ملفات وتقارير

تناقضات واشنطن.. تزود الاحتلال بمنظومة "ثاد" وتهدد بوقف المساعدات

الاحتلال الإسرائيلي حول قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم إذ إنه يحاصره للعام الـ18 - جيتي
الاحتلال الإسرائيلي حول قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم إذ إنه يحاصره للعام الـ18 - جيتي
في تطور لافت يحمل تناقضًا صارخًا، أرسلت الولايات المتحدة منظومة الدفاع الجوي "ثاد" إلى إسرائيل، تزامنًا مع تحذير ضمني من إمكانية وقف الدعم العسكري لـ"تل أبيب" إذا لم تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة خلال 30 يومًا.

منذ اندلاع حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قدمت واشنطن دعمًا سياسيًا وعسكريًا غير مشروط، بما في ذلك تزويد "تل أبيب" بالقنابل التي تستهدف غزة ولبنان، ووفقًا لدراسة من معهد "واتسن" للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، فقد وافقت الإدارة الأمريكية على مساعدات عسكرية بقيمة 17.9 مليار دولار منذ بدء الحرب.

ورغم تحركات دول أوروبية كإيطاليا وفرنسا لوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل، فإنه يستمر تدفق الأسلحة الأمريكية إليها، ما يعكس الانقسام في المواقف الدولية تجاه الحرب.

منظومة "ثاد"
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية الثلاثاء وصول منظومة "ثاد" إلى إسرائيل، مصحوبة بفريق من العسكريين الأمريكيين للإشراف على تشغيلها. وصرحت الوزارة بأن البطارية ستصبح جاهزة للعمل قريبًا، مؤكدة التزام واشنطن بالدفاع عن إسرائيل وحماية الأمريكيين هناك من أي تهديدات صاروخية باليستية قد تأتي من إيران.

رسالة بلينكن وأوستن
وللمفارقة فقد كشف في ذات اليوم إعلام أمريكي عن رسالة وجهها وزيرا الخارجية والدفاع أنتوني بلينكن ولويد أوستن إلى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، تلوح بالإضرار بالمساعدات العسكرية في حال عدم إدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة في غضون 30 يوما.

وجاء في نص الرسالة: "لعكس مسار التدهور الإنساني، وبما يتفق مع تأكيداتها لنا، يتعين على إسرائيل، بدءاً من الآن وفي غضون 30 يوماً، أن تتخذ تدابير ملموسة" لإدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة.

وأضافت: "قد يؤدي الفشل في إظهار التزام مستدام بتنفيذ هذه التدابير والحفاظ عليها إلى تداعيات على السياسة الأمريكية بموجب المذكرة رقم 20 والقوانين الأمريكية ذات الصلة" المتعلقة بالدعم العسكري.

اظهار أخبار متعلقة


وقال متحدث الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، في المؤتمر الصحفي اليومي الثلاثاء: "كتب وزير الخارجية بلينكن بالاشتراك مع وزير الدفاع أوستن رسالة إلى غالانت وديرمر، الأحد لتوضيح مخاوفنا بشأن مستويات المساعدات الإنسانية التي تصل إلى غزة".

وأضاف: "أعتقد أنه يتعين عليكم وضع هذه الرسالة في سياق اتصالاتنا المستمرة وطويلة الأمد ومخاوفنا بشأن مستويات المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المدنيين الفلسطينيين".

وتابع ميلر: "ما رأيناه على مدى الأشهر القليلة الماضية هو أن مستوى المساعدات الإنسانية لم يكن مستدامًا. في الواقع، انخفض بنسبة تزيد على الـ 50 بالمئة عن ذروته".

وأردف: "لذا فقد رأى الوزيران أنه من المناسب أن نوضح لحكومة إسرائيل أن هناك تغييرات لا بد أن تجريها مرة أخرى لضمان رفع مستوى المساعدات التي تصل إلى غزة من المستويات المنخفضة للغاية التي وصلت إليها اليوم".

وردا على سؤال عن عواقب عدم امتثال إسرائيل للطلب، قال ميلر: "لن أتحدث عن ذلك اليوم، أوضحنا عندما أصدرنا تقريرنا الذي تم تكليفنا به بموجب مذكرة الأمن القومي رقم 20 أن هناك أحكاماً بموجب القانون الأمريكي تتطلب منا تقديم شهادات معينة، ولكي نتمكن من تقديم هذه الشهادات فإنه  يتعين علينا أن نتأكد من أن إسرائيل لا تمنع بشكل تعسفي المساعدات الإنسانية التي تصل إلى غزة".

وأضاف: "هناك عواقب بموجب القانون الأمريكي، وبموجب السياسة، لن أتحدث عنها هنا إلى حد كبير لأننا نأمل أن تجري إسرائيل التغييرات التي حددها الوزير في الرسالة. لقد رأينا إسرائيل تجري تغييرات من قبل، وعندما تجري تغييرات، يمكن أن تزيد المساعدات الإنسانية".

