تعرض شمال الكيان
الإسرائيلي الأحد، لإطلاق قذائف صاروخية من نوع
كاتيوشا، قيل في أكثر الروايات تهويلا إنها أربعة صواريخ، لم تسفر عن أي أضرار، وكان الردّ الإسرائيلي على ذلك فوريّا، بأكثر من 20 قذيفة مدفعية موجهة إلى أهداف بعينها.
حتى هذا الردّ من حكومة الاحتلال لم يرق للصحافة الإسرائيلية ولم يشف غليلها، وبخاصة عقب غارات جوية عنيفة على أنحاء قطاع غزة، راح ضحيتها شهداء وسقط فيها جرحى فلسطينيون.
"
هآرتس" تشير إلى أخطار محدقة بـ"إسرائيل" تتعلق بوجود
حزب الله المنخرط في حرب سوريا ويعمل قتلا بالمدنيين هناك، وإلى منظمات جهادية قد تكون هي المسؤولة عن إطلاق القذائف على شمال الكيان، ثمّ تعرّج على المقاومة الإسلامية في غزة التي تعدّ العدة وتحشد لحرب "إسرائيل"، وتستعرض حالات اعتداء على الجنود والمستوطنين من قبل الفلسطينيين، بأسلوب تحريضي.
وفي الأثناء ترى الصحيفة أن ردود
نتنياهو غير كافية وليست قوية لأنها لا تحدث نتائج ملموسة، بل إنه يصرخ في اتجاهات سياسية مختلفة دون أن يؤدي ذلك إلى أي مصلحة لإسرائيل، أو إن نتنياهو لا يصيب أي مقتل في خصومه "إسرائيل".
كان ذلك المضمون واضحا في مقال عاموس هرئ المنشور الاثنين في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ويطالب فيه نتنياهو بالمزيد من العمل، بدلا من الأقوال الفارغة على حد ما ذهب إليه. ولذلك جعل العنوان "إطلاق الكاتيوشا من لبنان: تصريحات نتنياهو قوية لكنها فارغة من المضمون".
وفي ما يأتي نصّ المقال:
"خلّف إطلاق صواريخ الكاتيوشا من لبنان في يوم الأحد جهاز الأمن الإسرائيلي في عدم وضوح ما. فلم تتحمل أية منظمة لبنانية المسؤولية عن إطلاق القذائف التي سقط أكثرها في الجانب اللبناني من الحدود.
قدرت مصادر أمنية في حذر ومن غير التزام أن إطلاق القذائف كما يبدو المسؤولة عنه فصيلة سنية – جهادية أي واحدة من الفصائل المتطرفة المؤيدة للشبكة الواهمة التي تسميها الاستخبارات "الجهاد العالمي"، التي تنفق أكثر وقتها مع العداوة لإسرائيل، على نضال لإسقاط نظام الأسد في سوريا وعلى معركة طويلة فيها العمليات المتبادلة القاتلة مع حزب الله الشيعي في لبنان.
إن رئيس الوزراء كما يبدو هو الذي لا يشارك في التردد. فقد أعلن نتنياهو في افتتاح جلسة الحكومة لوسائل الإعلام أنه يوجد عنوانان وراء إطلاق القذائف على الجليل وهما: حكومة لبنان المسؤولة عن كل إطلاق نار من داخل أرضها، ومنظمة حزب الله التي تنصب آلاف الصواريخ والقذائف الصاروخية في بيوت في جنوب الدولة بين سكان مدنيين.
وأضاف رئيس الوزراء، أن حزب الله "ينظم إطلاق النار على مدنيين (إسرائيليين) كما حاول أن يفعل اليوم"، ويختبئ في الوقت نفسه وراء مواطنين لبنانيين وبذلك ينفذ "جريمة حرب مضاعفة تتم برعاية حكومة لبنان وجيشها". وتحول نتنياهو من هنا إلى هجوم على إيران وكيلة حزب الله التي ما زالت تخصب اليورانيوم وينتعش اقتصادها بفضل الاتفاق المرحلي الذي أحرزته مع القوى العظمى في جنيف في الشهر الماضي.
يوجد تفسيران ممكنان لإعلان نتنياهو – الأول، وينبغي أن نأمل أن يكون هو الصحيح – أن نتنياهو عُرضت عليه معلومات استخبارية لم تطلع عليها وسائل الإعلام إلى الآن. والثاني – أن العرب هم العرب في رأي رئيس الوزراء ولا يهم أن يكون من أطلقوا النار على أصبع الجليل شيعة من كارهي إسرائيل أو سنيين يكرهون إسرائيل، لكنهم يكرهون حزب الله الآن أكثر.
وبينت مصادر سياسية في رد على توجه صحيفة "هآرتس" أن "حزب الله هو الجسم الأقوى في جنوب لبنان ولهذا فإنه مسؤول عن كل ما يحدث هناك. وقيل كلام رئيس الوزراء تحذيرا مضاعفا لحكومة لبنان وحزب الله". حسن، إنه في هذه المرة على الأقل لم يزعم أن إطلاق القذائف ينبع من تحريض في جهاز التربية الفلسطيني.
