يوما بعد يوم ينكشف الفضاء
الإعلامي العربي أو الإعلام
الفضائي العربي أنه إعلام ضيق المجال محدود الأفق منغلق على أمور لا تدخل ضمن
متطلبات ومستلزمات النهوض بأوضاع المجتمعات العربية، فكلما حاول المواطن أن يشاهد
هذه
الفضائيات المتكاثرة والمتوالدة يوما بعد يوم يشعر بخيبة الأمل، لقد استبشر
المواطن العربي خيرا بهذه الفضائيات لكن هذا الأمل تبخر كما يتبخر الماء صيفا في
تموز أو آب اللهّاب..
هنالك العديد من القضايا التي تهم المواطن من المحيط
إلى الخليج لا يركز عليها الإعلام الفضائي العربي، مثلا البيئة في الشوارع
والأسواق العربية بشكل مصور، فهل شاهد المواطن برنامجا واحدا عن هذا الموضوع
الحساس والمهم والذي يتعلق بصحة وسلامة المواطن؟ هل عالجت هذه الفضائيات موضوع كيف
يعيش المواطن في ظل الأزمة الغذائية والغلاء الفاحش في العالم؟ كيف يؤمّن رزقه؟
كيف يستطيع تلبية احتياجات منزله وأفراد عائلته؟ نعم هنالك
برامج تحدثت قليلا عن
هذه الأوضاع لكن بشكل سطحي سريع..
هل شاهدنا حتى الآن برنامجا على فضائية عربية واحدة عن
الفروقات والتباينات بين عيش الإنسان الأجنبي وبخاصة الأوروبي ونمط المعيشة لدينا
في المنطقة العربية، وذلك من حيث الضمان الصحي ورواتب الأطفال هناك، ومن حيث
الرفاهية وقدرته على السياحة هنالك؟ فالذي يصل للخمسين يستمتع ببقية عمره في
السياحة والترفيه، بينما المواطن العربي يعمل حتى السبعين وبالكاد يؤمن رزق عائلته..
أين الفضائيات العربية من هموم المواطن؟ هل الأغنية هي
كل شيء، أم أخبار القتل والدماء لا ثالث لهما في الفضائيات العربية الأغاني أو
أنباء التفجير والإرهاب والقتل والذبح؟ هل سأل الإعلام العربي نفسه ماذا قدم
للمواطن العربي من برامج ثقافية وإعلامية؟ لماذا تقلّ إلى حد كبير مقابلات وحوارات
مع عمالقة الفكر والأدب في
العالم العربي، ثم نكاد لا نجد فضائية ثقافية عربية
واحدة للتحاور والنهوض بأحوال الأمة؟
ولا توجد إلا القليل من البرامج التي تتحدث عن الديمقراطية
في العالم العربي وعوائقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وحتى الآن اختلط
الأمر عند المشاهد بين ديمقراطية غربية تأتي على الدبابة وبين ديمقراطية المجتمعات
الغربية نفسها وآليات الممارسة الديمقراطية فيها، والحاجة إلى ديمقراطية عربية
نابعة من الحاجات الأساسية للمواطن في العالم العربي للدخول في العصر بقوة وتوازن
وجدارة!
عموما، الإعلام العربي إما إعلام تحريض سياسي أو إعلام
تخدير عاطفي وجنسي وخلاعي (ملاهٍ ليلية، كما جاءت التسمية من البعض).. هذا هو إعلامنا
فلنعترف بذلك بكل صراحة. وتجدر الإشارة إلى أن الإعلام المقروء (الصحف والمجلات) من
النواحي المذكورة آنفا أفضل بكثير من الإعلام المرئي (الفضائي) لأنه على الأقل
يقدم للمواطن تشكيلة واسعة من الفكر والأدب والثقافة والحوار والسينما والزاوية
الصحفية والمقال والمنوعات والتكنولوجيا والتراث، بينما الإعلام الفضائي -للأسف-
عاجز عن ذلك، ويقدم ثقافة شفوية تشجع الأمية باعتبارها شفوية، كما يذهب إلى ذلك
الدكتور محمد جابر الأنصاري.
نعم إن الإعلام الفضائي العربي يغرد خارج سرب هموم
وشجون وقضايا هذا المواطن المهمش، ليس حياتيا فحسب بل فضائيا، إن جاز التعبير.