قضايا وآراء

ما بعد استشهاد السنوار.. واجبات الوقت وآفاق المرحلة

ممدوح المنير
"التحرك وفق القوى الناعمة للعاملين خارج فلسطين هو واجب الوقت والمرحلة"- جيتي
"التحرك وفق القوى الناعمة للعاملين خارج فلسطين هو واجب الوقت والمرحلة"- جيتي
بعد استشهاد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وقائد معركة طوفان الأقصى، تصاعدت حدة النقاشات حول تداعيات ذلك على القضية ومستقبلها، وشاءت أقدار الله أن يأتي الاغتيال بعد نشرنا لمقال "كيف تتحرك الأمة استراتيجيا لإنقاذ فلسطين؟" في موقع "عربي21"، فجاءت واقعة استشهاد السنوار لتؤكد على حتمية التحرك والاحتشاد.

فمع كل عملية اغتيال جديدة لأحد القادة نجد السؤال الأكثر إلحاحا بين النخب الفكرية والمثقفة في عموم الأمة، هو سؤال الفاعلية والجدوى، مثل كيف نستطيع إنقاذ غزة وفلسطين، بل حتى إنقاذ أنفسنا في قابل الأيّام؟ بعد أن أدرك الجميع أن الحرب ستطال الكل عاجلا أو آجلا، فنتنياهو يعتبر نفسه في لحظة تاريخية فارقة لاستكمال المشروع الصهيوني الذي يطمح إليه في ظلّ الانكشاف الاستراتيجي للأمة والتواطؤ الغربي الكامل معه.

أدرك الجميع أن الحرب ستطال الكل عاجلا أو آجلا، فنتنياهو يعتبر نفسه في لحظة تاريخية فارقة لاستكمال المشروع الصهيوني الذي يطمح إليه في ظلّ الانكشاف الاستراتيجي للأمة والتواطؤ الغربي الكامل معه

هذا المقال هو لاستكمال النقاش حول المقال السابق المشار إليه في الأعلى، بعد أن ثارت تساؤلات موضوعية حول أطر التحرك استراتيجيا التي تحدثت عنها لإنقاذ فلسطين، وسأحاول تحرير هذه النقاط في شكل أسئلة لإنضاج الفكرة وتسهيل تبنيها للمهتمين بـإحداث تغيير حقيقي في القضية.

تمحورت الفكرة المركزية للمقال السابق حول استدعاء الشعب المصري للواجهة مرة أخرى لتغيير النظام أو الضغط الكافي عليه لتغيير موقفه البائس والإجرامي من غزة، والسبب أنّ تحرك كل العواصم العربية معا تظاهرا أو حتى جيوشا لإنقاذ غزة لن يفيد ما لم تتغير القاهرة أولا، نظرا لأن المنفذ الوحيد إلى غزة يأتي عبر مصر.

الجهود المبذولة دون أن يكون تغيير الموقف المصري في مقدمتها؛ أشبه بقيادة سيارة رائعة بملايين الدولارات لكنها دون عجلات!! أو لديك أفضل بندقية في العالم، ولكنك لا تملك رصاصة لإطلاقها!! هكذا الوضع بالنسبة لمصر، فأي تحرك شعبي أو نخبوي على مستوى الأمة لا يستهدف تغيير الموقف المصري سيظل هامشيا في تأثيره ونتائجه على غزة وفلسطين، لا بد أن تتحول هذه الفكرة إلى قناعة راسخة لكل النخب التي تستهدف تأثيرا حقيقيا لصالح القضية.

من التساؤلات المطروحة:

- هل معنى هذا أن نتوقف عن نصرة فلسطين وننشغل بتحريك الشعب المصري؟

 لا بكل تأكيد، ولكنك مثلا ستعطي لمصر والأردن ثلثي جهدك ووقتك والثلث الآخر لفلسطين لأن الطريق إلى فلسطين يمرّ عبر مصر، ففي الحقيقة الثلاثة أثلاث لفلسطين.

- ما دخلنا نحن كعرب بهذا الموضوع؟ هذا شأن خاص بالمصريين!