يُعبر إطلاق القذائف كسلسلة الأحداث في الأشهر الأخيرة على الحدود وفي المناطق عن الواقع الجديد الذي أخذ يتشكل حول إسرائيل. استطاع نتنياهو مدة ثلاث سنوات تقريبا أن يدبر الأمور بحذر وأن يحافظ على مواطني إسرائيل فيما يشبه "فقاعة أمنية".
في سوريا، في حرب أهلية فظيعة تجري أحيانا على مبعدة كيلومترات معدودة عن حدودنا في هضبة الجولان، ذُبح أكثر من 120 ألف إنسان؛ وفي مصر بُدل الحكم مرتين مع احتجاج وعنف؛ ويجتمع آلاف – ويوجد من يقدرون أنهم عشرات الآلاف – من نشطاء الجهاد المتطرفين على حدود إسرائيل في سوريا وسيناء ولبنان. ويرى قسم الاستخبارات منظمات الجهاد السنية خطرا جديدا مقلقا لكن القليل جدا من كل ذلك شُعر به في حياة الإسرائيليين اليومية فقد تم حفظ الهدوء في عين العاصفة.
بدأت الظروف تتغير في نهاية الصيف. ومنذ ذلك الحين أخذت تكثر أعمال الإرهاب نتاج انتقال المواجهات المسلحة الداخلية في الدول المجاورة ونتاج ازدياد التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين. فمن كانون الثاني إلى آب قتل مواطن إسرائيلي واحد (من سكان يتسهار قتله فلسطيني بالقرب من نابلس).
ومن أيلول إلى كانون الأول قتل ستة منهم أربعة جنود ومدني واحد استعمله جهاز الأمن: ثلاثة في الضفة الغربية وغور الأردن، وواحد في قطاع غزة، وواحد بطعنات فتى فلسطيني في داخل الخط الأخضر وواحد على حدود لبنان. ويجب أن نضيف إلى القائمة التي أخذت تطول حالتي إطلاق قذائف كاتيوشا من لبنان إلى الجليل (واحدة في نهاية آب والأخرى في يوم الأحد)، وشحنة ناسفة كشف عنها في باص في بات يام، وشحنة ناسفة كادت تدمر سيارة جيب للواء المظليين على الحدود السورية في الجولان وعدة محاولات أخرى لتنفيذ عمليات في الضفة الغربية.
إن القاسم المشترك بين أكثر العمليات هو صعوبة تحديد العنوان وراءها. ففي أكثر الأحوال لا يوجد إعلان رسمي بتحمل مسؤولية عن العملية وإذا وجد فمن المحتمل أن يكون كاذبا أصلا. وفي عمليات اعتقل المسؤولون فيها تبين أنهم عملوا في الأكثر بمبادرة مستقلة دونما صلة بتراتب منظم لمنظمة إرهاب، لكن النجاح الذي يليه انتباه إعلامي يفضي إلى محاولات تقليد وإلى زيادة عدد العمليات.
فالصعوبة الإسرائيلية مضاعفة لأنه ليس صعبا فقط التعرف على خطط قيام بعملية على يد مخرب فرد أو فصيلة صغيرة جدا استخباريا ومسبقا. بل لا يوجد أيضا عنوان يُرد عليه. وفي لبنان كما كانت الحال في العملية في الأسبوع الماضي في القطاع لا تكاد توجد "معسكرات إرهاب" محددة للمنظمات السنية يمكن أن يجبى منها ثمن المس بإسرائيليين. وتكتفي إسرائيل على نحو عام بطلب عام من السلطات – في غزة ولبنان وفي سوريا أحيانا – أن تعمل بصفتها مالكة الأمور وأن توقف العنف من داخل أرضها.
إن إسرائيل في واقع الأمر لا تفعل الكثير أيضا خشية الانجرار إلى تصعيد طويل من غير هدف واضح. إن الوضع في غزة والضفة أسهل لأنه ما زالت تعمل هناك سلطات (حماس والسلطة الفلسطينية) يمكن أن يُطلب إليها قدر ما من المسؤولية وضبط الأمور. وفي لبنان التي جربت في يوم الجمعة اغتيالا متعدد المصابين في بيروت وتخشى عودة الحرب الأهلية، تبدو التهديدات الإسرائيلية فارغة من المضمون تقريبا. تفاخر رئيس الوزراء بأن الجيش الإسرائيلي "رد بقوة وبسرعة" على إطلاق القذائف من لبنان. وجاء عن متحدث الجيش الإسرائيلي أن بطارية مدافع أطلقت قذائف مدافع "على مصادر إطلاق القذائف". ماذا كانت مصادر الإطلاق المجهولة تلك وما الذي أحرزه الرد الصهيوني المناسب؟ لا يوجد إلى الآن جواب عن ذلك من المتحدثين الرسميين".