في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 أعد إعلامي
مصري ورقة عن واقع
الإعلام الخاص في مصر. حينها – ربما - لم يلتفت الكثيرون لما جاء في الورقة التي قدمها الإعلامي محمد ناصر في ندوة "إصلاح الإعلام في مصر" في منتدى البدائل العربي للدراسات، وخصوصاً من ناحية الأموال التي يجري ضخها في هذه المحطات دون عائد مادي من ورائها مع محاولات لا تخفى من جانب المحطات التلفزيونية لضرب ما حققته "ثورة 25 يناير" في مصر.
يمضي الوقت وصولاً إلى الانقلاب العسكري على أول رئيس منتخب في مصر، الرئيس محمد مرسي، في 3 تموز/ يوليو 2013. ففي ظل الأجواء التي رافقت التحضير للانقلاب، وربما قبل ذلك بأشهر عديدة، بدا أن وسائل الإعلام وخصوصاً الإعلام الفضائي؛ اتخذت موقفاً موحداً ضد الرئيس مرسي. وفي ظل دولة ديمقراطية يمكن أن يكون الأمر طبيعياً، ولكن بعودة سريعة للورقة التي أشرنا إليها بداية، والتي جاءت حول "العلاقة بين الملكية والسياسة التحريرية في الإعلام الخاص"، نجد أن التراخيص التي منحتها حكومة حسني مبارك ابتداء من عام 2001؛ تمت "لحفنة من رجال اعمال ارتبطت مصالحهم مباشرة بالنظام" السابق. والآن، لا توجد أي مؤسسة إعلامية يملكها رجال أعمال لا يمارسون غير الاستثمار في مجال الإعلام، بما في ذلك المحطات التي أنشئت بعد ثورة يناير.
الورقة ذاتها لفتت الانتباه حينها، أي بعد نحو 9 أشهر من رحيل نظام مبارك، إلى أن الإعلام "يسعى بجدية لمحاصرة الثورة المصرية وتفريغها تدريجياً من مضمونها (..) للإبقاء على قيم وسياسات النظم السابق ولو بوجوه جديدة". لتضيف بأن واقع الإعلام المصري بعد ثورة يناير "بات يمثل خطورة حقيقية على الثورة وعلى مستقبل الوطن بكامله. فنحن بالفعل بتنا أمام مؤامرة حقيقية من قبل القوى المناهضة للثورة والراغبين في الانقضاض عليها عبر استخدام الإعلام الخاص".
وهنا تنبه الورقة إلى أنه رغم حالة التراجع الاقتصادي في مختلف المجالات في مصر، "كان الاستثمار في مجال الإعلام الفضائي يتزايد بدرجة لافتة، حيث تم تم ضخ المليارات من الجنيهات دون مردور اقتصادي متوقع، بما يؤكد أن الهدف (..) توجيه الثورة والرأي العام بما يتوافق مع أجندة رجال الأعمال في الداخل وربما قوى إقليمية ودولية معنية بالوضع المستقبلي في مصر".
وفي تحد لا يخفى، قام ملاك
الفضائيات الجديدة باحتضان (الوجوه الإعلامية التي تملقت النظام السابق) وإبرازها وفرضها على الناس عبر برامج جديدة (..) بما يؤكد أننا في مواجهة مخطط يسخر من الثورة ويؤكد بقاء رموز النظام السابق" حسب ملاحظة الإعلامي محمد ناصر قبل نحو عامين.
وفي هذا السياق، سعى ناشطون لإبراز التناقض في مواقف بعض الإعلاميين الذين كانوا يؤيدون نظام مبارك ثم تحولوا لإعلان تأييد الثورة. فمثلاً، بث ناشطون تسجيلاً مصوراً يوثق موقفاً للإعلامي خيري رمضان على قناة "سي بي سي" وهو يصف الشاب خالد سعيد (الذي قتل على عناصر من الشرطة المصرية في الاسكندرية وكان رمزاً للحملة التي عملت على تنظيم التظاهرات في 25 كانون الثاني/ يناير 2011) بأنه "تميمة الثورة" وأنه كان "سبباً في التغيير (..) ونحسبه عند الله شهيداً"، وأن "الجناة المعتدين عليه بين أيدي القضاء". وفي نفس التسجيل، يظهر رمضان وهو يتحدث قبل ذلك خلال ثورة يناير قائلاً: "الله لا يرحمه"، واتهمه بأنه "هربان من الجيش وعليه عقوبات سجن وأنه كان "يحشش في الجيش"، مستغرباً كيف يصبح رمزاً.
