قررت المحكمة المناوبة في إسطنبول، في وقت مبكر من صباح السبت، اعتقال 16 شخصا من المتهمين المحالين إليها من النيابة للاشتباه بضلوعهم في عمليات "غسيل أموال"، و"تهريب ذهب"، و"عمليات فساد"، فيما قررت إخلاء سبيل 19 أخرين.
ومن بين من قررت المحكمة اعتقالهم، "باريش غولر" نجل وزير الداخلية التركي، و"صالح قان تشاغلايان" نجل وزير الاقتصاد، ورجل الأعمال "رضا ضراب"، والمدير العام لمصرف خلق، "سليمان أصلان". وبذا يصل عدد من قررت المحكمة اعتقالهم على خلفية التهم الثلاث، 24 شخصا.
ومن أبرز من تم إخلاء سبيلهم، رئيس بلدية حي الفاتح في إسطنبول "مصطفى دمير". وكانت المحكمة قد أخلت في وقت سابق من صباح السبت، سبيل 14 متهما، من بينهم "عبد الله أوغوز بيراقدار"، نجل وزير البيئة.
وكانت النيابة العامة، قد انتهت في وقت سابق الجمعة، من التحقيق مع 49 شخصا ممن تم توقيفهم من قبل شعبتي الجرائم المالية، والجرائم المنظمة في اسطنبول، الثلاثاء الماضي، للاشتباه بضلوعهم في عمليات "غسيل أموال"، و"تهريب ذهب"، و"عمليات فساد". وبعد أن انتهت النيابة العامة من التحقيق مع المتهمين رأت، ضرورة تحويلهم للمثول أمام محكمة صلح الجزاء المناوبة بمدينة اسطنبول، مطالبة باعتقالهم على خلفية تلك التحقيقات.
وكان رجل الأعمال التركي المعروف، علي آغا أوغلو، قد أُفرج عنه مع 9 آخرين، من سراي النيابة، في وقت سابق الجمعة، لكن دون السماح له بالسفر خارج البلاد.
وتشهد مدينة اسطنبول التركية، منذ الثلاثاء الماضي، حملة ضد مشتبه بهم في الضلوع في عمليات "غسيل أموال"، و"تهريب ذهب"، و"قضايا فساد"، طالت عددا من رجال الأعمال المعروفين، وموظفين حكوميين بارزين، وأبناء وزراء.
وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بدأ حملة تطهير موسعة بين قيادات الشرطة الجمعة متصديا لأكبر تهديد لحكمه قال إنه تمثل في مؤامرة مدعومة من الخارج لتقويض سلطاته وإقامة "دولة داخل الدولة".
وأثارت الأزمة الآخذة في التصاعد مخاوف من إلحاق الضرر باقتصاد البلاد وحدوث تصدع في حزب اردوغان - العدالة والتنمية - ودفعت الليرة لهبوط قياسي.
وأقيل الجمعة 14 آخرون من كبار الضباط فيما يتصل بسلسلة مداهمات متعلقة بقضايا فساد واعتقال رجال أعمال كبار قريبين من اردوغان إضافة إلى أبناء ثلاثة وزراء. وأقيل قائد شرطة اسطنبول الخميس في أعقاب عزل عشرات من قادة الوحدات.
وقال هنري باركي، المتخصص في شؤون تركيا في قسم العلاقات الدولية بجامعة ليهاي: "هذه ليست احدى الأزمات التي يمكن أن يخرج منها اردوغان أشد قوة". وأضاف: "الشعب سيسأل إذا كانت هذه هي نتيجة تحقيق آثم (أم) مؤامرة خارجية ولماذا أقيل كل قادة الشرطة هؤلاء؟". ومضى قائلا: "الناس لن ينسوا الحديث عن المال (الذي عثر عليه) في منازل البعض.. وسيكون له انعكاس على صندوق الانتخابات".
ولم يذكر أردوغان فتح الله جولن - رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة والذي يتمتع بنفوذ قوي في الشرطة والقضاء - بوصفه المحرك وراء المداهمات التي هزت النخبة السياسية في البلاد. لكن حركته المسماة (خدمة) أصبحت على خلاف متزايد مع أردوغان في الشهور الاخيرة.
ويتعرض أردوغان الذي وصف المداهمات والاعتقالات بأنها "عملية قذرة" تهدف لتشويه الحكومة؛ لضغوط قوية لحل الأزمة قبل أن تضرب الاقتصاد التركي بقوة.
وقال مانك نارين، وهو خبير استراتيجي في الأسواق الصاعدة، في "يو.بي.إس" في لندن: "المشكلة أن هذا لا يحدث في وقت يتمتع فيه الاقتصاد بقدرة كافية على تحمل الاضطراب السياسي. الخوف أن تبدأ السلطات في تخفيف القيود عن السياسة المالية".
