كتب

السامري الجديد.. قراءة لشخصية نتنياهو في كتابات خبراء إسرائيليين وغربيين

سيكون إرث نتنياهو الحزين هو تمهيد الطريق لإسرائيل أقل تسامحا وأكثر خطورة بكثير، لأنه في اليوم التالي لمغادرته، لن يكون إرثه النهائي دولة أكثر أمنا..
سيكون إرث نتنياهو الحزين هو تمهيد الطريق لإسرائيل أقل تسامحا وأكثر خطورة بكثير، لأنه في اليوم التالي لمغادرته، لن يكون إرثه النهائي دولة أكثر أمنا..
مع حلول الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، يجدر بنا الوقوف عند نتائجه وما ترتب عنه من اتساع دائرة الصراع ليشمل ساحات إقليمية ودولية، وما كثر من حديث عن سيناريوهات اليوم التالي، والحديث المتكرر عن الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى إسرائيل لتشكيله مدعومة بحلفائها الدوليين والإقليميين. وإن من الوسائل المهمة لتقييم أي حرب قراءة شخصيات من يديرون دفتها. وليس هناك أفضل من شخصية نتنياهو وسيلة لتقييم الطوفان، فلديه شعور طاغ بالعظمة والنرجسية، وأنه في حكمه قد أتى بما لم تأت به الأوائل.

يروج نتنياهو لنفسه، ويرى أنه لا يوجد بديل له، بل ويُنظر إليه على أنه ملك إسرائيل، والمؤسس الثالث لها، وسيد الأمن، وحامي شعبها، والمحقق لنهضتها التكنولوجية والاقتصادية الكبيرة، والزعيم الداهية الذي أعاد تشكيلها، والمفتاح لحل جميع مشاكل الشرق الأوسط. وعلى الرغم من كونه بعيدا عن حل الصراع أكثر من أي وقت مضى ، فقد أبرم أربع اتفاقيات تطبيع مع الدول العربية، وحصلت إسرائيل على علاقات أفضل مع العالم.

ولكن وراء هذه الصور البراقة والدعاية الخادعة ما وراءها. يوجز ستيفن والت حال إسرائيل تحت إدارة نتنياهو في مقاله بالفورين بوليسي: "لحظة إنجاز المهمة الإسرائيلية في الشرق الأوسط" في 2 أكتوبر تشرين الأول 2024، فقال: "إسرائيل التي كانت توصف ذات يوم أمة الشركات الناشئة، أصبحت أمة تفجير الأشياء. ليس هناك شك في أنها حققت خلال الأسابيع العديدة الماضية إنجازًا تكتيكيًا مذهلاً. وكما فعلت في غزة، فقد استخدمت الأسلحة المتقدمة لقتل نصر الله وإلحاق أضرار جسيمة في جميع أنحاء لبنان. ووظف نتنياهو ووزراؤه اليمينيون المتطرفون الحرب لتكثيف العنف والاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، كجزء من حملتهم لإنشاء إسرائيل الكبرى. لكن ما يمنع نتنياهو من تغيير ميزان القوى الإقليمي بشكل دائم لصالح إسرائيل هو أن الإنجازات التكتيكية لا تضمن النجاح الاستراتيجي. نعم، قد تغير البيئة الاستراتيجية بطرق مهمة ودائمة، وهذا ما يهدف إليه نتنياهو؛ لكن هناك أسباب وجيهة للشك في أنه سينجح". 

السامري الجديد ومصير العجل الذهبي

مثلما نجح السامري في استلاب عقول بني إسرائيل وأخذ ذهبهم أيام موسى عليه السلام، فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار، وقال لهم هذا إله موسى؛ فإن نتنياهو، السامري الجديد، قد نجح ببلاغته وأسلوبه الخطابي في أن يسيطر على المشهد السياسي الإسرائيلي قرابة ثلاثة عقود، وتقلد منصب رئيس الوزراء خمس مرات أكثر من أي رئيس وزراء آخر، وقدم للإسرائيليين الكثير من الوعود والأحلام الوردية؛ لكنه في واقع الأمر يقودهم نحو هاوية العجل الذهبي، عجل السامري الأول، الذي حرقّه موسى عليه السلام، ونسفه في اليم نسفا، وحكم على السامري بالشتات منبوذا بين الناس، تماما كما هي إسرائيل اليوم منبوذة من المجتمع الدولي وشعوب العالم بصورة لم تشهدها من قبل.

