الشخصنة
هي عملية تحويل فكرة أو مسألة أو نقاش معين إلى أمر شخصي، بحيث يتم التركيز على
الأشخاص أنفسهم بدلا من الأفكار أو الموضوعات المطروحة للنقاش. وتُستخدم الشخصنة
كوسيلة للانتقاص أو الهجوم على الطرف الآخر، بدلا من نقد أو تحليل الأفكار أو
الحجج التي يطرحها والرد عليها. وتمارس الشخصنة بعدة أشكال، ومنها ما يتعلق بشخصنة
الأحداث، وهي تقوم بنفس الهدف الذي لأجله يتم شخصنة الأفكار وهو التقليل من حجم
الحدث وتأثيره وفاعليته والانتقاص من نتائجه، ويتم ذلك في الأغلب عبر توجيه
التفكير العام نحو فردية ومركزية صانع الحدث ومحدودية قدراته، وربط وجود الحدث وانتهائه
بغياب صانع الحدث الذي تم توجيه الرأي العام نحوه.
في
طوفان الأقصى تم استخدام الشخصنة لهذا الحدث الكبير بشكل واضح وكبير من عدة أطراف؛
أولها
الاحتلال الإسرائيلي، حيث تناول الخطاب الإعلامي الصهيوني حدث طوفان الأقصى
على أنه حدث من تصميم وتخطيط وتنفيذ شخص القائد يحيى
السنوار، متغافلا بشكل متعمد
أن السنوار ما هو إلا فرد في تنظيم مؤسساتي كبير ومتفرع، وعبر الضخ الإعلامي
الكبير على مدار أيام الحرب التي تجاوزت السنة ميلادية؛ كان الهدف إيصال رسالة
للداخل الإسرائيلي بأن استشهاد يحيى السنوار يعني انتهاء هذا الطوفان إلى الأبد
وعودة الأسرى الإسرائيليين، وعدم تكرار مثل ما حدث في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وهذا
الخطاب مفيد لشخص نتنياهو على المدى القريب، ولكنه وهْم جعل الداخل الإسرائيلي
يعيشه على مدار سنة وستكون له آثار سلبية على الكيان خلال المدى المتوسط والبعيد
وهو ما ينفع
المقاومة.
تناول الخطاب الإعلامي الصهيوني حدث طوفان الأقصى على أنه حدث من تصميم وتخطيط وتنفيذ شخص القائد يحيى السنوار، متغافلا بشكل متعمد أن السنوار ما هو إلا فرد في تنظيم مؤسساتي كبير ومتفرع، وعبر الضخ الإعلامي الكبير على مدار أيام الحرب التي تجاوزت السنة ميلادية؛ كان الهدف إيصال رسالة للداخل الإسرائيلي بأن استشهاد يحيى السنوار يعني انتهاء هذا الطوفان
كما
أن الاحتلال استخدم هذا الخطاب لضرب معنويات الحاضنة الشعبية في داخل فلسطين
وخارجها، وخطاب نتنياهو بعد استشهاد السنوار حين طلب من المقاومين تسليم الأسرى
والسلاح مقابل العفو؛ عنهم يسير في نفس هذا الاتجاه، وهو ربط ما حدث في 7 أكتوبر
بشخصية الشهيد يحيى السنوار، وكل ذلك في سبيل الحرب النفسية والمعنوية ضد رجال
المقاومة والحاضنة الشعبية في محاولة لربط معاناتها وآلامها بشخص السنوار، ولكن لا
المقاومة ولا الحاضنة الشعبية ساذجة لأن تتأثر بمثل هذا الخطاب، والراسخ والثابت
لدى جميع المؤمنين بمشروع المقاومة أن طوفان الأقصى ما هو إلا مرحلة من ضمن مراحل
تحرر فلسطين والأمة من هذا الكيان الجاثم على صدورها، وما هذه التضحيات والآلام
الكبيرة إلا ثمن ذلك التحرر العظيم.
وثاني
من استخدم شخصنة حدث طوفان الأقصى هو الإعلامي العربي المتصهين، ولن أتحدث عنه
لأنه كرر ما يقوله الإعلامي الصهيوني بحذافيره لتحقيق نفس أهدافه، فهو لا يعدو أن
يكون ترجمة حرفية لما يروجه الإعلام الصهيوني العالمي.
