رغم مرور تسع سنوات على رحيل الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، الذي يصادف اليوم الاثنين، إلا أنه ما زال حاضرا بقوة في المشهد السياسي لبلاده بعد موته، كما كان في حياته.
فقد أثار تأكيد نتائج تقرير سويسري صدر بداية الشهر الجاري، بأن عرفات توفي مسموما، جدلا كبيرا على الساحة الفلسطينية، أعاد إلى الرئيس الراحل حضوره الطاغي.
وشكلت وفاة عرفات يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2004، عن 75 عاما، منعطفاً خطيراً في تاريخ القضية الفلسطينية، كما كان الحال يوم تدشينه للكفاح المسلح بعد تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في خمسينيات القرن الماضي.
ويقول ناهض زقوت مدير عام مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، في حديث لوكالة "الأناضول"، إن "أبرز المحطات في حياة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كانت انتخابه عام 1952 مع صلاح خلف لرئاسة اتحاد الطلاب الفلسطينيين في القاهرة، ومن ثم تأسيسه لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1959 مع خليل الوزير وصلاح خلف وخالد الحسن وفاروق القدومي، وبعد ذلك تدشينه للكفاح المسلح في أول عمليات حركة فتح عام 1964 حيث فجر عناصر يتبعون للحركة نفق عيلبون ما أدى إلى إصابة جنديين إسرائيليين".
وبعد هزيمة الجيوش العربية عام 1967، والاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، بدأ عرفات بتأسيس قواعد لحركة فتح على خطوط التماس المواجهة للضفة الغربية، بموافقة الأردن، فأقام معسكرات تدريب ومقر قيادة في قرية الكرامة في منطقة غور الأردن، وفق زقوت.
وفي عام 1968 حاول الجيش الإسرائيلي العبور واجتياز الأراضي الأردنية وتحطيم مراكز المقاومة التي كانت آخذة في التشكل، وعندما علم عرفات قبيل ذلك بنية الجيش الإسرائيلي توجيه ضربة لقواته، رفض الانسحاب وأمر قواته بالبقاء، فتصدت قواته التي كانت مدعومة من مدفعية القوات الأردنية، للقوات الإسرائيلية ودخلت معها في معركة شرسة عرفت باسم معركة "الكرامة" انتهت بإجبار القوات الإسرائيلية على الانسحاب.
ولعل أهم المحطات التي غيرت مسار القضية الفلسطينية انتخاب عرفات عام 1969 رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت تضم عدة تنظيمات فلسطينية، واستمر بتولي هذا المنصب حتى وفاته عام 2004.
وفي عام 1971 غادرت "المقاومة الفلسطينية" برئاسة عرفات إلى لبنان لتبحث لها عن موطئ قدم آخر، عقب حرب "أيلول الأسود" بين فصائل المنظمة والجيش الأردني بعد أن ساءت الأوضاع بينهما.
وبدأ رجال المنظمة بالفعل بشن عمليات مسلحة ضد الكيان الإسرائيلي، لكن سرعان ما اندلعت حرب أهلية لبنانية طاحنة، وجدت المنظمة نفسها متورطة فيها كطرف من حين لآخر.
وفي عام 1974 تم قبول "خطة المراحل"، وأعلنت المنظمة أنها مستعدة لإقامة دولة فلسطينية على أية أراض فلسطينية يتم تحريرها. ونقل عرفات القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية بخطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وقال في حينها إن "البندقية في يدي وغصن الزيتون في اليد الأخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي".
وكان تواجد فصائل "المقاومة الفلسطينية" في جنوب لبنان بمثابة الشوكة في حلق الكيان الإسرائيلي، وفق وصف مؤرخين، ولهذا سارع الكيان بإرسال قواتها لاجتياح جنوب لبنان وتم خلالها قصف كثير من مراكز المقاومة الفلسطينية.
وبطلب من لبنان تدخلت الأمم المتحدة وأرسلت قوات اليونيفيل للانتشار جنوب نهر الليطاني، وبعد ذلك أكملت "إسرائيل" انسحابها من لبنان، لكن الحرب والعمليات العسكرية استمرت في تلك المنطقة لتصل إلى الذروة، باجتياح إسرائيلي شبه شامل للبنان عام 1982.
وأجبرت القيادة الفلسطينية بزعامة عرفات على التفاوض للخروج نهائياً من لبنان بعد الاجتياح، حيث أبرم اتفاق تخرج بموجبه المقاومة الفلسطينية تحت الحماية الدولية من لبنان، مع ضمان أمن العائلات الفلسطينية.
وغادر عرفات بيروت بسفينة فرنسية مع كثير من جنوده، كما غادر على سفن أخرى آلاف المقاتلين الذين تم توزيعهم في شتى البلدان العربية.
وقد اتجه عرفات إلى تونس التي كانت قد أعلنت موافقتها على استضافة القيادة الفلسطينية.
وفي بداية تسعينيات القرن الماضي، انخرط الكيان الإسرائيلي ومنظمة التحرير، في مفاوضات سرية، أسفرت عام 1993 عن الإعلان عن اتفاقيات أوسلو حيث قام ياسر عرفات، بوصفه رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالاعتراف رسميا بـ"إسرائيل"، في رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين.
وفي إطار اتفاقيات أوسلو للسلام تم إقامة سلطة فلسطينية.
وفي عام 1994، عاد ياسر عرفات مع أفراد القيادة الفلسطينية، إلى الأراضي التي أعلنت عليها السلطة، وهي (أجزاء من الضفة وقطاع غزة) وقد التزم عرفات خلال ذلك، بإيقاف الاعمال المسلحة ضد "إسرائيل" ونبذ "الإرهاب".
في شهر تموز/ يوليو من عام 2000 التقى ياسر عرفات، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الحين، إيهود باراك، في كامب ديفيد، تحت غطاء وإشراف الرئيس الأمريكي، حينها بيل كلينتون.
وفي عام 2002 قام الكيان الإسرائيلي بمنع عرفات من مغادرة رام الله لذلك لم يحضر مؤتمر القمة العربية في بيروت في آذار/ مارس من هذا العام، خشية ألا يسمح له بالعودة إذا غادر الاراضي الفلسطينية، وفي 29 من الشهر نفسه، حاصرته القوات الإسرائيلية داخل مقره في المقاطعة مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية.
وتدهورت الحالة الصحية لرئيس السلطة الفلسطينية عرفات أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2004، لتقوم على إثره طائرة مروحية بنقله إلى الأردن، ومن ثمة أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا في 29 من نفس الشهر.
وتم الإعلان الرسمي عن وفاة عرفات من قبل السلطة الفلسطينية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004. وقد دفن في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله بعد أن تم تشييع جثمانه في مدينة القاهرة (التي ولد بها في 24 آب/ أغسطس 1929، وقضى بها سني شبابه الأولى ودراسته الجامعية)، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل السلطات الإسرائيلية دفن عرفات في مدينة القدس كما كانت رغبته قبل وفاته.