قضايا وآراء

قصة وطنٍ نزف وأملٌ بدأ يتجدد

إياد أحمد شمسي
يقف السوريون على أعتاب فرصة تاريخية. إنها لحظة لبناء وطنٍ جديد، وطن يُجسد أحلامهم وتضحياتهم.
يقف السوريون على أعتاب فرصة تاريخية. إنها لحظة لبناء وطنٍ جديد، وطن يُجسد أحلامهم وتضحياتهم.
منذ أن صعد حافظ الأسد إلى الحكم في عام 1970، غرقت سوريا في حقبة من الظلم والاستبداد. كان هذا البلد، الذي لطالما كان مهد الحضارات ومصدرًا للفخر بتاريخه العريق، يُساق نحو مصيرٍ مجهول على أيدي نظامٍ جعل من القهر منهجًا ومن الاستبداد واقعًا يوميًا للسوريين.

أصبحت الدولة السورية، التي يفترض أن تكون الحاضنة لشعبها، أداةً لقمعه ونهبه. بينما كان العالم يشهد تطورًا اقتصاديًا واجتماعيًا، تراجعت سوريا خطوات طويلة إلى الوراء. بات السوريون وحدهم في مواجهة معركة البقاء، يُكابدون صعوبات الحياة دون أي دعم أو مساندة.

حين خذلت الدولة أبناءها

كان المواطن السوري أول من دفع الثمن. الدولة، التي كان من المفترض أن تكون ركيزة الأمان، تحولت إلى آلة قمعية تستنزف طاقاته وحقوقه. في ظل غياب العدالة والتنمية، اضطر السوريون إلى الاعتماد على أنفسهم، يعملون بأيديهم ليبني كل منهم حياةً أفضل وسط نظامٍ أغلق أمامهم كل أبواب الأمل.

رغم كل الألم الذي عاشه السوريون، يبقى الأمل مشرقًا في قلوبهم. سقوط النظام كان خطوة أولى نحو الحرية، لكنه ليس النهاية. الطريق طويل وشاق، لكن هذا الشعب الذي واجه المستحيل قادر على تحويل الحلم إلى واقع.
أثبت السوريون أنهم قادرون على الصمود. عبر المهن والحرف والإبداع الفردي، أثبتوا تفوقهم رغم كل المعوقات. من بناء المنازل وتصميم المشاريع الصغيرة إلى التفوق في الطب والهندسة، كان السوريون يعملون بصمت، يظهرون للعالم أنهم أكبر من كل قيود دولتهم.

في كل مكانٍ ذهبوا إليه، كانوا صورةً مشرقة عن الإرادة والإبداع. كانوا يتفوقون رغم الظروف القاسية التي يعيشونها. لم يكن إبداعهم وليد دعمٍ حكومي، بل كان ثمرة إرادةٍ صلبة جعلت السوري مضرب المثل في التفاني والكفاءة.

الثورة السورية.. بداية حلمٍ ونزيف مستمر

في عام 2011، انطلقت الثورة السورية كصرخة حقٍ تطالب بالحرية والكرامة. كان السوريون يحلمون بوطنٍ يليق بتضحياتهم. لكن النظام قابل هذه الأحلام بالقمع والعنف، لتتحول الثورة إلى جرحٍ جديد في جسد الوطن.

كان رد النظام وحشيًا. أُطلق العنان لآلة القتل والتدمير، وبدأت سوريا تعيش فصولًا غير مسبوقة من الألم. آلاف العائلات فقدت أحبّتها، وتهدمت البيوت فوق رؤوس ساكنيها. الأطفال الذين كانوا يحلمون بمستقبلٍ أفضل، وجدوا أنفسهم في مواجهة الموت أو التشرد.

كانت المعاناة أكبر من أن تُحتمل. البراميل المتفجرة، السجون المظلمة، والمدن التي تحولت إلى أنقاض، كلها كانت شواهد على حجم المأساة. لكن رغم كل هذا الألم، ظل السوريون صامدين، يحلمون بيومٍ تنكسر فيه قيود الظلم.