من يملك المحطات؟
ظهرت الفضائيات الخاصة في مصر في كانون الأول/ ديسمبر 2001 مع بداية ظهور نجم جمال مبارك، الذي كان قد بدأ والده بإعداده ليكون خليفة له، لتصويره كنموذج للانفتاح والليبرالية.
ولكي نفهم جانباً من سلوك المحطات الفضائية في مصر وسياساتها لا بد من الإشارة إلى ملكية أبرز المحطات في مصر، علماً بأن السلطات الجديدة في مصر أغلقت جميع القنوات التي تؤيد مرسي أو تبث برامج دينية بحجة التحريض على الكراهية والعنف، كما أغلقت لاحقاً قناة الجزيرة مباشر مصر بحجة الإضرار بالأمن القومي المصري:
1- قناة "سي بي سي": يملكها رجل الاعمال محمد الأمين. وهو عضو في الحزب الوطني المنحل (الذي كان يرأسه مبارك) وشريك لرجل الأعمال منصور عامر عضو لجنة السياسات فى الحزب. وقد اتهمه الرئيس محمد مرسي في خطاب له في حزيران/ يونيو بالتهرب الضريبي، وبدأت بحقه ملاحقة قضائية ومُنع من السفر. ويملك الأمين أيضاً مجموعة قنوات مودرن وبانوراما وجريدة الوطن.
2- قناة دريم: يملكها أحمد بهجت. في شباط/ فبراير الماضي دعا عبر "قناة اليوم" لإطلاق سراح الرئيس المخلوع حسني مبارك والسماح له بالعيش معززاً مكرماً كرئيس سابق. بل إن بهجت لم يخف في تشرين الثاني/ نوفمر 2012 عبر قناة دريم أنه خرج من "رحم" نظام مبارك، معتبراً أن مبارك هو الذي منح الإعلام الحرية، وأنه لولاه ما كانت هناك حرية في مصر. في حزيران/ يونيو كشف الرئيس مرسي أن بهجت متهرب من سداد ديون بنكية تبلغ 3 مليارات جنيه.
3- المحور: يملكها حسن راتب، عضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل. وفي نيسان/ أبريل 2011 صدر أمر من النائب باعتقاله بتهمة التحريض على قتل المتظاهرين في "موقعة الجمل" في ميدان التحرير بتاريخ 2 شباط/ فبراير 2011 (خلال ثورة يناير). وهو أيضاً مالك مصانع الاسمنت التي برز اسمها كمورد رئيسي للكيان الإسرائيلي لبناء الجدار العازل. كما وُجهت إلى راتب تهم عديدة بالفساد بينها الاستيلاء على أراضي الدولة والحصول على قروض بطرق غير مشروعة.
وذكرت صحف مصرية وفي أيلول/ سبتمبر أن رجل الأعمال أحمد أو هشيمة، صاحب مصانع الحديد، اشترى حصة أقلية في أسهم القناة، لكن مصادر قالت إن حصة أبو هشيمة قد تصل إلى 50 في المئة.
4- النهار: يملكها رجال أعمال بينهم وليد مصطفى، الذي يمتلك أيضاً صحيفة اليوم السابع. وكان قد تردد سابقاً أن نجل وزير الإعلام السابق صفوت الشريف شريك في المحطة والصحيفة.
5- التحرير: كان يملكها رجل الأعمال سليمان عامر. وفي حزيران/ يونيو 2011 صدر أمر قضائي بالحجز على أمواله مع آخرين من رموز نظام مبارك بـ"جرائم العدوان على المال العام ممثلاً في تسهيل الاستيلاء على أراضي أملاك الدولة والتربح للنفس وللغير والإضرار العمدي بالمال العام" حسب ما أوردته وكالة أنباء الشرق الأوسط حينها. وفي كانون الثاني/ يناير الماضي نفى سليمان أن يكون مسؤولاً عن تمويل مجموعات "البلاك بلوك". كما نفى أن يكون قد انتسب للحزب الوطني المنحل أو ترشح على قوائمه الانتخابية.
