سياسة عربية

كيف ستتعامل السلطة الفلسطينية مع ولاية ترامب وما الخيارات المتاحة أمامها؟

عندما أُعلن عن نتيجة الانتخابات الأمريكية هنأ عباس وحركة "فتح" ترامب وأكدوا "التزام الفلسطينيين بالسلام"- الأناضول
عندما أُعلن عن نتيجة الانتخابات الأمريكية هنأ عباس وحركة "فتح" ترامب وأكدوا "التزام الفلسطينيين بالسلام"- الأناضول
رجح معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مستعد للتعاون مع الإدارة الأمريكية المقبلة، وسط تساؤلات عما إذا كان "إرثه النهائي نجاحا دبلوماسيا؟ أم أنه سيضطر إلى العودة إلى أداته المتبقية الوحيدة وهي المقاومة السياسية؟".

وأضاف المعهد في تحليل له أن "معظم الفلسطينيين يتذكرون الفترة الأولى من ولاية دونالد ترامب كواحدة من أكثر الفترات مرارة في العقدين الماضيين، فخلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه، تمكن من وقف التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وأغلق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس".

وفي تلك الفترة، أعلن ترامب القدس عاصمة موحدة لـ"إسرائيل"، ونظر الفلسطينيون إلى "صفقة القرن" التي اقترحتها إدارته باعتبارها منحازة ضدهم، حيث عرضت إقامة دولة فلسطينية على 70 بالمئة فقط من أراضي الضفة الغربية، ما دفع عباس إلى رفض الاقتراح بشكل قاطع. 

وفوق كل ذلك، من المرجح أن يتذكر الفلسطينيون تلك الفترة بشكل سلبي بسبب "اتفاقيات أبراهام"، التي حطمت المبدأ الذي طالما تبنته الدول العربية بعدم تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" إلى أن يتم حل القضية الفلسطينية.

وأوضح المعهد أنه عندما أُعلن عن نتيجة الانتخابات الأمريكية الشهر الماضي، هنأ عباس وحركة "فتح" ترامب، مؤكدين على "التزام الفلسطينيين بالسلام، وأملهم في أن تدعم الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني". 

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف أنه "حتى الآن، يبدو أن عباس لا ينوي مقاطعة ترامب كما فعل من قبل، بل مستعد للانخراط بشكل بناء مع إدارته الثانية، وفي الواقع أرسل عباس إشارات إلى ترامب عبر قنوات غير مباشرة، مثل السعودية ومصر ومستشار ترامب الجديد لشؤون الشرق الأوسط، رجل الأعمال اللبناني الأمريكي مسعد بولس، الذي تزوج ابنه من ابنة ترامب، بأنه على استعداد لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل للتوصل إلى حل دائم، مع اعتبار صفقة القرن نقطة انطلاق محتملة لهذه المباحثات".

وقال: "يبدو أن عباس، الذي بلغ التاسعة والثمانين من عمره في نوفمبر/ تشرين الثاني، قد حلل الوضع الجيوستراتيجي وأدرك أن الوقت ليس في صالحه أو صالح الشعب الفلسطيني، ومن المرجح أنه يعتقد أنه لن يعيش لرؤية إقامة دولة فلسطينية، لكنه يرغب على أقل تقدير في ترك إرث يظهر أن المسار الدبلوماسي كان الخيار الصحيح".

وذكر المعهد أنه بالإضافة إلى ذلك "يدرك عباس أن السنوات المقبلة قد تشهد تحركات من قبل الحكومة الإسرائيلية نحو ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، في محاولة لإضعاف السلطة الفلسطينية، وربما حتى إعادة احتلال أجزاء من غزة، لذلك لم يعد أمامه خيار سوى الاعتماد على رغبة ترامب في إحداث تغيير سياسي واقتصادي في الشرق الأوسط، من المفترض أن يتضمن تفاهمات جديدة بشأن القضية الفلسطينية".

