ملفات وتقارير

مخاوف من "انفجار اجتماعي" في مصر بعد قرار "الإيجار القديم".. ماذا يريد السيسي؟

يوجد نحو تسعة ملايين وحدة سكنية يعيش فيها ما بين 15 إلى 20 مليون مواطن - عربي ٢١
يوجد نحو تسعة ملايين وحدة سكنية يعيش فيها ما بين 15 إلى 20 مليون مواطن - عربي ٢١
أثار قرار المحكمة الدستورية العليا المتعلق بتأجير المساكن الخاصة الراكدة منذ سنوات أو ما يعرف بـ"الإيجار القديم" جدلا واسعا في الشارع المصري.

ووضع هذا الحكم أساساً لعلاقة جديدة بين المالك والمستأجر تقوم على "تحقيق العدل والمصلحة المتبادلة"، بحيث يضمن حق المستأجر في السكن وحق المالك في تحقيق عائد استثماري يتناسب مع قيمة الأرض والبناء، ويواكب معدلات التضخم.

وقضى الحكم بإنهاء عقود الإيجار الدائمة وألغى نظام توريث عقود الإيجار، وهو النظام الذي أقرته قوانين الحقبة الاشتراكية في الستينيات إبان فترة حكم عبد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، والتي حددت العلاقة بين الملاك والمستأجرين في مصر.

 وبدأت الدولة تدريجياً في التراجع عنه منذ منتصف التسعينيات، عندما عدلت قوانين إيجار الأراضي الزراعية، وتبعتها قوانين تأجير العقارات المخصصة للشخصيات الاعتبارية.

وتضمن الحكم عدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 136 لعام 1981، بشأن تأجير الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجر والمستأجر، التي نصت على تثبيت الأجرة السنوية للأماكن السكنية المرخصة.

وأشارت المحكمة إلى أن تجميد القيمة الإيجارية لسنوات طويلة يُعد إخلالاً بمبدأ العدل وإهداراً لحقوق الملكية. وحددت المحكمة موعداً لتنفيذ حكمها في نهاية دور الانعقاد الحالي لمجلس النواب، في تموز/يوليو 2025، وذلك لمنح المشرع وقتاً كافياً لاختيار البدائل المتاحة ووضع ضوابط مناسبة لتحديد الأجرة.

أوضحت المحكمة في حيثيات حكمها أنه يجب على المشرع التدخل لتحقيق التوازن في تحديد القيمة الإيجارية، بحيث لا يتمكن المؤجر من فرض قيمة إيجارية استغلالاً لاحتياج المستأجر إلى مسكن، أو أن تُهدر عوائد استثمار الأموال، ممثلة في قيمة الأرض والمباني، من خلال تثبيت الأجرة على نحو يقلل من جدوى الاستثمار.

وأضافت المحكمة أن قوانين إيجار الأماكن السكنية الاستثنائية تتضمن قاعدتين: الأولى هي الامتداد القانوني لعقود الإيجار، والثانية هي التدخل التشريعي في تحديد الأجرة.

وأشارت إلى أن تحديد الأجرة يجب أن يستند إلى ضوابط موضوعية تضمن التوازن بين حقوق الطرفين في العلاقة الإيجارية.

أوضحت المحكمة أن النصين المطعون فيهما قد حظرا زيادة الأجرة السنوية للأماكن السكنية المصرح بها منذ تاريخ العمل بالقانون في 30 تموز/يوليو 1981، باستثناء زيادة بنسبة 7% من قيمة الأرض والمباني عند الترخيص بناءً على التكلفة الفعلية وقت البناء.

اظهار أخبار متعلقة


عقود إيجار لا تمليك
وهذا يعني أن القيمة الإيجارية التي ظلت ثابتة منذ تلك اللحظة، دون تعديل أدت إلى عدم مراعاة تأثير التضخم على القيمة الشرائية للأجرة السنوية.

كما أدي هذا الثبات إلى تآكل عائد استثمار العقارات المؤجرة، مما أدى إلى تقليص العائد إلى حد قد يضر بالملكيات ويؤثر سلباً على مبدأ العدالة.

في عام 2022، أجرى البرلمان المصري تعديلاً على قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، حيث تم السماح بإخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتباريين لغير أغراض السكن خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات.

 كما نص التعديل على زيادة الإيجار بمقدار خمسة أضعاف القيمة القانونية الحالية، مع زيادة سنوية دورية بنسبة 15% من آخر قيمة قانونية مستحقة.

وفي وقت لاحق، تم تشكيل لجنة مشتركة من الحكومة والبرلمان لمراجعة قانون الإيجارات السكنية القديمة، استجابة لتوجيهات رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

لكن عمل اللجنة توقف سريعاً بسبب ردود الفعل الغاضبة من تعديل القانون، والذي كان يمس أوضاع نحو تسعة ملايين وحدة سكنية يخضع لها بين 15 إلى 20 مليون مواطن.

