عن حق، حذر وزير الخارجية
الإيراني محمد جواد ظريف، قبل أيام، من أن "التوتر بين السنة والشيعة هو أكبر تهديد للأمن العالمي".
أما المسؤول عن هذا التوتر وتفجيره من وجهة نظر إيرانية، ضمنية أو صريحة، فهم "السُنّة"؛ الذين يتم اختزالهم جميعاً في تنظيم
القاعدة وتفريعاته، كما يتجلى ذلك تماماً في سورية خصوصاً
إذ باسم محاربة "التكفيريين/ الطائفيين"، تُرسل إيران مليشيا حزب الله من لبنان وأبو الفضل العباس من العراق لمساندة نظام بشار الأسد؛ الذي تُختزل فيه سورية كلها، ولأجله تخوض هذه المليشيا حرباً ضد كل معارضيه بلا استثناء. فعدا عن التجويع والقتل الجماعيين لكل السوريين في المناطق الخاضعة للمعارضة، تكفيرية كانت أم لا؛ وعدا عن التنكر لأزمة اللاجئين الذين يراهم النظام "سياحاً!" في دول الجوار، لكنهم جديرون مع ذلك بالتنكر لكل حقوقهم! تتواصل حملة الاعتقالات بحق المواطنين السوريين، لا العشوائية الجماعية منها فقط، بل الأكثر دلالة تلك التي تطال رموز المعارضة السلمية في الداخل، التي رفضت عسكرة الثورة والتدخل الخارجي، وأكدت على التغيير السلمي.
وآخر المعتقلين، بين مجموعة ضخمة، أمين سر "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي"، رجاء الناصر؛ الذي اعتقل يوم الأربعاء الماضي (خلال الزيارة التضامنية مع نظام الأسد أيضاً لوفد من رابطة الكتاب الأردنيين واللجنة الشعبية الأردنية لدعم سورية ونهج
المقاومة!).ألا يُفترض أن يكون غريباً، لولا البعد الطائفي للحرب الإيرانية في سورية، أنه مع تقدم النظام عسكرياً على الأرض، تتسع دائرة المشمولين بتهمة "إرهابيين تكفيريين"؛ لتستوعب حتى معارضي النظام العلمانيين، بل وربما غير المسلمين أصلاً؟! ولولا البعد الطائفي أيضاً، لكان ضرورياً السؤال عن السر في امتلاك مليشيا إيران الحق في القتال إلى جانب نظام الأسد، فيما لا تتم المبادرة إلى طلب إطلاق سراح معتقل سياسي سوري واحد؛ مع أن أمين حزب الله، حسن نصرالله، لا يمل تكرار الادعاء بأنه يقاتل لأجل سورية، ولا سبيل إلا الحوار لحل الأزمة فيها!ربما يُقال إن هذه
الطائفية الإيرانية الجلية، مهما حاول البعض التعامي عنها وتغطيتها، تبررها طائفية "القاعدة" وأخواتها. لكن الحقيقة هي العكس تماماً. فالقاعدة لا تعبر عن التيار العام والسائد في العالم العربي، لا قبل الربيع العربي ولا أثناءه، بخلاف ما تحاول إيران وأتباعها تصوير الوضع عليه. ولم يعد خافياً أن التنظيمات التكفيرية في سورية، بغض النظر عن دوافعها، إنما تخدم نظام الأسد وإيران وليس سواهما أبداً. وفي مقابل استثنائية "القاعدة" عربياً، يبدو التجييش الطائفي الأعمى، على شعوب عربية كاملة كما أنظمة، خطاباً إيرانياً معلناً، لا يتم السعي إلى إخفائه بأي شكل من الأشكال.والحقيقة أن صناعة الطائفية هي مصلحة إيرانية، كونها تعزز، ضمن مكاسب أخرى، هيمنة إيران إقليمياً باعتبارها حامية للطائفة الشيعية. وهو ما يتحقق بثمن عربي خالص، يتمثل في تدمير الوحدة الوطنية أساساً (إن لم يتم تدمير الوطن ذاته)، مع ما يتبع ذلك من دمار على المستويات كافة؛ سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. لكن بذلك تغدو الطائفية مشكلة عربية في مواجهتها. وهو ما لا يكون إلا بالمزيد من الإصلاح، لا الإقصاء والتهميش والإرهاب؛ أكان إرهاب تنظيمات أم إرهاب دول.
(الغد السبت 23 تشرين ثاني 2013)