وقال البنك المركزي إنه قد يبيع ما يصل إلى عشرة أمثال المبلغ المعلن من قبل في مزاد صرف العملات. وقال محللون إن هناك احتمالا لأن يتدخل بشكل مباشر في الأسواق الأسبوع المقبل.
وقال نارين: "الصورة الكبيرة هي أن تركيا لا تملك احتياطات كافية للإنفاق على حماية العملة".
وسارع اردوغان بعد انتخابه في عام 2002 لإبعاد الجيش عن السياسة. وكان الجيش نفذ سلسلة من الانقلابات في النصف الثاني من القرن العشرين بما في ذلك الإطاحة عام 1997 بحكومة اسلامية كان يؤيدها اردوغان. وأودع مئات من كبار الضباط السجن.
وليس لجولن تأثير انتخابي مباشر في تركيا، وهو شيء أشار إليه أردوغان عندما تحدى خصومه أن يضعوا شعبيتهم أمام الاختبار في الانتخابات المحلية المقررة في الربيع القادم. لكن جولن بنى من خلال شبكة من المدارس الخاصة ذات التمويل الجيد والمنتديات الإعلامية وغيرها من المنظمات الاجتماعية؛ شبكة من الاتباع في أنحاء المؤسسة التركية وصولا إلى حزب أردوغان العدالة والتنمية. والولاءات ليست معلنة دائما وممارسة النفوذ غير مرئي في الغالب.
وأساس الخلاف بين حركة "خدمة" وأردوغان خطة حكومية لإغلاق المدارس الخاصة، وهي مصدر رئيسي للدخل والنفوذ بالنسبة للحركة. لكن هناك نقاطا أخرى للخلاف بين الحليفين السابقين.
ولم يرد تعليق رسمي بشان ما تم اكتشافه في المداهمات إلا أن تقارير الصحف أشارت إلى كميات كبيرة من الأموال. وإذا تبين صدق الاتهامات فمن المؤكد أن تلحق الفضيحة الضرر بأردوغان الذي وصل إلى السلطة في 2002 وسط سخط شعبي من الفساد.
وقال نائب رئيس الوزراء التركي "بكر بوزداغ"، "إن تلك اللعبة القذرة، تستهدف قطع حبل الود بيننا وبين الشعب، والتأثير على الانتخابات المحلية والرئاسية التي تستعد لها الأطراف السياسية التركية".
ويشير بوزداغ إلى التطورات الأخيرة المتعلقة بحملة قامت بها الشرطة التركية مؤخراً، ضد أشخاص يشتبه في تورطهم بعمليات فساد، طالت أبناء 3 وزراء، ورجال أعمال بارزين، ورئيس إحدى بلديات اسطنبول، وموظفين حكوميين
وقال نائب رئيس الوزراء التركي في تغريدات على "تويتر"، إن القاصي والداني شهد بنزاهة حزب العدالة والتنمية وحكومته، ورباطة جأشه أمام التحديات، وأن الحزب والحكومة مستمران على ذلك النهج، فتاريخهما السياسي شهد العديد من عمليات الهندسة السياسية والفخاخ، وأن النجاح الذي تحقق كان بفضل هدم تلك الأفخاخ وفضح تلك الألاعيب التي استهدفت الحزب والحكومة منذ البداية.
وأشار "بوزداغ" إلى أن حزب العدالة والتنمية لم يصل إلى السلطة عن طريق العناوين الرنانة التي كتبتها الصحف المختلفة، أو عن طريق التحالفات القذرة بين القوى الداخلية والخارجية، بل إن وصوله إلى السلطة كان على عكس ذلك تماماً، وجاء على الرغم من الحملات الهيستيرية التي شنتها الصحف، والعمليات المتوالية التي نفذتها قوى التحالفات الداخلية والخارجية، وكل ذلك كان بفضل عون الله تعالى ودعم الشعب الذي هو مصدر السلطة.
وشدد "بوزداغ" على أن كتَّاب تلك اللعبة القذرة، وممثليها ومخرجيها والكومبارس، الذين شاركوا فيها، سيشهدون كما في كل مرة على براعة شعبنا في تفكيك الفخاخ وتعطيلها، خاصة وأن الانتخابات السابقة، التي شهدتها الجمهورية التركية مليئة بالعبر والدروس، التي قدمها الشعب لمثل تلك المسرحيات، ولا يضير شعبنا إعادة إعطاء الدروس للذين يعانون من صعوبات في الفهم والإدراك، حسب قوله.