أثارت تحذيرات الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان من وضع
الاحتلال الإسرائيلي
تركيا نصب عينيه بعد عدوانه على كل من
لبنان وقطاع غزة، جدلا واسعا في الأوساط التركية المعارضة التي طالبت بعقد جلسة في البرلمان لبحث المخاطر الإسرائيلية التي تتحدث عنها الحكومة، وهو ما جرى بالفعل بعيدا عن كاميرات وسائل الإعلام.
وبين النفي والتأكيد لتلك المخاطر من قبل الفاعلين في المشهد السياسي التركي، أكد مراقبون تحدثوا إلى "عربي21" وجود تهديدات على المدى البعيد قد تطال تركيا في حال واصلت دولة الاحتلال حروبها المستعرة على أكثر من جبهة بهدف "خلق شرق أوسط جديد".
وفي كلمته أمام البرلمان التركي في الأول من تشرين الأول /أكتوبر الجاري، شدد أردوغان على أن "الإدارة الإسرائيلية التي تتحرك من منطلق هذيان الأرض الموعودة، تضع الأراضي التركية نصب عينيها بعد فلسطين ولبنان"، حسب وكالة الأناضول.
وأضاف أن "العدوان الإسرائيلي يشمل تركيا أيضا لذلك سنقف ضد إرهاب الدولة هذا بكل الوسائل المتاحة من أجل وطننا وشعبنا واستقلالنا"، موضحا أن "الاحتلال والإرهاب والقصف العدواني بجوارنا ولسنا أمام دولة تلتزم بالقوانين بل قطيع من القتلة يتغذون على الدم والاحتلال".
اظهار أخبار متعلقة
والأربعاء الماضي، عاد الرئيس التركي للحديث عن المخططات الاستعمارية التي تسعى إليها إسرائيل بمنطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن "وهم الأرض الموعودة مصيره خيبة أمل وسيمنى بهزيمة كبيرة"، حسب تعبيره.
بناء على ذلك، طالبت المعارضة التركية وفي مقدمتها زعيم حزب "الشعب الجمهوري" أوزغور أوزيل، بعقد جلسة في البرلمان يشارك فيها أعضاء من الحكومة من أجل تقديم إحاطة حول المخاطر الإسرائيلية التي تهدد تركيا.
واتسمت تصريحات المعارضة بالتشكيك بالتهديدات التي تحدث عنها أردوغان في أكثر من مناسبة، وكان ذلك جليا في حديث أوزيل الذي وصف الحديث عن هجوم عسكري إسرائيلي على بلاده بـ"الأمر الذي لا يدخل العقل".
والثلاثاء، عقد البرلمان جلسة مغلقة بمشاركة وزيري الخارجية هاكان فيدان والدفاع يشار غولر من أجل بحث المخاطر المحيطة بتركيا في ظل تسارع التطورات الإقليمية وامتداد العدوان الإسرائيلي إلى لبنان.
مخاوف من "انهيار المناعة الإقليمية"
الباحث في الشأن التركي محمود علوش، يوضح أنه "على المدى المنظور، لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بوجود خطر من هذا القبيل، لكن حقيقة أن هذه الحرب ستعيد تشكيل الشرق الأوسط، فإن ارتداداتها تؤثر على تركيا".
ويلفت في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "نجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة في هذه الحرب بتغيير الشرق الأوسط سيجعلها مطلقة اليد في المنطقة وهذا سيكون له عواقب خطيرة على التوازن الإقليمي".
وتعد تركيا عنصرا فاعلا في المنطقة التي تغلي بشكل غير مسبوق منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول /أكتوبر عام 2023، والذي اتسع ليشمل عدوانا بريا وجويا متواصلا على لبنان منذ أواخر أيلول /سبتمبر الماضي.
وتسببت الهجمات المتواصلة على لبنان في لجوء ما يزيد على 110 آلاف لبناني و310 آلاف عائد سوري إلى الأراضي السورية في الفترة الممتدة بين 23 أيلول /سبتمبر الماضي و9 تشرين الأول /أكتوبر الجاري، وذلك على الرغم من تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية في
سوريا، التي تعاني من وطأة صراع عنيف لا تزال تبعاته حاضرة.
ومع ارتفاع تكاليف المعيشة والتهديدات الأمنية وإهمال النظام السوري تلبية احتياجاتهم، توجه آلاف العائدين السوريين إلى مناطق المعارضة في شمال غربي سوريا، التي تكتظ بالفعل بملايين النازحين.
اظهار أخبار متعلقة
وتثير تلك التطورات مخاوف تركيا، التي يعيش فيها ما يزيد على 3 ملايين لاجئ سوري، من إمكانية تسبب الصراع حال امتداده إلى سوريا في موجات لجوء جديدة، فضلا عن اشتعال الجغرافيا السورية التي هدأت عسكريا في السنوات الأخيرة بفعل التوافقات الدولية على نظام الأسد، حسب مراقبين.
