هل
السعودية في حرب على"
تويتر"؟ هذا ما تطرحه دراسة أعدتها لوري بولتيكن بوغاردت، ونشرها "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" المقرب من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
وتقول الدراسة إن المؤسسة الدينية تقوم بشجب استخدام تويتر، وتؤكد على أهمية "طاعة ولي الأمر"، فيما تعترف المؤسسة السياسية بعدم قدرتها على التحكم بالتغريدات، ولهذا تقوم بالتركيز على شخصيات وناشطين بعينهم، ولم تتخل عن محاولات تقييد تويتر ووسائل التواصل الإجتماعي. ووجه قلق الحكومة نابع من كون السعوديين من أكثر الناس في العالم استخداما للتويتر.
هذا ما أشارت اليه دراستان صدرتا في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر وأظهرتا شهية السعوديين لاستخدام "تويتر"، مقارنة مع الدول الأخرى، والحاجة إليه في التحشيد السياسي، ودوره في انتقاد معالجة مشاكل البطالة والفساد.
ورغم انتشار "تويتر" كوسيلة للتواصل والتعبير عن الغضب من الحكومة، إلا أنه فشل في خلق حالة من الغضب العام والثورة على الحكومة، وهذا راجع بالضرورة إلى كون معظم "المغردين" على "تويتر" هم من المشايخ، مما يشير إلى الطبيعة المحافظة للمجتمع السعودي بمن فيهم الشبان الذين "يغردون" مع التيار وليس خارجه.
ورغم ذلك، فوزارة الداخلية والمسؤولون فيها ينظرون لـ "تويتر" كوسيلة لا تعمل في الصالح العام، بل تقوم بمحو القيم والتقاليد السعودية، وبالتالي السلطة التقليدية للحكومة والقادة التقليديين، وهذا يفسر نظرتها له باعتباره تهديدا بحاجة للمراقبة؛ كما تقوم الشرطة الدينية بمراقبة العامة وتصرفاتهم. وترى المؤسسة الحاكمة أهمية "تدجين" هذه الوسيلة التفاعلية واستخدامها إن أمكن ضد المعارضين للنظام.
وتشير دراسة بوغاردت إلى أن استخدام "تويتر" في السعودية يعتبر الأعلى نسبة من أية دولة حول العالم، وذلك حسب دراسة اجراها معهد غلوبال ويب اندكس ووجد أن 41 % من مستخدمي الإنترنت في البلد هم من الناشطين "المغردين" على "تويتر"، فيما وجدت دراسة أخرى "بير ريتش" أن 32 % هم من الناشطين، وبحسب هذه الدراسة الأخيرة فأكثر من 4 بالمئة من المغردين يعيشون في السعودية.
وتعتبر هذه الأرقام مثيرة للدهشة إن أخذنا بعين الإعتبار مستوى الإقبال على "تويتر" في العامين السابقين. وبحسب بير ريتش فعدد المستخدمين لـ"تويتر" في السعودية يبلغ 4.8 مليون شخص. مقارنة مع مئات المستخدمين في عام 2011 حسب دراسة أعدتها مدرسة الحكم في دبي.
ويمكن تفسير النسبة العالية في جزء منها ضمن الإقبال الشديد على "تويتر" في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعتبر السعودية أيضا من أكثر الدول في المنطقة إقبالا على مشاهدة "يوتيوب" كما ينتشر الإقبال على مواقع التواصل الأخرى واستقبالها مثل "فيسبوك" و"انستاغرام" و"لينكدين" و"واتس أب".
وترى الباحثة أن وسائل التواصل الاجتماعي هذه تمنح أبناء دول الخليج مساحة للتواصل، خاصة أن الحياة العامة والتجمعات تنظمها قوانين مقيدة، وعليه يقوم السعوديون وأبناء الخليج باللقاء في العالم الإفتراضي للتواصل والتعبير عن أشياء لا يستطيعون التعبير عنها في الحياة العامة وخارج بيوتهم. ومع ذلك يجب علينا الملاحظة أن معظم الاهتمام ينصب على الترفيه ومزيج من التبادل المعلوماتي ومشاركة أشياء وقصص لتمضية الوقت.