جبر الخواطر.. حاجة السوريين الملحة

في ظل هذا الكم الهائل من المعاناة، كان السوريون يبحثون عن أبسط أشكال العزاء. كلمة طيبة، لمسة حانية، أو حتى وعد بمستقبل أفضل. كان “جبر الخواطر” أملًا بسيطًا يعيد لهم بعضًا من إنسانيتهم المفقودة.

كانت الأم التي فقدت ابنها تنتظر كلمة مواساة تخفف من جرحها. الطفل اليتيم كان يتطلع إلى يدٍ تمسح على رأسه لتخبره أن هناك أملًا. العائلة التي شُرّدت كانت تحلم بوطنٍ يعيد لها أمنها وسلامها الداخلي.

لكن العالم غالبًا ما أشاح بوجهه عن هذه المأساة. السوريون، الذين تحملوا كل أنواع الظلم، ظلوا ينتظرون لحظة إنصاف، لحظة تُعيد لهم كرامتهم وتُشعرهم أن تضحياتهم لم تذهب سدى.

سقوط النظام.. لحظة ولادة جديدة

في 8 ديسمبر 2024، حدث ما كان ينتظره السوريون لعقود. سقط النظام الذي حكمهم بالقهر والاستبداد. كان ذلك اليوم بمثابة ميلاد جديد للوطن. لحظة كُسر فيها القيد الذي أرهق الأرواح، وبدأت معها رحلة جديدة نحو بناء سوريا الحرة.

لكن سقوط النظام ليس نهاية القصة. إنه بداية لطريق طويل يحتاج إلى العمل الجاد لبناء دولة تُكرّم الإنسان وتحترم حقوقه. إنها فرصة تاريخية للسوريين ليصنعوا وطنًا يُعيد لهم كرامتهم، وطنًا يُبنى على العدالة والمساواة.

بناء الوطن.. مسؤولية مشتركة

بناء سوريا الجديدة ليس مهمة سهلة. لكنه ليس مستحيلًا. الشعب الذي صمد أمام كل هذه المعاناة قادر على إعادة بناء دولته من جديد. الأمر يتطلب إرادة جماعية، ورؤية واضحة تقوم على المساواة والشفافية.

أثبت السوريون أنهم قادرون على الصمود. عبر المهن والحرف والإبداع الفردي، أثبتوا تفوقهم رغم كل المعوقات. من بناء المنازل وتصميم المشاريع الصغيرة إلى التفوق في الطب والهندسة، كان السوريون يعملون بصمت، يظهرون للعالم أنهم أكبر من كل قيود دولتهم.
سوريا الجديدة يجب أن تكون وطنًا يحتضن الجميع، بغض النظر عن خلفياتهم أو توجهاتهم. يجب أن تكون مؤسسات الدولة في خدمة الشعب، وأن تقوم على أسس النزاهة والعدالة. هذا الحلم لا يمكن أن يتحقق إلا بتضافر جهود الجميع، وبإيمان بأن الوطن يستحق العمل لأجله.

السوري الذي أثبت كفاءته في كل مكان ذهب إليه، عليه اليوم أن يُثبت نفس الكفاءة في بناء وطنه. هذا المشروع ليس مشروع حكومة أو حزب، بل مشروع أمة بأكملها.

خاتمة.. الأمل الذي لا ينطفئ

رغم كل الألم الذي عاشه السوريون، يبقى الأمل مشرقًا في قلوبهم. سقوط النظام كان خطوة أولى نحو الحرية، لكنه ليس النهاية. الطريق طويل وشاق، لكن هذا الشعب الذي واجه المستحيل قادر على تحويل الحلم إلى واقع.

اليوم، يقف السوريون على أعتاب فرصة تاريخية. إنها لحظة لبناء وطنٍ جديد، وطن يُجسد أحلامهم وتضحياتهم. سوريا التي يحلم بها الجميع ستولد من جديد، وطنًا يُكرّم الإنسان ويحتضن الجميع، ويكون مصدر فخر لكل من عاش على أرضها.

عضو الهيئة العليا للمفاوضات السورية سابقا
@shamsieyad
التعليقات (0)