قوامه نحو 25 ألف مقاتل.. تصطبغ أجسادهم الصلبة بلون الرماد الناتج عن حرق روث الأبقار .. يزحفون على خصمهم من بين مستنقعات أعالي النيل بإقليم السافانا السوداني.. إنهم "
الجيش الأبيض".
وهو اسم غير رسمي لمجموعات مسلحة تنتمي لقبيلة النوير، ثاني أكبر المجموعات العرقية بجنوب السودان، والمتمركزين في وسط وشرقي منطقة أعالي النيل الكبرى.
تم تكوينه في منتصف العام 1991، من قبل نائب الرئيس السابق، ريك
مشار تينج، ومجموعة من قيادات "الحركة الشعبية" و"الجيش الشعبي لتحرير السودان"، خلال فترة الحرب للانفصال عن السودان، والتي انتهت بتوقيع اتفاقية السلام الشامل في العام 2005، وأدت لانفصال
جنوب السودان عن شماله من خلال استفتاء أجري عام 2011.
هدفين كانا وراء تأسيس الجيش الأبيض، هما "حماية أبقار" النوير من الهجمات المحتملة لجيرانهم من قبائل "الدينكا، والمورلي"، ومحاربة الجيش السوداني، خلال مساعي الانفصال.
وأطلق على هذه المجموعة التي لا يوجد زي خاص يميزها، اسم "الجيش الأبيض" لأنهم يقومون بمسح أجسامهم بالرماد الناتج عن حرق روث الأبقار، حتى يقيهم من لسعات البعوض والحشرات الأخرى الموجودة بكثافة في مناطقهم، التي هي عبارة عن مستنقعات أعالي النيل، في مناطق إقليم السافانا الفقيرة.
ويعتقد بعض المحللين أن الاسم جاء للتمييز بينهم كمجموعة مسلحة تابعة لقبيلة النوير، وقوات الجيش السوداني قبيل الانفصال.
نظام تربية خاص
ولقبيلة النوير التي تنتمي لمجموعة القبائل النيلية، نظام تنشئة خاص لتربية الذكور، ساعد في ظهور "الجيش الأبيض" بين صفوفها.
فبمجرد بلوغ الأبناء الذكور سن العاشرة يتم عزلهم في حظائر الأبقار المعروفة بـ(المراح)، وهناك يخضعون لنوع خاص من الحياة، تشبه النظم العسكرية، حيث يقومون برعي ورعاية الأبقار، وتعلم كافة فنون القتال والصيد، ويتبعون نظام الأقران، حيث يعيش مواليد الشهر الواحد بنظام الدفعات معا.
ومع بلوغهم مرحلة الصبا تجري لهم طقوس "التكريس"، التي تؤهلهم للزواج وحماية القبيلة وثرواتها، وهنا يتم وشمهم وتنتزع أسنانهم السفلى في احتفال بهيج ضخم، حيث يكونوا مؤهلين لنيل لقب (الرجال).
وتؤلف لهم الأغنيات التي تمجدهم كأبطال، عندما يقومون بشن غارات على جيرانهم من القبائل الأخرى للحصول على الأبقار، التي تعتبر هي الثروة الرئيسية للرجل النويراوي، حيث يستخدمونها كمهور في الزواج.
عقب اندلاع الحرب الأهلية الثانية بين "الجيش الشعبي" وحكومة السودان في العام 1983، انتشرت الأسلحة بين يدي المواطنين الذين شاركوا في اقتحام معسكرات التجنيد، أو من خلال شراؤها بالأبقار، وهنا استطاعت المجموعات الرعوية الحصول على الأسلحة الأتوماتيكية الخفيفة مثل (الكلاشنكوف) و (الجيم ثري)، كما استطاعت بعض المجموعات الحصول على الأسلحة من خلال قياداتهم الرفيعة في "جيش التحرير"، ومن بينهم شباب النوير.
ويتمركز "الجيش الأبيض" من داخل مجموعة (اللو نوير)، وهي إحدى بطون النوير، والتي تتواجد داخل حدود ولاية جونقلي وفي مقاطعتي (أوروور، أكوبو)، وذاع صيتها بعد أن استعان بها ريك مشار في 1991، عقب انشقاقه عن "الحركة الشعبية" في بلدة الناصر شرقي أعالي النيل، حيث وقعت اشتباكات في مدينة بور، راح ضحيتها ما يقارب الألفي شخص.
خبرة في التعامل مع السلاح
ولا يتلقى "الجيش الأبيض"، أي تدريبات عسكرية رسمية، لكن خبرة تعاملهم مع الأسلحة الصغيرة، وضخامة أعدادهم التي تقدرها حكومة جنوب السودان بـ (25000) شاب، هي التي قادت إلى ذيوع صيتها، وقوة بأسها.
كذلك، لا يتلقى مقاتلو "الجيش الأبيض" رواتب من أي جهة، بل يعتمدون على ما يستولون عليه من أبقار أو أي غنائم أخرى، يعودون بها إلى معسكرات الأبقار (المراح) الخاصة بهم.
وتقود مجموعة الجيش في أي مواجهة، بعض القيادات الشابة، التي يختارونها عرفيا، ويتلقون توجيهاتهم في غالب الأحيان من خلال الاستعانة بعراف القبيلة الملقب بـ"الكجور".
وعقب اندلاع موجة الأحداث الأخيرة بالعاصمة الجنوب سودانية، جوبا، منتصف الشهر الجاري، قرر ريك مشار التوجه إلى ولاية جونقلي، متمردا علي الحكومة ورافضا للتهم التي وجهتها له بالقيام بانقلاب عسكري ضد سلفاكير ميارديت.
ووقعت مواجهات بين القوات الحكومية وأنصار مشار، انتهت باسترداد المدينة وطرد قوات التمرد منها، لكن تجددت التحذيرات من هجمات متوقعة، قد يشنها الجيش الأبيض الموالي لمشار، وهو الأمر الذي تحاول السلطات تفاديه، عبر إرسال موفدين موالين لها من قبيلة النوير، لإقناع شباب الجيش الأبيض، بالعودة إلى ديارهم، تفاديا لوقوع مزيد من المواجهات والضحايا.