إن الحرب الهائلة والمدمرة الوحشية التي يقودها نتنياهو اليوم هي الجدار الحديدي في أكثر مظاهره بدائية: إطلاق العنان للقوة الساحقة كإشارة إلى أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية إقليمية بشأن فلسطين التاريخية، أو كما يقول نتنياهو دائما: لن نوقف إطلاق النار حتى يكون هناك انتصار إسرائيلي كامل.
وفي هذا المقال، ومن خلال كتابات الإسرائيليين والغربيين، نقدم سمات هذا السامري الجديد، ومزاعمه ودعاواه، وأضغاث الأحلام التي يراها بالليل ويسعى لتنفيذها بالنهار، والتي كانت حربه العبثية والوحشية هي التي دمرت عجله الذهبي وسترمي به إلى غياهب التاريخ:

أحلام المجد

تناول الكاتب الإسرائيلي يوسي ميلمان شخصية نتنياهو في مقال له بالجيروزاليم بوست، في 29 مارس آذار 2019، عنوانه "نرجسية نتنياهو"، قال فيه: وفقا للملامح النفسية لنتنياهو، فالسمة الرئيسية له هي النرجسية. ووفقا لعالم النفس شاؤول كيمحي، فإن أهم معالم شخصيته: الأنانية، استغلال الآخرين، العدوانية والتلاعب، ويرى أن لعبة السياسة تحكمها قوانين الغاب حيث يبقى القوى ويسقط الضعيف، وأن تحقيق الهدف يبرر أي وسيلة، كما يرى أن مهمته البطولية هي إنقاذ وطنه. ومن هم على شاكلته، يكونون مدفوعين بأحلام المجد،  ويجدون أن الأضواء التي توفرها ساحة السياسة لا تقاوم. وتطغى عندهم مشاعر العظمة والغطرسة على انعدام الأمن والحساسية للنقد والجوع للإشادة.

الملك بيبي

يطلق المؤيدون والمعارضون على نتنياهو الملك بيبي، يقول يوري كلاين في مقاله بهآرتس: "الملك بيبي"، 4 ديسمبر كانون الأول 2018: يبين الفيلم الوثائقي "الملك بيبي" الذي أذاعته القناة العاشرة كيف تحول نتنياهو من شاب خجول إلى سياسي عدواني متعجرف لا يُهزم. ويسلط مخرج الفيلم الضوء على الصعود المضطرب لنتنياهو والسقوط المحتمل له، مؤكدا على تشويهه المستمر للصحافة، وقدرته على حشد قواه. ويُظهر المخرج، من خلال أوجه التشابه بينه وبين ترامب، التكتيكات الشرسة لنتنياهو.

هدية الله إلى إسرائيل.. هكذا يرى نتنياهو نفسه!!

في قراءة مبكرة لنتنياهو، تقدم ليسا بيكر في 10 يونيو/ حزيران 1996 بمجلة تايم موجزا لحياته وشخصيته، وذلك في مقالها: " إسرائيل: صُنع بنيامين نتنياهو"، فتقول: عندما هاجر جد بنيامين نتنياهو إلى فلسطين من ليتوانيا في عام 1920، غير اسم عائلته إلى نتنياهو: اسم يعني "هدية الله". وغالبًا ما يبدو أن الحفيد بنيامين نتنياهو يرى ذلك حرفيًا أنه هدية الله إسرائيل، فهو واثق جدا من نفسه؛ يعتقد أنه يعرف أكثر من من حوله - ويستحق أكثر، ونجح أن يصبح رئيس وزراء إسرائيل وهو في السادسة والأربعين، وهو المنصب الذي لم يتم انتخاب أي شخص تحت سن الستين. لقد نشأ نتنياهو لتحقيق ذلك. وهو أكثر ذكاءً وأعمق بكثير مما يعتقده الناس، ويرسم صورة لنقاط ضعف إسرائيل، وأنه يجب ويقدم وضع قيود على صنع السلام في منطقة تهيمن عليها الديكتاتوريات.