وتظهر القصص السياسية المتبادلة حسب الكاتبة اهتماما بالتغيير والإصلاح وليس الثورة على النظام القائم، فمن أهم "الهاشتاغات" يبرز هاشتاغ "الراتب لا يكفي الحاجة"، والذي تضمن 17.5 مليون تغريدة في أربعة أشهر تقريبا.
مع تزايد الإقبال على "تويتر" كان رد المؤسسة الدينية المعينة من قبل الدولة هو "شجبها" وشجب من يستخدمها للمطالبة بالتغيير. وترى الباحثة أن الشجب والهجوم على "تويتر" من قبل المؤسسة الدينية يشكل جزءا من محاولات الدولة الحد من استخدامه للتعبير عن مواقف تعارض السياسة العامة في البلاد، وتنقد الأفكار الدينية في المملكة.
فقد أصدر المفتي العام للسعودية خلال العامين الماضيين عددا من التصريحات التي أشارت إلى مضار "تويتر". وفي واحد من هجماته وصفه بأنه "منبر لتبادل الإتهامات والأكاذيب"، وقال إنه مكان لتجمع "المهرجين"، وأضاف إنه "ممارسة خطيرة يجب تجبنها من كل المسلمين".
وفي آخر تصريحاته وصف المفتي "تويتر" بأنه "منبر للحقد يروج للمعتقدات الضالة"، وأكد على أهمية "واجب المسلمين طاعة أولياء الأمر". ونفس الأمر يقال عن إمام الحرم المكي الشيخ عبدالرحمن السديس الذي هاجم "تويتر"، و"الغوغاء" الذين يستخدمونه، وقال مسؤول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن مستخدمي هذا الموقع "خسروا الدنيا والآخرة".
أما بالنسبة للحكومة فقد اعترفت وزارة الثقافة والإعلام بصعوبة السيطرة على "تويتر"، وقد صرح وزير الإعلام عبدالعزيز خوجة في شباط/ فبراير الماضي بأنه من الصعوبة بمكان السيطرة على كل تغريدة في "تويتر". وبناء على ذلك فالحكومة تركز في مراقبتها للإنترنت على مستخدمي "تويتر" من ناحية موقعه وتأثيره، وهذا يضم الناشطين السياسيين والشخصيات شبه العامة.
وقامت الحكومة بالتعاون مع خبراء في الإنترنت من أجل الاستفادة منهم في تعزيز قدراتها على مراقبة "تويتر" وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي، بما في ذلك التنصت على الرسائل وتعطيلها. وبحسب "أراب نيوز" فقد فكرت الحكومة بربط حساب المستخدم على "تويتر" برقمه الوطني، ولكن هذا التقرير نزع من الموقع بعد أسابيع. وذكرت جريدة "الحياة" الأسبوع الماضي أن وزارة الإعلام والثقافة تدرس وضع شروط لمن يريدون تحميل مواد من "يوتيوب".
كما اتخذت الحكومة إجراءات للتضييق على الناشطين والشخصيات شبه العامة، فقد حكمت محكمة سعودية على الناشط في مجال حقوق الإنسان محمد القحطاني والمعارض عبدالله الحامد في سلسلة من "الجرائم"، من ضمنها "جرائم إنترنتية"، إضافة إلى إيمان القحطاني التي أجبرت على إغلاق حسابها على "تويتر" بعد التحرش بها من قبل الأمن بسبب نشاطاتها في مجال حقوق الإنسان.
وتختم الكاتبة دراستها بالقول "منذ بداية الربيع العربي، شعرت العائلة السعودية الحاكمة بالقلق من الغضب الشعبي مما أدى بها لبرنامج إنفاق واسع لخلق فرص عمل جديدة وتحسين نظام الرفاه الإجتماعي والمساعدات. لكن الإنفجار في مجال الإتصالات العامة يعني أن من المستحيل على الحكومة تنظيم طريقة استخدامها، خاصة عندما تعكس بعض الرسائل ضيقا بالوضع القائم".