وتابع ميلر: "لذا فإننا نعلم أنه من الممكن إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. ونعلم أنه من الممكن تحقيق ذلك. ونعلم أنه من الممكن التغلب على العقبات اللوجستية والبيروقراطية المختلفة، وبالتالي فإن من واجب حكومة إسرائيل التغلب على هذه التحديات وإدخال المساعدات".

اظهار أخبار متعلقة


أقسى رسالة
في المقابل نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن مسؤولين إسرائيليين مساء الثلاثاء، أن رسالة بيلنكن وأوستن تعد "أقسى رسالة أرسلتها الولايات المتحدة إلى إسرائيل منذ عقود، وخاصة مع التهديد بقطع إمدادات الأسلحة، وسوف تضطر إسرائيل قريبًا إلى اتخاذ إجراءات كبيرة لزيادة المساعدات الإنسانية لتجنب أزمة مع الولايات المتحدة".

وأضافت: "يعزو المسؤولون الأمريكيون الرسالة القاسية إلى افتقار الإدارة الأمريكية إلى الثقة في نوايا إسرائيل، ويقال إن المسؤولين الأمريكيين يخشون أن تكون إسرائيل تخطط لتجويع غزة، بما يتماشى مع ما يسمى خطة الجنرالات التي اقترحها اللواء المتقاعد غيئورا آيلاند، والتي تنطوي على عزل شمال غزة".

وأشارت الصحيفة إلى أن "إسرائيل أزالت القطاع الخاص من توزيع المساعدات وأغلقت المعابر في شمال غزة، ما أدى إلى انخفاض كبير في عدد شاحنات المساعدات التي تدخل الجيب الفلسطيني".

وقالت: "أثار ذلك الشكوك في واشنطن بأن إسرائيل كانت تحد من المساعدات عمداً".

غير أن الصحيفة أشارت أيضا إلى أن "الخلفية وراء هذا الوضع تتمثل في أزمة الثقة المتنامية بين البيت الأبيض ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو".

وقالت: "جدير بالذكر أن الرسالة من بلينكن وأوستن كانت موجهة إلى وزير الدفاع يوآف غالانت ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، متجاوزة نتنياهو".

وأضافت الصحيفة: "المضمون الأعمق لرسالة بلينكن وأوستن هو أنه إذا لم تعالج إسرائيل الأزمة الإنسانية شمال غزة في غضون 30 يومًا، فقد تواجه أزمة أسلحة حادة، مع استمرار الولايات المتحدة في تأخير شحنات القنابل الثقيلة".

وتابعت بأن "الفشل في تلبية مطالب الولايات المتحدة قد يؤدي إلى تعريض استمرار المساعدات العسكرية للخطر، الأمر الذي يتطلب موافقة كل من بلينكن وأوستن".

ولفتت إلى أن "الرسالة تستشهد بالمادة 620i من قانون المساعدات الخارجية، التي تحظر تقديم المساعدات العسكرية للدول التي تمنع المساعدات الإنسانية الأمريكية".

وقالت: "كما أنها تشير إلى مذكرة الأمن القومي التي أصدرها الرئيس جو بايدن في فبراير/ شباط، والتي تلزم وزارة الخارجية بتقديم تقرير إلى الكونغرس بشأن امتثال إسرائيل للقانون الأمريكي والدولي في استخدامها للأسلحة الأمريكية".

اظهار أخبار متعلقة


واستدركت الصحيفة: "قال كبار المسؤولين إن الرسالة لم تكن مفاجئة، حيث كانت الولايات المتحدة تحذر إسرائيل منذ أسابيع من أنها تتجه في هذا الاتجاه. ووصفوها بأنها جرس إنذار لإسرائيل للامتثال للتشريع الأمريكي، مشيرين إلى أن قدرة الإدارة على توفير الذخائر قد تكون مقيدة".

وفي 7 أكتوبر الجاري، وبالتزامن مع مرور عام على اندلاع حرب الإبادة بغزة، بدأ الجيش الإسرائيلي بتهجير سكان بلدات بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا إلى جنوبه، ما عدّته وسائل إعلام تطبيقا غير معلن لـ"خطة الجنرالات".

و"خطة الجنرالات" كشف عنها موقع "واي نت" العبري، في 4 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتهدف إلى "تحويل كامل المنطقة الواقعة شمالي ممر نتساريم (وسط القطاع)، أي محافظتي غزة والشمال، إلى منطقة عسكرية مغلقة".

الخطة أعدها عسكريون إسرائيليون سابقون، وتقضي بـ"إجلاء السكان قسرا خلال أسابيع قليلة، وفرض حصار على المنطقة، لدفع المسلحين بمدينة غزة للاستسلام أو الموت"، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، في 22 سبتمبر الماضي.

وبدعم أمريكي، أسفرت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عن أكثر من 141 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على الـ10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.

وتواصل "تل أبيب" مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.

ويتحدى الاحتلال الإسرائيلي طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير دفاعها يوآف غالانت؛ لمسؤوليتهما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.

وحوّل الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم، إذ يحاصره للعام الـ18، وأجبرت حرب "الإبادة الجماعية" نحو مليونين من مواطنيه البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء.
التعليقات (0)