اشتعلت
الأنبار في الأيام الماضية، وخرج علينا نوري المالكي في آخر خطبه ليقول إن المعركة في الأنبار بين أنصار
الحسين وأنصار
يزيد، وبهذا الخطاب أعلن أن معركته طائفية تحمل إرثا تاريخيا ثقيلا لا تقبل الصلح وأنه من أنصار الحسين الذي سيقف في وجه أنصار يزيد الذين خرجوا في الأنبار فجأة، وأنه القائد العام لمعركة ستحدد هوية
العراق برمته وأن الضحايا هم نتاج معركة طويلة الأمد حافرة في أعماق التاريخ، مصيرهم إما إلى نار أو إلى جنة الحسين، كما حاول أن يوضح في خطابه.
لم تتحدث الصحف الغربية كثيرا عن حراك الأنبار، فما ورد في صحيفة نيويورك تايمز والفاينانشال تايمز لا يعدو أن يكون تعريفا بالأنبار وخلفية تاريخية عن خلافها مع نظام المالكي، ولكنها كلها تقريبا أخذت معلوماتها من الناطق باسم الحكومة العراقية علي الموسوي الذي قال إن الجيش العراقي وجد سيارتين مفخختين في خيام المعتصمين !!
يقع على ثوار الأنبار – دعوني أعرفهم هكذا – عبء كبير جدا، فهم في مواجهة عدو لا يرحم، ينظر إليهم على أنهم أحفاد يزيد الذي قتل الحسين، ومعنى ذلك أن في قتلهم والتنكيل بهم أجرا كبيرا سيؤدي إلى الجنة على حسب مفهوم المالكي وجيشه الذي بناه على أساس طائفي مقيت.
يساند المالكي في معركته هذه الكثير من شيعة الجنوب الذين تأثروا بالإعلام الموجه الذي يقول إما المالكي أو القاعدة، فاختاروا!! وهذه باختصار الرسالة التي قامت عليها الكثير من الفضائيات المدعومة إما حكوميا أو من جهات خاصة تضرب بمعولها الطائفي في عقول البسطاء.
الأمر لا يقف هنا، بل إن كل الإعلام الإيراني الموجه والذي يملك المئات من الفضائيات والرجال الذين يتحركون في شوارع أوروبا محاولين إقناع الصحفيين والسياسيين وقادة الأحزاب بشكل فردي بصحة موقف المالكي الذي يصورونه أنه هو حامي حمى المنطقة من القاعدة وأخواتها وأن ما يفعله هو حماية للمواطن العراقي في وجه جماعات متطرفة تستبيح الذبح والقتل على الهوية.
يجب أن يعرف ثوار الأنبار أيضاً أن العالم يثق بالشخصيات التي تبدو أنها عاقلة، تبتسم وتضحك وتظهر إنسانيتها ولها حضور في المؤتمرات الصحفية، فهذا النوع من الشخصيات مقنع للآخرين، لأن له عنوانا معروفا، بعكس الآخر الذي لا يخرج سوى ملثم يصرخ في وجه العدسة وكأنه يهدد المشاهد، وقد يلوح بسكينه أو سلاحه ليظهر مدى جديته في القيام بمهمته الدموية، فهذا شخص لا يوحي مظهره بالثقة ولا حديثه بجدية المطلب السلمي وصدقه.
إن أكثر ما أخاف منه في هذه المرحلة هو الخلافات التي لا تكاد تنتهي بين سنة العراق، فعامة السنة تكره السياسيين المشتركين في العملية السياسية وتنظر إليهم على أنهم خونة وضعوا أيديهم بأيدي حكومة طائفية، والمطالبين بالأقاليم بينهم وبين المصرين على الوحدة خلافات كثيرة أيضا، والذين يصرون على حمل السلاح قد لا يتفقون مع الذين يرون أنها يجب أن تبقى سلمية، وكل هؤلاء يعرفون أيضاً أنهم مستهدفون لأنهم سنة فقط، ومع ذلك فخلافاتهم لا تكاد تنتهي أبدا.
سيطول الصراع مع المالكي، وستتعدد أساليبه، وسيكتشف الجميع أنهم بحاجة لكل شخص ولكل جهد، فهم في وجه آلة عسكرية وإعلامية ومخابراتية قوية، لها حلفاء كثر يمدونها بما تريد، أما الثوار فليس لديهم سوى أسلحتهم البسيطة ومحاطون بدول لا تريدهم على أراضيها ولا تريد نقل مشاكلهم إليها.
ولكن أكبر تحدٍ سيواجه ثوار الأنبار هو إثبات أنهم ليسوا إرهابيين وليس لهم علاقة بالقاعدة، فهذا الممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق السيد نيكولاي ملادينوف وصفهم في أول تصريح له عن الأحداث بالإرهابيين في قوله: الدولة لها مسؤولية قانونية لحماية مواطنيها من الإرهاب.....
أتمنى أن يكون العراقيون قد تعلموا من أخطائهم خلال السنوات الماضية، فتعاطف العرب والمسلمين معهم مضمون نوعا ما، ولكنهم بحاجة إلى تعاطف العالم وأن يستطيعوا أن يوصلوا وجهة نظرهم بشكل واضح إلى الإعلام الغربي والعالمي بعيدا عن الصورة النمطية التي نقلتها بعض الجماعات خلال الأحداث الماضية.