تتبع الكاتب تسفي برئيل العلاقات
الإيرانية والتغيرات التي طرأت عليها بعد الاتفاق النووي بينها وبين الدول الكبرى معتبرا أن هدف إيران الجديد هو
السعودية والإمارات، وكتب برئيل في مقال نشرته صحيفة هآرتس في عددها الصادر اليوم الأربعاء تحت عنوان "هدف ايران التالي: السعودية والامارات".
وفي ما يلي نص المقال:
"نحن ندعو السعودية الى العمل معا لاحلال الأمن والاستقرار في المنطقة"، هذا ما صرح به هذا الاسبوع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف حينما زار الدوحة، عاصمة
قطر. وكتب ظريف في صفحته في الفيس بوك التي لا تستريح لحظة: "نحن مستعدون لاجراء مشاورات مع كبار المسؤولين السعوديين في كل وقت يكون فيه الاخوة في السعودية مستعدين لذلك.
ستكون اللقاءات الثنائية مفيدة للدولتين وللمنطقة وللعالم الاسلامي". بعد أن وقع على الاتفاق الذري بين ايران والدول العظمى، أصبحت الرياض هي الهدف التالي للسياسة الخارجية الايرانية باعتبار ذلك جزءا من استراتيجية ايران الجديدة وهي أن تصبح دولة محورية تؤثر في سياسة الشرق الاوسط.
يبدو أن السعودية ليست غير مهتمة بالمراودة الايرانية. فقد كتبت الصحيفة السعودية "الرياض" أمس أن تصريحات ظريف هي خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تغيير توجه السياسة الايرانية في المنطقة، "لكن الطريق ما زال طويلا لانقشاع السحابة الثقيلة فوق العلاقات بين دول الخليج والدول العربية بعامة وجارتها الفارسية".
وقد بدأ ظريف هذه "الخطوة الاولى" هذا الاسبوع بزيارات مغطاة اعلاميا لسلطنة عُمان التي استضافت قبل بضعة اشهر لقاءات سرية بين ممثلين ايرانيين وامريكيين. ومنها طار ظريف الى الكويت التي أعلن وزير خارجيتها استعدادها لبدء العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، وبعد ذلك هبط ظريف في الدوحة حيث التقى فيها مع الحاكم الجديد تميم بن حمد آل ثاني الذي عرّف الاتفاق الذري بأنه "انجاز عظيم لطهران"، وهو تصريح امتنعت عنه حتى الآن دول الخليج التي ترى علنا على الأقل أن الاتفاق استسلام امريكي لايران قد يكون على حسابها. وبيّن الشيخ القطري أنه "لا توجد بين قطر وايران أية مشكلات تاريخية، ونحن نعمل لزيادة التشاور المشترك".
إن هذا التصريح غير دقيق، على الأقل. فقد نشبت بين ايران وقطر في السنوات الاخيرة خلافات شديدة معلنة بسبب سياسة قطر نحو نظام الاسد في سوريا والنفقة والسلاح اللذين نقلتهما الى المتمردين ولا سيما المنظمات الاسلامية المتطرفة.
ويوجد خلاف تاريخي ايضا بين اتحاد الامارات العربية وايران. فالدولتان تتنازعان على السيطرة على الجزر الثلاث في الخليج الفارسي وهي طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى التي احتلتها ايران في 1971 كما يزعم اتحاد الامارات. ومع ذلك لم يعق النزاع اتحاد الامارات عن اقامة علاقات تجارية متشعبة مع ايران وأن تُمكّن من نشاط آلاف الشركات الايرانية في داخل ارضها والتي كانت رأس جسر اقتصاديا لمنتوجات من الغرب ولادارة اموال كثير من الاجهزة الحكومية الايرانية الى أن فُرضت العقوبات الشديدة في سنة 2012.
إن دول الخليج لا تتمسك بسياسة خارجية موحدة وبرغم عضويتها المشتركة في مجلس التعاون، لا تستطيع أية واحدة منها أن تُلزم جارتها بالتمسك بسياسة خارجية مشتركة. فعلى سبيل المثال يوجد بين قطر والسعودية نزاع طويل على التأثير في الشرق الاوسط، فالسعودية تؤيد معارضي الاخوان المسلمين في حين تؤيد قطر حكمهم. وقطر بخلاف السعودية قريبة من حماس، أما الكويت فلها سياسة خارجية مستقلة لا تتصل بواحدة منهما.
ومن هنا فانه حينما يكون لعُمان والكويت وقطر علاقات طيبة بايران فان للسعودية حسابا مستقلا لا يتعلق بقدرة ايران الذرية. لأن الصراع على السيطرة بينهما هو في الساحة السورية واللبنانية خاصة، بعد أن جاء الضغط الامريكي ثم استيلاء الجيش المصري على الحكم ليساعد الجُهد السعودي على صد تحسن العلاقات بين مصر وايران.
وتحتاج الدولتان الواحدة الى الاخرى في الشأن السوري. فالسعودية غير عمياء عن عدم وجود هدف لاستمرار القتال وعن عدم اكتراث القوى العظمى للمذابح التي تجري في سوريا. وقد رأت في هذا الاسبوع ايضا كيف غيرت تركيا حليفتها المعلنة في حربها للاسد تصريحاتها واقتربت أكثر من الموقف الايراني.
وتسعى ايران في مقابل ذلك الى المشاركة في مؤتمر جنيف الثاني الذي يفترض أن يبحث في الازمة في سوريا والذي يتوقع أن يُعقد في 22 من كانون الثاني، لكنها ستحتاج الى موافقة السعودية كي تتفضل الولايات المتحدة والمعارضة السورية ايضا بدعوتها.
وقد أثبتت السعودية في الماضي أنها حساسة جدا من الاهتزازات في الخريطة السياسية وهي تسارع الى ملاءمة نفسها مع التغييرات. فعلى سبيل المثال زار الملك عبد الله سوريا في 2010 وأنهى قطيعة دامت خمس سنوات مع الاسد. وبعد ذلك بثلاث سنوات كان أول ملك طلب تنحية الاسد. وقد تواجه المملكة السعودية الآن مرة اخرى امتحانا، وقد تغير زيارة ظريف المتوقعة للسعودية التي لم يُضرب لها موعد الى الآن، سياسة السعودية مرة اخرى وبذلك تنتهي الشراكة الوهمية بين اسرائيل والسعودية في مسألة الذرة الايرانية.