في الحقيقة هو شأن عربي وإسلامي محض وليس مصريا، إذا حُلّت عقدة مصر ستحل وراءها عقدة غزة والسودان وليبيا واليمن والصومال وتونس، وسيضعف محور الشر في الخليج ويتراجع نفوذه وبالتالي تتراجع كل مشاريع التطبيع. يجب أن ندرك أن مفتاح الحل لمعظم قضايانا الشائكة في المنطقة يبدأ من القاهرة.

- وحتّى لو سلمنا بذلك، من الصعب أن يثور الشعب مرة أخرى بعد القهر الذي تعرض له!

في الحقيقة الشعب ثائر فعلا، ومن يتابع أخبار الغضب المكتوم سيعلم أن الشعب ينتظر قائدا وشرارة للانفجار.. تابِع ما يفعله أهالي جزيرة الوراق المصرية، تابع الإضرابات العمالية والفئوية المتزايدة، تابع السب العلني للسيسي في كل مكان دون خوف من البطش، الشعب ينتظر القائد الذي يزرع فيه الأمل في المستقبل والثقة في الله وفي نفسه، وليس هذا كلامي فحسب ولكنه ما حذرت منه الكثير من المراكز البحثية في الغرب مما لا يتسع المقام لذكره هنا الآن، من أنّ عوامل الانفجار موجودة بكاملها في الحالة المصرية وتفتقد فقد للتوجيه والقيادة.

- هذا كلام خيالي، الأفضل أن نعلن الجهاد المقدس على الأعداء!

ومن أين ستعلنه؟ وكيف ستعلنه؟ وكيف ستصل إلى الحدود لإنقاذ غزة؟! هل ستقدم التماسا للسيسي أو لملك الأردن وسيقول تفضل يا أخي وفقك الله؟!! هل تعلم أنّ سبب النجاح الكبير للمقاومة في غزة مرجعه بعد الله إلى الحاضنة الشعبية القوية والتصنيع المحلي الذي تم بناؤه على الدعم المقدم لهم أيّام الرئيس مرسي رحمه الله فضلا عن الدعم الإيراني، وهو ما قاله قادة الاحتلال أكثر من مرة خلال الشهور الأخيرة؟ ألم تلاحظ أنه تقريبا معظم الحركات المسلحة التي نشأت خارج فلسطين ولا ترعاها دولة مركزية انتهت وتمت تصفيتها أو السيطرة عليها داخل بيئات محدودة ومرسومة لها؟

الأمة منكشفة استراتيجيا بشكل لا يمكن تخيله وتحتاج لاستعادة الشعوب/ الأمة وتفعيل دورها وإحداث سنة التدافع من جديد، وهو ما يمكنها من بناء أي دور مستقبلي فاعل، وبالتالي التحرك وفق القوى الناعمة للعاملين خارج فلسطين أو بعيدا عن جبهات الاشتباك المباشر هو واجب الوقت والمرحلة، لأسباب فصلناها أكثر في المقال السابق.

الأمة منكشفة استراتيجيا بشكل لا يمكن تخيله وتحتاج لاستعادة الشعوب/ الأمة وتفعيل دورها وإحداث سنة التدافع من جديد، وهو ما يمكنها من بناء أي دور مستقبلي فاعل، وبالتالي التحرك وفق القوى الناعمة للعاملين خارج فلسطين أو بعيدا عن جبهات الاشتباك المباشر هو واجب الوقت والمرحلة

- لنفترض أننا فعلنا كل ما قلته، قد تفشل المظاهرات في إزاحة السيسي أو إحداث التغيير، فما العمل؟

التظاهر السلمي المبدع والضاغط بأعداد كبيرة في القاهرة حتى دون النجاح في إزاحة السيسي أو إحداث تغيير جذري لصالح القضية؛ وإن كان مستبعدا فهو تقدم كبير لصالحها، فتحول الشعب من حالة الفرجة للفعل ومن حالة الخوف للإقدام والحركة هو وحده مكسب لأنه سيصنع زخما وتدافعا داخليا سيفتح بشكل إجباري مسارات للعمل والحركة في ذات الاتجاه كافية للجم الصهاينة، هذا ألف باء تاريخ الثورات وحركات التحرر الوطني.

