرطة الشهر الماضي، لكنني كنت قلقا من الآثار المرتبة على محاولتي لقاء أفراد من الجماعة".
وأين مرسي؟ يجيب أوبورن "الرئيس مرسي (أفضل الحديث عنه بهذه الطريقة لأن نظام الإنقلاب العسكري الذي حل محله لم يكن غير قانوني فحسب، بل ولا أخلاقي) وكان من المفترض أن يواجه اتهامات طبل لها في القاهرة يوم أمس، لكنه لم يظهر، وألقت السلطات اللوم وبشكل ملغز على "الظروف الجوية السيئة"، مع أن الجو كان صحوا في الإسكندرية حيث يحتجز مرسي، وكذلك في القاهرة".
وما هو موقف الدول الأوروبية ومنها بريطانيا؟ يقول الكاتب "مع أن بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة لم تشارك مباشرة في الإطاحة بالرئيس مرسي، إلا أنها جميعا متورطة في الكثير مما حدث.
وبانتظار أن ينطق ويليام هيغ (وزير الخارجية البريطاني) الخائف كعادته من إزعاج الولايات المتحدة، كلمة "إنقلاب عسكري"، فقد اعترف بالنظام الجديد. وذهب جون كيري (وزير الخارجية الأمريكي) أبعد من هيغ، ففي مقابلة مع محطة تلفزة باكستانية في آب/ أغسطس أثنى على الجنرال السيسي لانه "يعيد الديمقراطية، وثّمن جهوده في تجنب العنف".
ويعلق أوبورن "تصريحات وزير الخارجية ذهبت أبعد من المهزلة، فقد قتل أكثر من 1000 متظاهر في الشوارع، وكانت أكثر المواجهات دموية تلك التي حدثت في محيط مسجد رابعة العدوية في القاهرة في آب/ أغسطس الماضي، عندما قتل هناك أكثر من 600 شخص".
ويقول إن "الشرطة المصرية لديها خبرة جيدة في السيطرة على الجماهير من خلال استخدام القنابل المطاطية، مما يقودنا للافتراض بأن القتل الجماعي كان مدبرا. وبحسب الناجين، فهناك أكثر من 20 شخصا ماتوا دهسا تحت جنازير الجرافات التابعة للجيش.
وحتى الآن لم يقم نظام الجنرال السيسي بأية محاولة للتحقيق في تلك الجرائم. قابلت أثناء زيارتي بعضا من الصحافيين الذين حاولوا التحقيق والبحث عن الحقيقة، هؤلاء شجعان".
وماذا حدث منذ عودته؟ يقول "منذ عودتي من القاهرة أحاول أن افهم معنى السياسة البريطانية والأمريكية، واحدس أن موقفهم مثير للسخرية مع أنهم يرون واقعيا، فهم يتعاملون مع السيسي على أنه الأمل الوحيد لتحقيق الإستقرار. على المدى القريب قد يكونوا محقين، أما على المدى البعيد، أتساءل".
دعنا نعود إلى أيمن الظواهري "فقد دفع للعمل تحت الأرض أثناء نظام ناصر قبل 50 عاما. فلعدة أعوام كانت واحدة من أهم النقاط الرائجة التي اعتمدت عليها القاعدة التي يقودها الآن، وهي أن الغرب لن يسمح بظهور ديمقراطية في العالم الإسلامي، مما يعني أن لا خيار عن المقاومة المسلحة.
وعادة ما يشير رجال السلاح إلى فوز الأحزاب الإسلامية في الجزائر عام 1992 حيث أطاح الجيش بانتصارهم في انقلاب تبعه عقد من الحرب الأهلية".
فض الإخوان المسلمون فكرة خيار العنف، وقضوا كما يقول ثمانية عقود يمشون وبتثاقل نحو السلطة ". أخيرا، حصلت الجماعة عليها بطريقة سلمية، وفازت في ثلاث مراحل انتخابية منفصلة؛ الإنتخابات البرلمانية، كانون الثاني/ يناير 2012، الرئاسية حزيران/ يونيو 2012، والإستفتاء على الدستور في كانون الأول/ ديسمبر من نفس العام، ومع ذلك أصبحت الآن منظمة إرهابية".
وهنا يتساءل الكاتب قائلا: قادة الإخوان وإن أكدوا انهم يتبنون الخيار السلمي "فهل سيستمع إليهم أتباعهم جميعا، أي الإنتظار 80 عاما أخرى للوصول للسلطة عبر الوسائل الديموقراطية؟ وهناك عدد منهم سيميل نحو خيار العنف. وهذا ما يحدث في أجزاء من شبه جزيرة سيناء التي تشبه شمال سورية وبنغازي في ليبيا والأنبار في العراق، حيث صارت مناطق خارجة عن الحكم وملجأ للجماعات المتشددة".
ويعود مرة أخرى ويذكّر بريطانيا قائلا "لا يمكن أن تقف إلى جانب أي طرف في الحرب الأهلية الدائرة في مصر، ولكننا بالتأكيد يمكننا الحفاظ على القيم التي نعتز بها، ولحد الآن يظل سجلنا فقيرا، وسيظل وصمة عار في سجل ويليام هيغ".
وختم بالقول "هذا الأسبوع تقدمت مجموعة من المحامين قالت إنها تمثل الرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين بطلب للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم ضد الإنسانية ارتكبت من كل الأطراف أثناء الثورة. ولأن نظام السيسي ليست لديه الرغبة في التحقيق في القتل، فعلى الحكومة البريطانية دعم هذا الطلب.
ولأن الإخوان لا يزالون يعبرون عن دعمهم وإيمانهم بالمبادئ الغربية حول العدل والديموقراطية، فمن التأدب منا على الأقل رد هذا الإطراء، وسيكون موقفا عقلانيا وحكيما. فهناك طبيب مصري عجوز يختبيء في مكان ما على الحدود الباكستانية- الأفغانية (الظواهري)، وهو سيكون سعيدا ببقاء السيسي ولعبته".