بتاثر شديد بدأ الآلاف من ابناء جنوب افريقيا الاربعاء القاء نظرة الوداع على جثمان نلسون
مانديلا في مقر الرئاسة في بريتوريا حيث امتد صف الانتظار على نحو كيلومترين بعد ظهر الأربعاء.
وكان نعش مانديلا نقل في موكب جنائزي مهيب في ساعة مبكرة من صباح الجمعة مغطى بعلم جنوب افريقيا من المستشفى العسكري الى مبنى "يونيون بيلدينغز" مقر الحكومة في العاصمة الادارية لجنوب افريقيا حيث نصب مانديلا رئيسا.
وتعاقب الزوار من ابناء جنوب افريقيا ببطء لكن بانتظام شديد على جانبي النعش المفتوح الذي يظهر منه وجه الاب الروحي لجنوب افريقيا الجديدة ونصفه الأعلى بعد ان انتظر بعضهم منذ فجر اليوم هذه اللحظة لتوديع اول رئيس اسود للبلاد وقد غمرهم التاثر والحزن الشديد لفداحة الخسارة.
واضطر رجال الشرطة الى التدخل احيانا بلطف لابعاد سيدات اجهشن بالبكاء او اشخاص اطالوا الوقوف امام الجثمان.
وقالت انا متسويني (44 سنة) التي بدات تنتظر دورها منذ الخامسة من فجر اليوم "شعرت بحزن شديد عندما رايته مسجيا وكانه يمكن ان يستيقظ وكانني يمكن ان اساله كيف حالك سيد مانديلا".
وكان القادة الاجانب او الشخصيات العامة الذين بقوا في جنوب افريقيا بعد حفل الثلاثاء مثل بوتو وبيل كلينتون وغودلاك جوناثان وروبرت موغابي اول من القى نظرة الوداع على جثمان منديلا بعد اسرة الفقيد.
واطالت غراسا ماشيل ارملة مانديلا الموزمبيقية الوقوف امام الجثمان وهي تمسك النعش بيديها والدموع تنهمر من عينيها قبل ان تبتعد عنه بتاثر.
كذلك لم تستطع ويني زوجة مانديلا السابقة وعارضة الازياء الشهيرة ناومي كامبل حبس دموعهما لدى المرور امام النعش الذي لا يمكن للزوار الاقتراب منه لاكثر من متر او مترين. كما منع التقاط اي صور له.
وتقول دورا مونايكي (58 سنة) "ارغب كثيرا في رؤيته حتى اصدق انه رحل فعلا" مضيفة "لقد ادى مهمته والان اشعر بالسعادة وانا اراه وقد ارتاح من العناء. كنت هنا ايضا لحضور تنصيبه (عام 1994) والان عدت لكي اودعه".
من جانبه يقول فوغام موتشويني (28 عاما) "لم اقابله ابدا وهذه هي فرصتي الوحيدة لرؤيته وتوديعه. انا جنوب افريقي ومن واجبي ان اكون هنا".
وصباح الاربعاء خرج الجثمان من المستشفى العسكري الى مقر الرئاسة متبعا خط سير رمزيا حيث يمر امام السجن الذي احتجز فيه مانديلا عام 1962 ثم المحكمة العليا حيث جرت محاكمته بتهمة الخيانة العظمى خلال عامي 1963 و1964 لينتهي به الأمر في السجن لمدة 27 عاما.
وتجمع الجمهور على جانبي الطريق لتحية الموكب الذي اخذ البعض يرشقه بالزهور وآخرون يرفعون قبضتهم للتحية.
ووقف موظفو احد المتاجر ينشدون الاغاني ايضا فيما صدحت في الشوارع اصوات ابواق الفوفوزيلا التي تسمع عادة في مباريات كرة القدم. وقالت الموظفة فايغا هارتلي (37 عاما) وهي تذرف دمعة "لدينا انطباع بانها نهاية عصر".
وقال اوبري ماكغوبيلا (24 عاما) الذي كان ينتظر مرور الموكب بين الحشد لوداع المناضل ضد الفصل العنصري "انها لحظة اعتزاز لجنوب افريقيا".