- لو افترضنا صحة ما قلت، لكن المشروع المقترح كبير ويحتاج موارد ضخمة لتنفيذه؟

يا أخي الفاضل، لقد أُنفقت عشرات المليارات إن لم يكن المئات منها لإجهاض الربيع العربي، وهناك عشرات الألوف من الموظفين والخبراء في شتّى المجالات المتفرغين للإجهاز على الأمة، وبالتالي هذا عمل لا يصلح في رافعته الأساسية ونقطة ارتكازه وانطلاقه إلا لجمهرة من المحترفين والمتفرغين في تخصصاتهم من كافة الوطن العربي وفق الاستراتيجية التي تحدثنا عنها في المقال الماضي، لذلك تحدثنا سابقا عن المزاوجة بين رجال التفكير الاستراتيجي والمال والأعمال لتوفير الحد الأدنى اللازم للعمل والنجاحات الصغيرة لها ألف أب ومعين مع كل نجاح يتحقق وبارقة أمل تُزرع، فجددوا النوايا وأصلحوا القلوب وإذا وجدتم خيرا في هذا المشروع أو غيره فانشروه بين الناس، فالدال على الخير كفاعله ومن استن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.

كونوا رجالا وقدموا خياركم، وإذا وجدتم في أحد خيرا فقدموه وشدوا من أزره وأعينوه، فهذا نبيّك العظيم، المعلم الأول، كان إذا وجد في أصحابه خيرا ثبّته فيهم ودفع بهم للمقدمة وأرشد المجتمع من حولهم للعناية بهؤلاء، ففي كثير من الأحاديث نجده يقول هذا أمين الأمة، وهذا سيف الله المسلول، وذاك ترجمان القرآن، وهذا الصديق، وهذا الفاروق، وغيرها من الصفات والألقاب التي كان يمنحها للصفوة من صحابته ليثبّت التميز فيهم، وليجعل المجتمع من حولهم يتفاعل معهم وفق ذلك، فيسهل تقدمهم وإبداعهم وتميزهم في دولة الإسلام الأولى، فكونوا مفاتيح لكل خير، مغاليق لكل شر.

إخواني وأحبتي، إنّ لديكم طاقات هائلة للعمل وعاطفة جيّاشة تجاه دينكم وأمّتكم، فلا تنتظروا أن يتحرك أحد، وكونوا أصحاب همم عالية وذوي مبادرة للعمل والحركة، ارفعوا راية لكم في ميدان ومجال، إنّ أمامنا أيّاما كبارا لا يتصدى لها إلا رهبان الليل وفرسان النهار، فأروا الله من أنفسكم خيرا وليزرع كل منكم فسيلة وليرفع للحق راية، حتى يقول من يأتي من بعدكم مرّ من ها هنا رجل، فكونوا رجالا لا تقبلون الضيم ولا تعيشون إلا أعزاء، فهي حياة واحدة وموتة واحدة، ومصير واحد.. فلتكن في سبيل الله.

فكونوا على مستوى التحدي وعلى قدر المعركة، واعلموا أنّ العمل لاستنقاذ فلسطين والأقصى هو فرض عين كالصلاة والصيام، بل أشدّ، والمتخلف والمتقاعس مع القدرة على النصرة آثم شرعا يلقى الله بكبيرة التولي يوم الزحف، وليس هذا كلامي، بل جمهرة من علماء الأمة خلال الشهور الماضية، فأعلنوا بيعتكم مع الله وجددوا العزم ورددوا بقلوبكم قبل ألسنتكم كلمة الصديق أبي بكر رضي الله عنه، حين وقف كالجبل الأشم يواجه الفتنة الكبرى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بقلب الواثق بربه ثم في نفسه: "والله لو لم يبق في القرى غيري لأقمت حدود الله، أينقص الدين وأنا حي؟!".. أيموت أهلنا جوعا وحرقا ومرضا ونحن أحياء؟! أتنتهك أعراض النساء ونحن أحياء؟! أيُسب الرسول صلى الله عليه وسلم من أمام منبره في المسجد الأقصى ونحن أحياء؟! فلا نامت أعين الجبناء.

* للنقاش حول المقال يرجى متابعة حساب (x) وتيلجرام على الروابط التالية:
x.com/Mamdouh_Almonir
t.me/Mamdouh_Almoner

التعليقات (0)