سقطت كل الادعاءات التي سيقت منذ منتصف 2012 تبريراً لتدخل "
حزب الله" في القتال داخل
سوريا.
من حماية سكان شيعة ومسيحيين في قرى حدودية، وصولاً الى محاربة "التكفيريين" وارهابهم منعاً لامتداده الى لبنان.
أما ذرائع مواجهة "المؤامرة على سوريا" أو "حماية ظهر المقاومة" و"الدفاع عن نهج المقاومة" فلم تكن سوى شعارات افتراضية فارغة من أي مضمون.
الأكثر وضوحاً أن ايران أمرت "حزب الله" بإرسال مقاتلين لمؤازرة شبّيحة النظام، ثم بإدخال المزيد منهم واستقدام ميليشيات من العراق، عندما تأكدت أن النظام في خطر ويتوجب انقاذه.
نجح هذا "الانقاذ" جزئياً وشكلياً، لكنه لم يؤهل ايران لمقعد في المجتمع الدولي الذي سيلتئم في جنيف بحثاً عن حل سياسي للمعضلة السورية.
وزير الخارجية الاميركي قال أخيراً إن ادارته منفتحة على أي مساعدة "مفيدة" يمكن أن تقدمها ايران من خارج مؤتمر "جنيف 2".
هذا موقف منطقي وواقعي لم يكن متوقعاً من واشنطن في ظل تهافتها على طهران، ثم انه ينطوي على اختبار كالمساهمة في وقف القصف بالبراميل المتفجّرة وتسهيل وصول المساعدات الانسانية.
غير أن ايران لم تبدِ حماسة لمشاركة مشروطة، وكانت ترغب في أن تُدعى بصفتها دولة كبرى اقليمية، ثم إنها لم تبد استياءً بالغاً لاستبعادها. فالموقف الايراني غير المعترف ببيان "جنيف 1" هو نفسه موقف النظام السوري، إلا أن الأخير ذاهب الى "جنيف 2" مشترطاً عدم التطرق الى تنحّي بشار الاسد، وآملاً بالاعتماد عليه في ضرب الارهاب.
واذا ما خابت آماله يصبح غياب ايران ذريعة لاحباط المؤتمر وطروحاته.
في أي حال يتصرّف النظامان السوري والايراني على أن "جنيف 2" ليس سوى استعراض ديبلوماسي، فالحرب ستستمر لأنهما يخوضانها كمواجهة مع السعودية، ولا بدّ من أن تسفر عن منتصر.
أسوأ ما في "جنيف 2" بالنسبة اليهما أنه، في جانب رئيسي منه، يعيد الصراع الى حقيقته بين الشعب والنظام.
وهذا لم يعد يناسبهما بعدما بذلا طوال الشهور الأخيرة كل جهد لإظهار أن الصراع هو مع الارهاب و"التكفيريين"، وأصبح ذكر التكفيريين عندهما مرادفاً لذكر السعودية، التي ألحّ وزير الخارجية الايراني ويلحّ على زيارتها، كما لو أن بلاده ورئيس الحرس الثوري فيها يقومان بمبادرة انسانية في سوريا.
بعد لحظات على التفجير الانتحاري المزدوج للسفارة الايرانية في بيروت كانت مصادر ايران تتهم اسرائيل، أما مصادر "حزب الله" فوجّهت الاتهام الى السعودية، وما لبث حسن نصرالله أن أكّده شخصياً.
وبلغ الهوس البروباغندي حدّ تلفيق رواية تفترض أن تكفيريين دبّروا اغتيال الوزير محمد شطح، وهو ما تكرر طبعاً بعد التفجير الأخير في حارة حريك.
ومع كل صيحة بـ"انها السعودية" يحولان عبثاً إبعاد الشبهة عنهما.
(النهار)