وثالث
من استخدم خطاب شخصنة ما حدث في طوفان الأقصى هو طرف من ضمن الإطار العام للأمة له
وجهة نظر في جدوى طوفان الأقصى، فيحاول أصحاب هذا الرأي شخصنة طوفان الأقصى في
شخصية الشهيد يحيى السنوار، ويربطون بين شخصية السنوار التي يسمونها
"الاندفاعية" وبين القيام بمثل هذا الحدث الكبير الذي غيّر وسيغيّر
قواعد الصراع في العالم، يشخصن هذا الطرف الأحداث الأخيرة وكأن حركة المقاومة حماس
تنظيم مركزي لا يملك منظومة شورية ومؤسسية ويفتقد للكفاءات السياسية والعسكرية،
فربط حدث مثل طوفان الأقصى بشخصية يحيى السنوار هنا ما هو إلا وسيلة للهجوم على
هذا الحدث لتسهيل عملية لإسقاطه؛ من حدث له أهميته التاريخية إلى حدث كان عبارة عن
طيش وتهور واندفاعية.
فعندما
يستقر في الأذهان أن هذا الحدث نتاج شخص يمكن نقد هذا الحدث وإسقاطه، في حين لو
كان مستقرا في الأذهان أن هذا الحدث هو نتاج دراسة متخصصين وشورى من أكفاء
ومعلومات استخباراتية من أمناء فإن إسقاطه من كاتب أو محلل ليس إلا كما قال
الشاعر:
كناطح
صخرة يوما ليوهنها
فلم
يضرها وأوهى قرنه الوعل
ومشكلة
فريق "الجدوى" أنهم يقيسون جدوى الحدث من خلال حجم التضحيات الآنية
مقابل النتائج اللحظية، والرد على مسألة التضحيات يختلف باختلاف الخلفيات الفكرية
والعقدية والإيمانيّة بالإضافة للرؤية الاستراتيجية لكل إنسان، ولن يكون هنا مكان
نقاشه.
من يريد انتقاد قرارات وتصرفات قياداتها فله الحق في ذلك من خلال انتقاد آلية عملها ومجابهة اجتهاداتها باجتهادات من مجموعات معتبرة، ولكن ليس له الحق في إسقاطها وإسقاط تضحيات قادتها وجنودها، ووصفها بالعشوائية والاندفاعية بناء على آراء وتصورات فردية، والوصول لتحميلها جرائم الاحتلال بحق أبناء فلسطين ولبنان ليتساوى خطابهم مع خطابات الصهاينة في تحميل المقاومة ما ينتج عن جرائم الاحتلال
ولكن
من يعرف حركة حماس ويتابع تاريخ نضالها وتضحياتها وعملها المقاوم خلال ما يزيد عن
الثلاثة عقود؛ يعلم أنها حركة مؤسساتية تمتلك منظومة شورية وشخصيات سياسية وعسكرية
وكفاءات معتبرة، على كافة المستويات المطلوبة لإدارة الصراع مع الكيان الصهيوني،
وهي في الوقت ذاته ليست حركة منزهة من الخطأ ولكنها أيضا لا تتعامل بعشوائية
اندفاعية. فمن يريد انتقاد قرارات وتصرفات قياداتها فله الحق في ذلك من خلال
انتقاد آلية عملها ومجابهة اجتهاداتها باجتهادات من مجموعات معتبرة، ولكن ليس له
الحق في إسقاطها وإسقاط تضحيات قادتها وجنودها، ووصفها بالعشوائية والاندفاعية
بناء على آراء وتصورات فردية، والوصول لتحميلها جرائم الاحتلال بحق أبناء فلسطين
ولبنان ليتساوى خطابهم مع خطابات الصهاينة في تحميل المقاومة ما ينتج عن جرائم الاحتلال.
وكل
من يقرأ تاريخ النضال العالمي عن حركات التحرر في العالم على مر التاريخ يدرك أن
التحرر لا يأتي بالمجان بدون دفع فاتورة باهظة الثمن، والتعامل مع حركات التحرر
وكأنها حروب مصالح بين دول قائمة تدرس فيها موازين القوى بين الأطراف نوع من الترف
التنظيري، فمن يعيش في ظل احتلال وقتل وقمع وتهجير لا يحق لأي كائن من كان أن يقول
له انتظر لنحسبها بالورقة والقلم لنعلم هل ستنتصر في هذه المعركة أم لا ومن بعدها
ستبدأ في نضالك ضد المحتل، المناضل يقاتل ولو بحصى وعصا، فلولا انتفاضة أطفال
الحجارة لما وصلنا إلى "الياسين 105"، فالنضال ضد المحتل عملية تراكمية
تبدأ بالحجارة وتنتهي بتحرير الأرض، ولعل المشهد الأخير من حياة الشهيد القائد
يحيى السنوار وهو جريح يرمي طائرة العدو بعصاه يمثل حياة المناضل الذي يستفرغ وسعه
حتى الرمق الأخير، ويؤدي ما عليه بآخر ما لديه.
[email protected]