واضاف ان "نلسون مانديلا كان مثل النبي موسى للعالم. امس تصافح اوباما وكاسترو للمرة الاولى وحصل هذا في جنوب افريقيا. مانديلا فعل ذلك"، في اشارة الى المصافحة بين الرئيسين الاميركي باراك اوباما والكوبي راوول كاسترو في سويتو.
وكان جمهور المودعين الاربعاءاكثر تنوعا من جمهور حفل التكريم الرسمي الذي اقيم الثلاثاء في سويتو بحضور حوالى مئة رئيس دولة، فقد جمع العديد من الخلاسيين والهنود والبيض الذين توافدوا لوداع الرمز العالمي للسلام والمصالحة.
وقال فوتر فان ويك وهو حارس امن افريكانر من بريتوريا "احضرت ابنائي لتحية هذا الرجل الذي فعل ما كان يمكن ان يعجز عنه الكثيرون وهو تفادي حرب اهلية".
وعلى احدى اعمدة نصب ضحايا الحربين العالميتين الاولى والثانية المقابل لمبنى يونيون بيلدينغز علقت لافته تقول باللغة الافريكانية "نحبك مانديلا" فوق تلة من الزهور والرسائل والحيوانات القطنية التي تجمعت في الايام الاخيرة.
وكتب احد الاطفال "تاتا (ابي) العزيز مانديلا شكرا لانك علمتني كيف اسامح".
وحتى الجمعة سيجوب جثمان مانديلا كل صباح انحاء بريتوريا كي يتمكن الجمهور من توديعه قبل ان يوارى الثرى الاحد في مسقط راسه قرية كونو (جنوب) الصغيرة في الكاب الشرقي على مسافة 900 كلم، ارض الكوزا اجداد مانديلا.
ومساء الاربعاء تنظم بلدية مدينة الكاب برنامجها الخاص في ستاد المدينة مع حفل موسيقي يجمع خاصة جوني كليغ ولايدي سميث بلاك مامبازو واني لينوكس. كما يلقي فرنسوا بيينار الكابتن السابق لفريق جنوب افريقيا للركبي بطل العالم في 1995، كلمة وكذلك زعيمة المعارضة هيلين زيل.
ويتناقض هذا الحفل الكبير الذي يتوقع ان تسوده اجواء الفرح والاحتفال بحياة المناضل التاريخي مع اجواء حفل
التأبين الرسمي الذي اقيم الثلاثاء في سويتو.
فقد حالت الامطار وايضا صيحات الاستهجان التي استقبل بها الرئيس جاكوب زوما دون ان يعيش الجمهور حالة التأثر خاصة وانه جاء لتحية مانديلا بالغناء والرقص.
وابرزت صحف الاربعاء "الاهانة" التي تعرض لها جاكوب زوما امام العالم اجمع.
في المقابل خطف الرئيس الاميركي باراك اوباما الأضواء في هذا الحفل بعدما كرر التعبير عن اعجابه بنلسون مانديلا ولم يتردد في انتقاد بعض الحكومات في العالم التي وجهت عدة رسائل تضامن مع نضال مانديلا منذ رحيله الخميس الماضي لكنها لا تتسامح مع شعوبها.
وقال "هناك الكثير من القادة الذين عبروا عن تضامنهم مع نضال مانديلا من اجل الحرية لكنهم لا يتسامحون مع شعوبهم".
وبعد اربع ساعات من خطابات الاشادة والرثاء، اطلق الاسقف ديزموند توتو الحائز جائزة نوبل للسلام ورفيق مانديلا، خلال المناسبة بادرة توحيدية حيث تلا مقاطع من خطابه بلغة الافريكان وهي لغة الحكام البيض الذين اضطهدوا السود في السابق.
وختم كلمته بقوله "اسال الله ان يبارك بلادنا .. لقد وهبنا الله هدية رائعة تتمثل في ايقونة المصالحة هذه" في اشارة الى مانديلا الذي يعرف بابي امة جنوب افريقيا.
واضاف "نعد الله بان نقتدي بمثال نيلسون مانديلا" لترد عليه الحشود ب"نعم".