وفي أيلول/ سبتمبر، قالت صحف مصرية إن مجموعة مستثمرين استحوذوا على قناة التحرير. وذكرت موقع "بوابة الأهرام" أن من بين أبرز الملاك الجدد للقناة مكرم مهنى، صاحب إحدى مصانع الأدوية ورئيس غرفة صناعة الأدوية السابق، ورمزى زقلمة عضو الهيئة العليا بحزب الوفد.
6- قناة صدى البلد: يملكها محمد أبو العينين، عضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل وعضو سابق في مجلس الشعب عن الحزب، وأحد المتهمين فى موقعة الجمل. وقد فرض جهاز الكسب غير المشروع الحجز على أمواله التي حصل عليها بعد عام 1995، وهو ما أيدته محكمة الجنايات في القاهرة في كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث يُتهم بالاستيلاء على أراضي الدولة في القضية المعروف بـ"أرض الطيارين".
7- قناة الفراعين: ويملكها ويديرها توفيق عكاشة. وهو عضو الحزب الوطني المنحل وعضو في مجلس الشعب عند قيام ثورة يناير. وقد اشتهر عكاشة بصوره وهو يقبّل يد وزير الإعلام المصري السابق صفوت الشريف في أكثر من مناسبة. كما عبر أكثر من مرة على الهواء مباشرة افتخاره بالحزب الوطني المنحل ووصف الحزب بأنه "ديمقراطي"، ودافع عن مبارك واعتبره أنه جاء بانتخابات ديمقراطية، بل دافع عن جهاز أمن الدولة.
8- قناة القاهرة والناس: يملكها مبراطور الإعلانات طارق نور. وهو عضو الحزب الوطني المنحل، وتردد انه كان مسؤولاً عن الحملة الانتخابية لمبارك عام 2005، كما عمل في حملة أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية عام 2012. وفي آذار/ مارس 2013 أحيل طارق نور (إضافة إلى وزير الإعلام السابق أنس الفقى ورئيس قطاع الإذاعة والتلفزيون السابق الواء أحمد أمين) للتحقيق بتهم تتعلق بالإضرار بالمال العام وتسهيل الاستيلاء عليه وتربيح الغير، حيث اتهم نور بالاستحواذ على حملات إعلانية وترسية أعمال تلفزيونية على شركاته.
9- قناة "أون تي في": يملكها رجل الأعمال نجيب ساويرس. كما يساهم ساويرس في صحيفة "المصري اليوم". وقد أسس ساويرس لاحقاً حزب المصريين الأحرار.
10- الحياة: يملكها السيد البدوى رئيس حزب الوفد. ويملك البدوي أيضاً صحيفة الدستور.
11- قناة اليوم: وأحد أبرز وجوه القناة الإعلامي عمرو أديب. وتتبع المحطة لشبكة أوربيت التي يملكها رجال أعمال خليجيون.
12- "إم بي سي – مصر": وهي تتبع مجموعة قنوات "إم بي سي" التي تملكها عائلة الإبراهيم السعودية.
13- "روتانا – مصر": تتبع مجموعة قنوات "روتانا" التي يملكها الأمير السعودي الوليد بن طلال.
وأخيراً، تشير معلومات إلى أن ملاك بعض المحطات التي سبق ذكرها يعتزمون إنشاء محطات تلفزيونية إخبارية.
الإعلام والانقلاب:
قبل أشهر عديدة من الانقلاب عمدت قنوات فضائية إلى تخصيص برامج تثير الرأي العام ضد الرئيس مرسي وحكومته. وبعد الدعوة لتظاهرات "30 يونيو"، بدأت القنوات المشار إليها بالتشجيع على التظاهر. كما أفردت تغطية غير مسبوقة للمظاهرات التي أطلق عليها اسم "ثورة 30 يونيو" وأنها مكملة لثورة يناير، رغم أن القنوات ذاتها كان موقفها سلبياً خلال ثورة 25 يناير ودأبت على تشويه صورة المتظاهرين آنذاك.
وفي المقابل، تجاهلت هذه المحطات مظاهرات مؤيدي مرسي. واستمرت بعد وقوع الانقلاب في التحريض على المعتصميين في ميداني رابعة والنهضة عبر وصفهم بـ"الإرهابيين" واتهامهم بحيازة أسلحة ومهاجمة قوات الجيش والأمن. كما وجهت هذه المحطات انتقادات للحكومة المؤقتة، ليس بسبب قتل المتظاهرين في مجازر مثل مجزرة الحرس الجمهوري والمنصة، بل بسبب عدم فض الاعتصامات المؤيدة لمرسي بالقوة حتى لو أريقت دماء المعتصمين، معتبرة أن فض الاعتصامات دون دماء "حلم"، وهو ما كرره – على سبيل المثال - الإعلامي إبراهيم عيسى عبر قناة "القاهرة والناس" غير مرة.