اعتبر "عباس يعتقد أن الفلسطينيين قد يحصلون على فرص خلال إدارة ترامب المقبلة لم تكن متاحة لهم في السابقة، ومن المتوقع أن يواصل ترامب بذل جهد رئيسي بدأه في نهاية ولايته الأولى وهو التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل ودول عربية إضافية، وعلى رأسها السعودية، وقبل حرب غزة، كانت فرص التوصل إلى مثل هذا الترتيب تتزايد دون أن تضطر إسرائيل إلى تقديم تنازلات بشأن القضية الفلسطينية".

وقال "الآن من الصعب رؤية الرياض تمضي نحو إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل إذا لم تتم معالجة القضية الفلسطينية، ويأمل عباس أن يطلب ترامب من إسرائيل تقديم ثمن بشأن القضية الفلسطينية، سواء من خلال تصريحات أو أفعال، لدفع الترتيب الإقليمي والعلاقات مع السعودية قدما، وعلاوة على ذلك، من الصعب أن نتصور رئيس وزراء إسرائيلي، وخاصة بنيامين نتنياهو، يدخل في صدام مع ترامب بشأن هذه القضية".

وأضاف أن "الوضع أكثر تعقيدا مما يدركه عباس تماما، وينبغي أن يثير قلقه، فمن ناحية، غالبا ما بالغ في تقدير ما يمكن للسعوديين أن يفعلوه من أجله، ورغم أن الرياض تريد بالتأكيد أن ترى تقدما في القضية الفلسطينية، إلا أنها تبدو غير مستعدة لبذل الكثير لتحقيق هذا الهدف، وخاصة وسط الشكوك حول قدرة ترامب على تحقيق معاهدة الدفاع المرجوة بين الولايات المتحدة والسعودية".

وعلى نطاق أوسع، شهد المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط تغييرات كبيرة منذ ولاية ترامب الأولى، وتشير التصريحات الصادرة عن حملة الرئيس المنتخب وفريق السياسة الخارجية الناشئ إلى أنه ينوي دعم سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية، بما في ذلك عناصرها الأكثر تطرفاً؛ ويتمثل ذلك في توسيع المستوطنات وضم أراضٍ في الضفة الغربية؛ ومنع المساعدات للسلطة الفلسطينية حتى لو أدى ذلك إلى انهيار الاقتصاد الفلسطيني؛ والامتناع عن فرض عقوبات على العناصر اليهودية المتطرفة في الضفة الغربية؛ ودعم تشريعات الكنيست التي تهدف إلى منع أنشطة "الأونروا" في الضفة الغربية وغزة.

بالإضافة إلى ذلك، إذا تم طرح "صفقة القرن في النسخة الثانية" على الطاولة خلال فترة ولاية ترامب المقبلة، فمن المرجح أن تتضمن شروطا أقل ملاءمة للفلسطينيين من النسخة الأولى.

اظهار أخبار متعلقة


 وفي "بودكاست" أخير لصحيفة "هآرتس"، وصف السفير الإسرائيلي السابق مايكل أورين محادثات أشار فيها فريق ترامب إلى أن خطة السلام الأصلية بحاجة إلى تغيير في ضوء حرب غزة، وبغض النظر عن نوايا ترامب، فبعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، سيكون من الصعب على إسرائيل تجديد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية إذا كان الهدف النهائي هو إنشاء دولة فلسطينية.

وأكد أنه إلى أن تصبح الصورة أكثر وضوحا، من المرجح أن يتجنب عباس اتخاذ خطوات دراماتيكية قد يُنظر إليها على أنها مواجهة ترامب بشكل مباشر، والجدير بالذكر أن حركتي حماس وفتح عقدتا محادثات في الأشهر الأخيرة بهدف إنشاء لجنة من التكنوقراط لإدارة غزة بعد الحرب، وعادة ما تكون هاتان الحركتان معاديتين لبعضهما البعض، لكن لديهما الآن خوف مشترك من أن تحاول إسرائيل السيطرة الدائمة على شمال غزة".

