تباينت القراءات في
لبنان بين مرحب ومترقب، ومحذر، حيال اتفاق القوى الغربية مع
إيران بشأن ملفها النووي، ومردّ ذلك الحضور القوي للسياسة الإيرانية في لبنان من خلال حلفائها الذين يديرون الحكومة الحالية وإن كانت حكومة تصريف أعمال.
وأثار الاتفاق في ذات الوقت تساؤلات بشأن تداعياته المحتملة على الشأن اللبناني الداخلي وأزماته المتراكمة.
وجاء الاتفاق بعد أيام قليلة من استهداف سفارة
طهران في بيروت بتفجيرات أودت بحياة نحو 24 شخصا وجرح العشرات، في حدث أمني هو الأول من نوعه، إذ يستهدف مصالح إيرانية مباشرة في لبنان، ويرى مراقبون أن له ما بعده.
لبنان الرسمي وعلى لسان وزير الخارجية عدنان منصور المحسوب على فريق الثامن من آذار الحليف لطهران ودمشق، رحب بالاتفاق، ووصفه بالإيجابي، معلقاً على ارتباط ذلك بالشأن اللبناني الداخلي، بالقول إنّ "حجة ارتباط الملفين السوري واللبناني بالنووي الإيراني لم تعد موجودة"، مشيراً إلى أن الاتفاق "أزاح النقاب عن كثير من المواقف في المنطقة، وأول المتضررين هو إسرائيل".
بالمقابل، تعاملت أوساط قوى الرابع العشر من أيار مع الاتفاق باعتباره شأناً إيرانيا تم بمعزل عن الملفات الإقليمية وفي مقدمتها الملف اللبناني والسوري، حيث قال رئيس الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار فارس سعيد لصحيفة النهار، إن "إيران باتت خاضعة للمجتمع الدولي واتفاقها مع الغرب لن يؤثر على لبنان".
ساحة لتصفية الحسابات
الاتفاق الغربي الإيراني أثار مخاوف في أوساط مراقبين من أن تتحول لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات، لا سميا في ظل عدم رضى قوى إقليمية عن شكل تعاطي الإدارة الأمريكية مع الملف، إلى جانب سخط لا يقل حجما تجاه إدارتها للملف السوري المرتبط أيضا بالشأن اللبناني.
الكاتب والمحلل السياسي وائل نجم عبّر عن هذه الخشية بالقول: "إذا اقتصرت التسوية على الدول الكبرى وإيران وتجاهلت الدول الفاعلة إقليمياً، فمن المرجح أن تسعمل هذه الدول قوتها وقدرتها ووسائلها المتاحة لتقول نحن أيضاً موجودون، ولنا مصالح، ولبنان ساحة من هذه الساحة التي يمكن أن تستغل لهذه الغاية".
وعن احتمالات أن يؤدي الاتفاق إلى تهدئة في الملف اللبناني، يضيف نجم في حديث لـ"عربي21" إنّ تسوية الملف النووي الإيراني "بقدر ما يمكن أن تعزز الاستقرار والهدوء، بقدر ما يمكن أن تربك الساحة، وكل ذلك مرتبط بقدرة هذه الدول على التأثير مع مراعاتها لمصالحها الخاصة".
ويحذر نجم من تفاقم الحالة الأمنية في لبنان بعد الاتفاق، وذلك من خلال استمرار استهداف مصالح طهران وحلفائها، مع وجود المبرر القوي لذلك، وهو انخراط حزب الله وطهران في القتال إلى جانب النظام السوري، وهو ما تُرجم فعليا على الأرض باستهداف السفارة الإيرانية، وهو حدث أمني -والحديث لنجم- "برسم كل الذين خرجوا عن سياسة ومبدأ النأي بالنفس الذي أقرته الدولة اللبنانية".
إسرائيل والسعودية
ما ذهب إليه نجم يؤيده الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير، الذي أوضح أن الوضع اللبناني يعيش مرحلة خطيرة بعد تفجيري السفارة الإيرانية "لأن هناك خوفاً كبيراً من ازدياد عمليات التفجير واستخدام الانتحاريين في التفجيرات ودخول أطراف إقليمية ودولية للتحريض على التفجيرات، وقد تم اكتشاف أكثر من سيارة مفخخة جاهزة للتفجير".
ويبدو قاسم أكثر صراحة في تحديد الأطراف المعنية بتوتير الساحة اللبنانية بعد الاتفاق الغربي مع إيران، حيث يقول في حديث لـ"عربي21"، إن "
الاتفاق النووي الإيراني-الدولي قد يساهم مستقبلا بتهدئة الوضع اللبناني، لكن ثمة خوف من أن تقوم القوى المعارضة للاتفاق مثل إسرائيل والسعودية بالعمل على إحداث توتر في لبنان ردا على الاتفاق، لكن على الصعيد المستقبلي سيكون للاتفاق انعكاسات إيجابية خصوصا إذا أتبع باتفاق حول سوريا".
وعن الانعكاسات الملموسة على الوضع الداخلي اللبناني وملفاته السياسية، يرى قصير أن "الجهات الحليفة لإيران ستفيد من الاتفاق لأنه يعزز دورها في لبنان والمنطقة، ويساعد في تحسين علاقاتها مع الدول الغربية، وهذا سيدفع الدول الغربية للضغط من أجل حصول اتفاق حول لبنان".
ومع طي صفحة الملف النووي الإيراني يبقى الملف السوري حاضرا بقوة في السياسة اللبنانية، على أمل أن يسهم طيّه إن حصل في تجنيب لبنان – كما يقول قصير- الانزلاق إلى أتون حرب أهلية، داعياً إلى "الإسراع بتشكيل حكومة جديدة والعودة إلى الحوار الداخلي".