إذا كان التواجد العسكري الإسرائيلي في
غور الأردن، هو أحد المطالب الإسرائيلية الرئيسة وشرط للتوصل إلى اتفاق مع
الفلسطينيين، فإنّ الشرط الآخر هو "يهودية الدولة".
وما يمكن قوله، من دون تردد تقريبا، أنّ لا أحد يعرف المقصود بيهودية الدولة. وتكررت المناسبات التي حضرتُ فيها نقاشات مسؤولين فلسطينيين، وأعضاء كنيسيت عرب، وباحثين ومثقفين عرب وفلسطينيين، يتساءلون: ماذا يقصد الإسرائيليون حقا بموضوع "يهودية الدولة"؟ وتبقى الإجابات في إطار التخمينات.
قليل من البحث المتعمق، يشير إلى أنّ يهودية الدولة أمر خلافي بين اليهود، وأن ممن رفض فكرة "يهودية الدولة" يهود متدينون.
فمثلا، كان يشعيا هوليبوفيتش (1903-1994)، محرر الموسوعة العبرية والمحاضر السابق في الجامعة العبرية، يخشى من فكرة يهودية الدولة، لأنها تعني أن يدّعي قادة علمانيون يحكمون إسرائيل أن من حقهم تعيين الحاخامات، وإخضاع التشريعات الدينية للنظام العلماني.
ويأتي الرفض الفلسطيني لهذا المطلب، خوفاً من المجهول أكثر من أي شيء آخر. وشخصيا، أميل إلى الاعتقاد أنّ هدف الطلب تعقيد المفاوضات، والقذف بالأطراف الفلسطينية والعربية في بحر الحيرة، والخوف من المجهول، وإحراج القيادات الفلسطينية في الشارع.
ولكن يبقى سؤال "ما معنى هذا الطلب؟" قائماً. والتفسيرات، التي هي أقرب إلى التخمينات، أنّ الاعتراف به يعني أن ننكر روايتنا للتاريخ.
وبالتالي، تصبح كل المطالب العربية والفلسطينية في فلسطين بلا معنى، مع نزع الشرعية عن النضالين الفلسطيني والعربي. أي إنّه لا يراد أن يكون تقسيم فلسطين في إطار تسوية سياسية، لأجل التعايش والتخلص من الصراع والمعاناة، بل اعترافا واعتذاراً فكريين وتاريخيين. والبعض يرى أنّ هذا يعني أيضاً تبرير وتشريع عدم عودة اللاجئين، وربما طرد فلسطينيي 48.
ومن التفسيرات التي تتداولها النقاشات، وأجدها منطقية إلى حد كبير، هي أنّ مثل هذا الطلب يعني أنّه حتى لو أصبح اليهود يوماً أقليّة (رغم أنّ إسرائيل ستفعل المستحيل لمنع هذا)، فإنه لا يحق للأغلبية الحديث عن تغيير هوية الدولة، وهوية قيادتها. والأهم أنّه لا يحق "للأقلية" العربية أن تطالب بهوية قومية لكل مواطني الدولة؛ أي لا يحق للعرب حتى المطالبة بدولة إسرائيل الوطنية لكل من يحمل جنسيتها ومواطنتها.
إنّ أحد سبل الرد على هذا المطلب، هو هجمة إعلامية فكرية مضادة، تفضح هذا الطلب، عبر محاور عدة. أولها، تجلية الجدل الداخلي بين الإسرائيليين بهذا الشأن.
وثانياً، توضيح كيف يجعل هذا من إسرائيل نبراساً للأصوليات في العالم، ولمزج الدين بالسياسة، وتوضيح ضرر هذا. ولنتخيل، مثلا، مطالبة دولة أن يُعترف بها سنية أو شيعية، كطلب العراق الاعتراف به دولة شيعية، أو البحرين أن يُعترف بها دولة سنية!
أو أن يطلب المسيحيون في
لبنان الاعتراف بالدولة باعتبارها مسيحية، وأن لا يتأثر هذا بالميزان الديموغرافي! كيف سيكون رد الفعل العالمي؟! لماذا لا نطرح المقاربة التالية: السعودية دولة مسلمة، وفيها الأماكن الإسلامية الأساسية، ولكنها لا تدّعي أن كل مسلم يستطيع حمل جنسيتها.
والفاتيكان كذلك بالنسبة للمسيحيين
الكاثوليك، فهي الكيان الرمزي لهم. لماذا، إذن، يمكن أن تدّعي دولة هذه المرجعية في حالة اليهود؟! هذا يعني شن حملة توضح دور "فكرة إسرائيل" في نشر الأصولية.
المحور الثالث هو البحث إنْ كان في القانون الدولي ما يطلب من دولة أن تعترف بهوية ما للدولة الأخرى؟ ورابعا، الحديث أن هذا شعور من قبل الإسرائيليين بهشاشة هويتهم السياسية. خامساً، وإضافة إلى كل ما سبق، لماذا لا يصدر طلب رسمي بتوضيح ما الذي تعنيه يهودية الدولة؟
إنّ هذا المطلب يمكن أن يكون بوابة أصلا لإثارة حق الفلسطينيين في التوصل لضمانات بشأن حقوق المواطنة للفلسطينيين في الأراضي التي احتلت العام 1948، باعتباره ربما مؤشرا على نوايا مبيّتة بشأنهم.
لماذا لا تُطلق حملة تقول إنّ هذا الطلب جزءٌ من مخطط يعد للتطهير العرقي؟إذا كان وزير الخارجية الأميركية جون كيري، طلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أنّ يعترف بيهودية الدولة، فربما تُطلَب قبل الرد بالرفض، وثيقة واضحة ماذا يعني هذا. وهذه الوثيقة إنْ قُدمت، قد تكون وثيقة إدانة للفكر الصهيوني.
الغد الأردني (الأربعاء 18 كانون الأول/ ديسمبر 2013 )