علاوة على ذلك، أعلن عباس مؤخراً أنه في حال عجزه عن أداء مهامه، فإن رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، سيتولى منصبه بشكل مؤقت لمدة تسعين يوما إلى حين إجراء انتخابات عامة، ويبدو أن هذا الإعلان كان يهدف جزئياً إلى استرضاء واشنطن، التي ضغطت منذ فترة طويلة على عباس لاتخاذ خطوتين مهمتين، والأولى كانت تسمية خليفة له كوسيلة لمنع الصراع بمجرد رحيله، والثانية الشروع بشكل عاجل بإجراء إصلاحات لكي تتمكن السلطة الفلسطينية من أن تصبح بديلاً لـ "حماس" في غزة. 

ومع ذلك، تجنب عباس تعيين خليفة مفضل واختار بديلا مؤقتا، وهي نقطة خلاف محتملة أخرى بين الفلسطينيين وإدارة ترامب القادمة.

وقال المعهد أن "عباس والسلطة الفلسطينية تعلموا دروسا من الولاية الأولى للرئيس ترامب ويدركان أن المستقبل القريب قد يتضمن نقطة تحوّل تجسّد الشرق الأوسط لسنوات قادمة، مما يؤثر على وضع الفلسطينيين، وبناءً على ذلك، وبدلاً من مواجهة ترامب أو مقاطعته كما فعلوا خلال ولايته السابقة، فإنهم يحاولون التعامل معه وإظهار حسن النوايا، رغم إدراكهم أن المصالح الفلسطينية والطموحات الوطنية ليست من أولويات الرئيس المنتخب، ويتعزز هذا التوجه بخيبة الأمل التي أصابت القادة الفلسطينيين من إدارة بايدن، التي كانت محط آمالهم ولكنها خذلتهم على مدار العام الماضي".

وأضاف أنه "إدراكا للتغيرات التي حدثت منذ ولاية ترامب الأولى، يعمل عباس على تقليل الأضرار التي لحقت بالقضية الفلسطينية وحشد الدعم الإقليمي بطريقة قد تدفع برؤيته النهائية إلى الأمام، وتتيح له ترك إرث من الدبلوماسية الناجحة، ويعد شريان حياته الرئيسي في هذا الصدد هو المملكة العربية السعودية، التي تلتزم بالقضية الفلسطينية وأظهرت هذا الدعم من خلال التصريحات العامة والتمويل".

اظهار أخبار متعلقة


وبين "يبدو أن عباس يعتقد أن الرياض تلعب دورا محوريا في التحركات التي يرغب ترامب في اتخاذها في المنطقة وهي: عرقلة النفوذ الإيراني والصيني، وإبرام اتفاقيات ثنائية مع دول الشرق الأوسط، وتوسيع نطاق التطبيع العربي مع إسرائيل، لذلك، سيحتاج ترامب في تعامله مع المملكة إلى تضمين جانب فلسطيني في أجندته، وإذا اشترطت الرياض إجراء المزيد من محادثات التطبيع بمعالجة القضية الفلسطينية، فقد يحقق عباس نجاحا سياسيا رغم كل التحديات، ولكن مدى التزام السعوديين بهذا الموقف يظل مسألة مفتوحة للنقاش".

وختم بالقول: "يتعين على جميع الأطراف أيضا أن تأخذ في الاعتبار إمكانية أن يدفع الفشل في هذا المسار عباس إلى اتخاذ خطوات غير مريحة لإسرائيل والولايات المتحدة، مثل متابعة التدابير السياسية والقانونية على الساحة الدولية، وحشد دول الشرق الأوسط إلى جانب السلطة الفلسطينية من أجل تعقيد الاتفاقات الإقليمية، والتعاون مع "حماس" بشأن مستقبل غزة، وهذه الخطوات تنطوي على مخاطر، من بينها تدهور أكبر في استقرار الضفة الغربية، الذي من شأنه أن يؤثر على الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء".
التعليقات (0)