وقد حاول بعض الكتاب إبراز التناقض في تعامل الإعلام مع العنف الذي تعرضت له مظاهرات معارضة لمرسي خلال فترة حكمه ثم مع المجازر التي تعرض لها أنصاره بعد الانقلاب، وهذا ما دفع أحد الكتاب لتسميته بـ"إعلام حمادة المسحول"، في إشارة إلى المواطن حمادة الذي تعرض للاعتقال والسحل على يد الشرطة خلال أعمال العنف أمام قصر الاتحادية في كانون الأول/ ديسمبر 2012 ثم حاولت القنوات المصرية التركيز عليه بوصفه رمزاً للعنف من جانب حكومة مرسي.
وبينما تجاهلت القنوات المصرية حادثة مثل مجزرة المنصة قرب ميدان رابعة وتابعة برامجها العادية، كانت قد أعلنت كلها تقريباً قبل ذلك بأقل من 24 ساعة في بيان مشترك قطع جميع برامجها ومسلسلاتها الرمضانية ليومين لتغطية الدعوة للتظاهر التي أطلقها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي لتفويضه في مواجهة ما سماه بـ"الإرهاب" يوم 26 تموز/ يوليو.
ورغم أن القنوات المصرية قامت بتغطية مستمر لفض اعتصامات "رابعة" و"النهضة"، إلا أنها حاولت التركيز على الأعداد المعلنة للقتلى من الشرطة والجيش دون التركيز على المئات (حسب الأرقام الرسمية) من الضحايا بين المعتصمين.
وإلى جانب التحريض على فض الاعتصامات ومحاولة تشويه صورة المعصمين الرافضين للانقلاب، برزت مواقف أثارت عاصفة من السخرية، مثل اتهام الإعلامي محمد الغيطي عبر قناة التحرير؛ الإخوان المسلمين بأنهم سبب سقوط الأندلس، وهو يقسم على ذلك. كما أطلق الغيطي نفسه إشاعة "جهاد النكاح" في ميدان رابعة.
ولم تقتصر مواقف القنوات المصرية على مهاجمة مؤيدي مرسي، بل تعدته إلى التحريض على السوريين والمصريين وبلغت حد التحريض على قتلهم بحجة أنهم يشاركون في المظاهرات الرافضة للانقلاب، وهو ما برز بشكل خاص عبر يوسف الحسين على قناة "أون تي في" ولميس الحديدي على قناة "سي بي سي".
واستمر الإعلام في التحريض على قمع رافضي الانقلاب وضرب مظاهراتهم بيد من حديد بحجة أنهم يعطلون الحياة العامة ويعرقلون الدراسة في الجامعات.
وفي مفارقة لافتة، أخذت وسائل الإعلام محطات تلفزيونية بالتبرير للسلطة الجديدة في مصر ومطالبة الناس بالصبر بعد حادثة القطار في دهشور في الفيوم في تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وهي نفسها التي كانت تطالب الرئيس مرسي بالاستقالة بعد حادثة قطار مشابهة في أسيوط قبل نحو عام حينما خرجة صحف بعنوان "الإخوان قتلة الأطفال"!
ويعتبر مراقبون ومتخصصون في وسائل الإعلام أن برامج "التوك شو" التي تعرض على شاشات المحطات الخاصة لا تخضع لأي معايير مهنية حيث تتضمن الكثير المعلومات التي لم يجر التوثق من صحتها مع قدر كبير من التحريض على العنف والكراهية ضد الرافضين للانقلاب في مصر.
وخلال فترة حكم مرسي، دأب مقدمو بعض البرامج التي كانت تنتقده باستمرار على القول بأنهم ينتقدون السلطة، وأنهم سيواصلون ذلك مع أي سلطة قادمة. ولكن على – سبيل المثال – تم إيقاف البرنامج الساخر الذي كان يقدمه باسم يوسف منذ اليوم الأول للانقلاب ولم يعد حتى الآن.