وبحسب علوش، فإن لدى الأتراك "هواجس من أن انهيار المناعة الإقليمية سيهدد بتقسيم الدول الضعيفة مثل سوريا، وهذا يشكل خطرا مباشرا على الأمن القومي التركي".
اضطرابات "تهدد" الجنوب التركي
في السياق ذاته، يرى الباحث التركي علي أسمر أن التهديد الحقيقي هو "احتمال حدوث تغييرات في الخارطة الجيوسياسية في المنطقة بعد انتهاء هذه الحرب، وهذا ما سيكون بمثابة سايكس بيكو جديدة في المنطقة".
ويضيف في حديثه إلى "عربي21"، أنه في حال حدوث ذلك فسيؤدي "إلى قيام دويلة كردية شمال سوريا، ما يعني زيادة احتمال انتقال هذه العدوى الانفصالية إلى تركيا مستقبلا".
وبالفعل، تحذر تركيا مرارا وتكرارا من مساعي إنشاء كيان كردي على حدودها الجنوبية مع كل من سوريا والعراق، وهو الدافع وراء عملياتها العسكرية المتواصلة ضد تنظيم حزب "العمال الكردستاني" (بي كي كي)، الذي تدرجه أنقرة على قائمة الإرهاب.
وفي أكثر من مناسبة، شدد أردوغان على رفض بلاده إقامة ما وصفه بـ"دويلة إرهاب" على حدودها مع سوريا.
وفي خطاب له قبل أيام، قال إنه "بينما نتابع هجمات إسرائيل في فلسطين ولبنان عن كثب، فإننا نرى أيضا بوضوح شديد كيف تريد إنشاء هياكل صغيرة تابعة لها في شمال العراق وسوريا، باستخدام التنظيم الانفصالي (بي كي كي) كأداة".
وبحسب أسمر، فإنه "بحكم تواجد تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فالصدام التركي الإسرائيلي المباشر أمر غير مطروح"، لذلك يشير الباحث إلى النقطة ذاتها التي أشار إليها أردوغان، ويوضح أن "الخطر المحدق بتركيا هو غير مباشر، ويتمثل بحزب العمال الكردستاني وأذرعه بالمنطقة التي تمول من الولايات المتحدة"، حسب تعبيره.
ويلفت الباحث التركي، إلى أن "المليشيات في المنطقة تدار من قبل دول، وهي تطبق الأجندة الغربية في المنطقة. لذلك تركيا تراقب عن كثب هذه التطورات وأرسلت قادة عسكريين إلى شمال سوريا لتفقد الأوضاع".
والأسبوع الماضي، نفذ قادة عسكريون أتراك زيارة إلى شمال سوريا، حيث أجروا مراجعات ميدانية وتفقدوا إحدى القواعد العسكرية التركية في المناطق التي تعرفها بمنطقة عمليات "غصن الزيتون"، بحسب بيان لوزارة الدفاع التركية.
وشدد المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية، زكي أكتورك، خلال إفادة صحفية، على أن "القوات المسلحة قادرة على مواجهة جميع التهديدات لتركيا عبر حدودها".
وهذه الزيارة، تلتها تصريحات صحفية أدلى بها وزير الدفاع التركي يشار غولر، الخميس الماضي، وحذر فيها من تصاعد خطر جر المنطقة الجنوبية من تركيا إلى اضطرابات وصفها بـ"الكبيرة".
اظهار أخبار متعلقة
وقال غولر، إن "جهود إسرائيل لنشر إرهاب الدولة والاضطهاد في لبنان بعد فلسطين وقطاع غزة، زادت من خطر جر المنطقة الجنوبية إلى اضطرابات كبيرة"، حسب وكالة الأناضول.
ولكن "تركيا دولة قوية وقادرة على مواجهة أي تهديد مباشر لها، إلا أن المخاطر الجيوسياسية التي أفرزتها الحرب تؤثر عليها بشدة لأنها جزء من هذه المنطقة ولديها مصالح واسعة فيها"، وفقا لما يرى الباحث في الشأن التركي محمود علوش.
ويشدد علوش في حديثه عن التهديدات المحدقة بتركيا في ظل التطورات الإقليمية، على أن "مزيدا من الحروب والصراعات في الشرق الأوسط يعني مزيدا من الارتدادات المتعددة الطبقات على تركيا. من الأمن إلى اللجوء والاقتصاد وغيرها".
وهو الأمر الذي تطرق أسمر بدوره إليه في حديثه لـ"عربي21"، قائلا إن "موقع تركيا في منطقة جيوسياسية حساسة، يتطلب منها أن تكون في أعلى درجات الحذر".