بقلم: إيلي بردنشتاين
يفكر رئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو أحيانا بالسيرة الذاتية التي سينشرها بعد اعتزاله. ولا بد أن اللقاء الذي عقده في الكرملين مع الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين قبل نحو شهر سيحظى بفصل خاص في ذات الكتاب. ليس عبثا أن عاد نتنياهو من موسكو منتعشا. ومع أن رئيس الوزراء لم يتوقع من بوتين ألا يؤيد الاتفاق المرحلي في المسألة الإيرانية، ألا أنه باستثناء ايران بُحثت في اللقاء مسائل ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لإسرائيل ولروسيا تأثير هائل عليها.
ففي اللقاء الذي بادر إليه نتنياهو في موسكو نجح في أن يحصل من مضيفه على ضمانات أمنية بعيدة الأثر، يصعب التقليل من أهميتها في الحفاظ على القدرات الإستراتيجية العسكرية لإسرائيل، ولا سيما حين تأتي من دولة كروسيا، خصم الولايات المتحدة، الحليف الأساس لإسرائيل. في أثناء الحديث الذي أجراه الرجلان ثنائيا على مدى ساعة ونصف الساعة، طلب نتنياهو من بوتين "ألا يدفع" نحو انعقاد المؤتمر المخصص لتجريد الشرق الأوسط من السلاح النووي. ويدور الحديث عن مؤتمر أعلن عن انعقاده الرئيس الأمريكي باراك اوباما منذ 2010. وقد تأجل انعقاده الذي كان مخططا له في نهاية السنة الماضية من قبل الأمريكيين بضغط
إسرائيلي. فقد كانت
روسيا ولا تزال إحدى الدول الرئيسة التي تدفع نحوه. وشرح نتنياهو لبوتين بأن مؤتمرا يكون في مركز جدول أعماله البحث في السلاح النووي الذي يوجد لدى إسرائيل (حسب منشورات أجنبية) سيمس بالمصالح الحيوية لإسرائيل. وعلى حد قول نتنياهو سيتوفر مجال لانعقاد مؤتمر كهذا يبحث في القدرات النووية لإسرائيل وبرقابة دولية فقط بعد أن تقوم علاقات سلام بين إسرائيل والدول العربية.
أما بوتين فقد فاجأ رئيس الوزراء بالقول:"روسيا ستكبح المساعي لانعقاد المؤتمر"، وعد بوتين نتنياهو، بل إنه أوضح له بأن روسيا لن تفعل شيئا يمس بإسرائيل. وأضاف بأنه رغم الحلف بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإن روسيا ستقف إلى جانب إسرائيل وتساعدها إذا ما علقت في ضائقة.
أقوال بوتين مفاجئة بالتأكيد. وذلك لأنه قبل أربعة اشهر فقط قال إن على إسرائيل أن تنزع سلاحها النووي. ومن أجل أن نفهم التحول الظاهر في الموقف الروسي مثلما وجد تعبيره في جواب بوتين لنتنياهو ينبغي النظر في الصورة الواسعة التي تخرج عن العلاقات الثنائية بين إسرائيل وروسيا. فالروس، مثل إسرائيل، لاحظوا الاتصالات السرية التي جرت بين إيران والولايات المتحدة في عُمان ففهموا بأن الإيرانيين يوشكون على اجتياز الخطوط. وموسكو التي اُستبعدت عن هذه الاتصالات، سعت، بلا نجاح، إلى إحباط القناة الجانبية للاتصالات بين طهران وواشنطن. وبعد انتخاب حسن روحاني لرئاسة إيران في حزيران، طلب بوتين اللقاء معه مرتين ولكن روحاني رفض. وفي النهاية، روحاني ووزير خارجيته ظريف هبطا في نيويورك لحضور الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وعندها بدأت بشكل رسمي رقصة الابتسامات بين إيران والغرب.
في أعقاب الاتفاق الانتقالي مع إيران قرر بوتين على ما يبدو إجراء تحول. شعر الرئيس الروسي بأنه يفقد الإيرانيين، فقرر خلق رافعة ضغط حيال طهران المعنية جدا بمؤتمر التجريد – تمهيدا للاتفاق النهائي – وكذا حيال الأمريكيين، وأبلغ نتنياهو بأن بوسعه أن يكون هادئا في الموضوع النووي الإسرائيلي.
غير أن تعهد بوتين لم يكن مطلقا لنتنياهو. التعبير الذي استخدمه معناه "كبح" وليس "وقف". وبكلمات أخرى، قال بوتين لنتنياهو إنه في هذه الاثناء ستبطىء روسيا المساعي لانعقاد المؤتمر وتأخذ في الحسبان موقف إسرائيل. وقد قرر بوتين الإبقاء على كل الخيارات مفتوحة تعزيزا لمكانة روسيا.
وفي هذه الاثناء عاد من موسكو وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي التقى مع القيادة الروسية ومع مستشارة بوتين القريبة، يوري أوشكوف، ووقع على اتفاقات اقتصادية هامة تتيح ضمن أمور أخرى للروس بالدخول إلى مجال التنقيب عن حقول الغاز الإسرائيلية. بل وصل أمس بتكليف من نتنياهو إلى موسكو مستشار الأمن القومي يوسي كوهين لعقد لقاءات مع القيادة الروسية، بمن فيهم وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف ونظير كوهين نيكولاي بطرشوف.
نتنياهو، الذي لا يثق بقيادة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مقتنع بأن على إسرائيل أن تطور تحالفات جديدة وتعزيز علاقاتها، ضمن جهات أخرى مع روسيا، التي برأي نتنياهو توجد لها مصلحة في استقرار الشرق الاوسط في وجه تهديدات الإسلام المتطرف.
ونتنياهو مقتنع بأنه هو وبوتين متفقان على أن
الأسد أفضل من البدائل الأخرى في سوريا، وأن حكم الجنرالات في مصر أفضل عشرات المرات من حكم الإخوان المسلمين.
(صحيفة معاريف)