وفي 17 آب/أغسطس 2021، أشار السيسي إلى وجود وحدات سكنية في مناطق وسط القاهرة يتراوح إيجارها الشهري نحو 20 جنيهاً (أقل من نصف دولار)، بينما تبلغ قيمتها ملايين الجنيهات. وقال السيسي: "إذا كان من حق المستأجر العيش فيها، فمن حق مالكها أيضاً الاستفادة من قيمتها". (الدولار يساوي حوالي 49.35 جنيهاً)

عش الدبابير
وخلال الفصلين التشريعيين السابق والحالي، تجنب مجلس النواب معالجة أزمة الإيجارات القديمة، وذلك خشية تأثر شعبية أعضائه في حال تعديل القانون لصالح المؤجرين، نظراً لأن فئة المستأجرين هي الأكبر عدداً والأكثر عرضة للتأثر السلبي، خاصةً مع غياب البدائل وارتفاع أسعار العقارات بشكل ملحوظ نتيجة التضخم في السنوات الأخيرة.

وتتركز أغلب العقارات المؤجرة وفق نظام الإيجارات القديمة في محافظات القاهرة الكبرى، وتشمل القاهرة والجيزة والقليوبية، إلى جانب بعض محافظات الوجه البحري. ويعاني ملاك هذه العقارات من ضعف الإيجارات، والتي غالباً ما تتراوح بين خمسة إلى عشرة جنيهات شهرياً.

وينص قانون الإيجارات القديمة على استمرار عقد الإيجار حتى بعد وفاة المستأجر أو مغادرته للعقار، شريطة بقاء الزوج، أو الزوجة، أو الأبناء، أو أحد الوالدين الذين كانوا يقيمون معه حتى وفاته أو مغادرته.

فسخ العقود
أوضح خبراء أن الحكومات السابقة تعمدت تأجيل تعديل قانون العلاقة بين المالك والمستأجر، وذلك بسبب استفادة بعض كبار الشخصيات في الدولة والبرلمان من شقق سكنية فاخرة في العاصمة والمدن الكبرى بإيجارات لا تتجاوز 50 جنيهاً شهرياً.

وأكد خبراء القانون أن حكم المحكمة الدستورية العليا سيفتح المجال أمام الملاك، اعتباراً من تاريخ تنفيذه، لتقديم دعاوى في المحاكم المدنية المختصة لفسخ عقود الإيجار وطرد المستأجرين أو إلزامهم بتعديل قيمة الإيجار، وذلك على غرار ما حدث عقب صدور حكم المحكمة بعدم دستورية امتداد عقود الإيجار للأشخاص الاعتباريين من الجهات الحكومية والعامة والخاصة.

ويتوقع نواب البرلمان أن تتقدم الحكومة بمشروع قانون جديد لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجرين للوحدات السكنية مع بداية الدورة البرلمانية بعد تشكيل مجلس النواب الجديد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، بما يتماشى مع انتهاء المهلة المحددة في حكم المحكمة الدستورية العليا.

هل تشتغل حرب أهلية؟
احتفت صفحة "يسقط الإيجار القديم في مصر" على موقع "فيسبوك"، التي تجمع الآلاف من ملاك الوحدات السكنية، بقرار المحكمة واعتبرته إنصافاً لهم.

في المقابل، يرفض المستأجرون بنظام الإيجار القديم أي محاولة لإجبارهم على إخلاء وحداتهم السكنية أو رفع قيمة الإيجار٬ وفقا لما جاء في صفحة "نرفض تعديل قانون الايجار القديم وتشريد ملايين المستأجرين" على فيسبوك.

وهذا ما أكد عليه حساب على منصة إكس٬ محذرا من "ثورة الغلابة وثورة المقيمين في الايجار القديم" قائلا "ارحمونا حتى الحيطة مدارينا.. عاوزين تطلعونا منها".

كما قالت إحدى المستأجرات وفقاً لقانون الإيجار القديم٬ إن اتهام المستأجرين بالحصول على حقوق غيرهم "غير صحيح".

وأضافت: "نرفض إخلاء وحداتنا أو فرض زيادات كبيرة على قيمة الإيجار، فقد دفعنا مبالغ كبيرة عند التعاقد كانت تعادل وقتها قيمة الوحدة السكنية، ونعتبر أنفسنا أشبه بالمالكين وليس مجرد مستأجرين".

كما شكك آخرون في قيام نظام السيسي بهذه الخطوة في توقيت يعاني فيه الشعب المصري من الغلاء ورفع الدعم استجابة لشروط صندوق النقد الدولي.

وكتب حساب على منصة إكس٬ أن هذا الحكم ممكن "يطربق البلد فوق دماغنا، فيه كلام كتير ممكن يقال في موضوع قانون الإيجار القديم داه، وكان لازم يتم النظر في الموضوع من زمن، ولكن الحكم جاي في وقت وظروف اقتصادية وسياسية مش ناقصاه.. وربنا يستر".

وقال آخر إن "قانون الايجارات الي طلع.. ليس هدفه المواطنين. هدفه منطقه نص البلد بمبانيها العظيمة الرائعة الاحسن معماريا من كل أوربا. اختصاراً للحديث. خليجيين عايزينها. وشكرا".

وهذا ما أكده حساب اخر على منصة إكس قائلا "حكم قانون الإيجارات القديمة وراه مصيبة أكيد.. السيسي معملش أي حاجة حرفياً لمصلحة أي فئة من الناس غير الحرامية واللواءات طول ١٠ سنين.. في ناس بتقول إن غرضه تفريغ مناطق معينة عشان تتباع بعد كدة ... ممكن طبعاً وقانون المنفعة العامة اللي شرد ناس كتير بمنتهى السهولة مش بعيد".
التعليقات (0)