علقت صحيفة صحيفة "
نيويورك تايمز" في افتتاحيتها على وفاة الزعيم الإفريقي
نيلسون مانديلا بالقول إنه يستحق المكانة والمجد الذي حازه في الربيع الأخير من القرن العشرين.
فقد كان كما تقول واحدا من أهم قادة التحرر في العالم. إذ لم يقد شعبه نحو الحرية من نظام عنصري متمكن وحسب، بل أيضا حقق النصر من دون إسالة قطرة دم على خلاف ما توقع الكثيرون وخافوا.
وأثنت الصحيفة على فترته الوحيدة في الرئاسة و"إنشائه لجنة المصالحة والحقيقة التي سمحت لضحايا الأبارتايد بالتعبير عن معاناتهم والإعتراف بها".
وترى الصحيفة أن قوة شخصية مانديلا أهلته للكفاح الطويل والانتصار النهائي على الأبارتايد، "وبحكمته الواسعة توجه مانديلا نحو المصالحة الإيجابية بدلا من الإنتقام المدمر. لكن مانديلا لم يحقق هذا بنفسه فقط، ولكن مع المؤتمر الوطني الإفريقي الذي قاد الكفاح وخسر عددا كبيرا من الشهداء الذين لم يعيشوا طويلا لكي يشهدوا الإنتصار الذي حلموا به طويلا".
ولم تنس الدور الذي لعبه دي كليرك الذي قام عام 1990 بإطلاق سراح مانديلا، وبعد ثلاثة أعوام تشاركا في جائزة نوبل للسلام. "فعندما تولى مانديلا الحكم كان في الـ 75 من عمره، وتقاعد وهو في الثمانين عام 1999". وأضافت إنه "على خلاف ما حققه مانديلا لم يكن الذين جاءوا بعده في منزلة مساوية له، فجنوب إفريقيا تواجه الكثير من التحديات والمشاكل وسوء الإدارة التي قام بها ثابو امبيكي خاصة فيما يتعلق بمرض الإيدز، والذي جلب معاناة للكثير من سكان جنوب إفريقيا، وفي الوقت نفسه فشل خليفة أمبيكي، جاكوب زوما بتقديم القيادة وظل يدعم رئيس زيمبابوي روبرت موغابي.
وبشكل أهم لم تؤد نهاية التمييز العنصري إلى نهاية الفقر المدقع الذي يعيش فيه ملايين الجنوب إفريقيين. وفي النهاية فالأمر بيد قادة البلاد الحاليين لحل هذه المشاكل. وحاليا، فإن كل هؤلاء مدينون لنلسون مانديلا".
وتقول الصحيفة إننا نحن البشر لدينا قدرة على إنتاج شر عظيم، وفي المقابل فإننا قادرون على إنتاج أشخاص يثبتون لنا أن شرور العالم يمكن التصدي لها. وكان مانديلا واحدا من هؤلاء. فبنجاحه في إنهاء نظام التمييز العنصري لم يقم بتفكيك نظام وصفه، وكان محقا في الوصف بأنه "إبادة أخلاقية"، بل أقام قواعد بلد جديد وحول كل العملية إلى انتصار وتسامح ومصالحة سلمية لا يوجد ما يوازيها في العصر الحديث. كما أنه "بفعله هذا جعل من نفسه قائدا ينظر الأخرون إليه كنموذج للأخلاقية والإنسانية ورجل الدولة وبعد النظر ومحل التبجيل، وأسطورة نمت مع طول عمره". وتعترف الصحيفة بأن مانديلا "كان رجل قيادة بالفطرة، قادر على ضبط النفس ولديه حس بالمسؤولية التاريخية ساعده على تحمل عقود من السجن من قبل أعدائه. فرجل في مكانة أقل من مانديلا كان سيظل يشعر بالمرارة من الأقلية البيضاء التي وضعته وراء الأسوار مدة 27 عاما".
وفي الوقت الذي "ظل مانديلا ولآخر يوم في حياته ثائرا، إلا أن الرجل الذي دخل السجن كمتمرد خرج منه رجل دولة بمهارات سياسية فائقة، ولديه كرامة بدون أي ذرة انتقام تجاه مضطهديه".
وتقول إنه يجب علينا أن نتعمق أكثر في تاريخ القرن العشرين كي نقارن إنجاز مانديلا، ولنجد المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ، رجال حققوا في عالم عنيف ما يريدونه بطرق سلمية. ومثلهم قدم مانديلا الأحسن وليس الأسوأ في البشر، أي ما تحدث عنه أبراهام لينكولن "الملائكة الجيدون في طبيعتنا البشرية"، ومثلهم "تحول إلى قديس علماني" و "ضمير أخلاقي" لزماننا. وأضافت، "تظهر مسارات حياته من محام إلى فدائي وسجين ورجل دولة شخصية مثيرة للإنتباه.
فالانقسام العرقي أدى الى رعب عظيم، لكن مانديلا أثبت أنه يمكن التصدي لها والتخلص منها بسلام. وكذب في هذا مقولة بسمارك الشهيرة من أن كل القضايا الكبيرة يمكن حلها فقط بالحديد والنار".
وترى أن قدرة مانديلا على الصبر وتصميمه وفهمه لأهمية الرموز وقدرته على الإقناع كانت وراء شخصيته. مشيرة إلى عام 1995 عندما لبس مانديلا قميص فريق الرغبي لجنوب إفريقيا الذي ظل يمثل في عين السود صورة التفوق والغطرسة لنظام التمييز العنصري.
وترى الصحيفة أن هذه الأمة الجديدة لم تشكل في ساحة المعركة بل في ميدان الرياضة.
ومثل بقية البشر تقول الصحيفة، لم يكن مانديلا إنسانا كاملا، فقد كان عصبي المزاج، ولم يستطع إدارة عائلته بنجاح مثل أخطائه في ادارة البلاد، ولكن قصوره يظل قليلا إذا وضعناه في السياق القيمي. صحيح أن "قاعدة الأمل" كما عبر امبيكي تعاني من الكثير من المشاكل، والفوارق في توزيع الثروة ، وانتشار الجوع والعنف وفساد النظام السياسي، لكن ظهور البلد كعملاق للقارة يظل ممكنا.
وتقول "فكر ولو للحظة ماذا كان سيحدث لو لم يكن مانديلا هنا، النظام العنصري كان عاجلا أم آجلا سيرحل مثل النازية والشيوعية، لكن اختفاءها كان سيتم بثمن جحيم عرقي. ولذلك يجب توجيه "الشكر لمانديلا أن هذا لم يحدث، ولهذا فقط سيحتل مكانا لا يوازيه أحد في التاريخ ليس لبلده جنوب إفريقيا، بل لكل العالم".