كيف شكل نتنياهو إسرائيل على صورته

تحت هذا العنوان كتب الصحف الإسرائيلي جوشوا لايفر في الجارديان، 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، مقالا مهما يبين فيه التأثير العميق لنتنياهو على إسرائيل، سواء كان حاضرا في المشهد أم غائبا عنه، قال الكاتب: أصبح نتنياهو رئيسا للوزراء لأول مرة في عام 1996، ودفع إسرائيل إلى اليمين أكثر منذ ذلك الحين. ويتفق معظم المحللين على أن أيامه السياسية معدودة؛ لكن النهج الذي أسسه سيكون من الصعب للغاية تغييره. يتفاخر نتنياهو بأن إسرائيل لم تعرف أبدا سلاما وآمنا وازدهارا مثل السنوات التي قضاها في السلطة؛ لكن ذلك كان مبنيا على سلسلة من الأوهام، منها: أن الفلسطينيين وتطلعاتهم إلى الحرية يمكن إخفاؤها وراء حواجز ملموسة وتجاهلهم؛ وأن أي مقاومة متبقية منهم يمكن إدارتها من خلال مزيج من التكنولوجيا والقوة النارية الساحقة؛ وأن العالم، وخاصة الدول العربية السنية، قد سئم القضية الفلسطينية بحيث يمكن إزالتها من جدول الأعمال العالمي. وبالتالي، يمكن للحكومات الإسرائيلية أن تفعل ما يحلو لها.

لقد حطم هجوم حماس في السابع من تشرين الأول أكتوبر كل هذه الافتراضات. وانهار كل جانب من جوانب مشروع نتنياهو صباح يوم السبت الذي اعتاد الإسرائيليون على تسميته "السبت الأسود". ولكن في حين فقدت رؤيته لإسرائيل مصداقيتها تماما ووصل إلى نهاية مسيرته، فلا يوجد خليفة واضح مستعد للانفصال عنها. فقد تصبح إسرائيل محاصرة في ظروف من صنعه بعد فترة طويلة من رحيله، وسيكون من الصعب تحطيم القالب الذي وضعها فيه.

أكبر مروج للخوف في تاريخ إسرائيل

في مقال بهآرتس للصحفي أيليت شاني، عنوانه: "أكبر مروج للخوف في تاريخ إسرائيل" في 27 يناير/ كانون الثاني 2024، نتنياهو هو أعظم مثير للخوف في تاريخ إسرائيل. إذ تتلاعب تكتيكاته المخيفة بالإسرائيليين، وإن قوته تعتمد على ديناميكية الانتهاكات والتخويف. وسبق للصحفي الإسرائيلي روبرت زاريتسكي أن كتب في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في مجلة إلى الأمام "Forward" مقالا عنوانه "كيف استغل نتنياهو سياسة الخوف في بلد يخشى الآن على بقائه"، قال فيه: الخوف هو العاطفة، ربما أكثر من أي عاطفة أخرى، التي تجسد الاستجابة الإسرائيلي الجماعية للأحداث الخوف مما حدث بالفعل، والخوف مما لم يحدث بعد؛ فالخوف هو الرفيق الدائم للخطر، يتجول في جسد شخص واحد أو شعب بأكمله عند مواجهة تهديد خطير أو وجودي فجأة. لقد أصبح أن نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الأطول خدمة من خلال إتقانه لسياسات الخوف. لقد فهم بشكل حدسي أن جوهر الروح الإسرائيلية هو الخوف. لذا، فهو لولايته الطويلة في السلطة مدين للتلاعب بهذا الخوف. وذلك، من خلال ربط العرب بالمحرقة، ليس للمصلحة الجماعية، وإنما لمصالحه الانتخابية الخاصة. ومن خلال التظاهر بأنه سيد الأمن، وعد نتنياهو قاعدته بأنه وحده قادر على إصلاح ما أصاب الأمة.

بيع الوهم للإسرائيليين

نشرت مجلة أتلانتك في عدد أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مقالا للصحفي الإسرائيلي يائير روزنبرج، عنوانه: "نهاية نتنياهو"، قال فيه: لقد باع نتنياهو الإسرائيليين قصة عن سلامتهم. وكان يقول في دعايته الانتخابية: قد لا تحبني ولا تثق بي؛ لكني أنا فقط من يستطيع أن يبقيك آمنا". وقال أيضا: "الأمة اليهودية لم تتفوق أبدا في التنبؤ بالخطر. لقد تمت مفاجأتنا مرارا وتكرارا، وكانت المرة الأخيرة الأكثر فظاعة في حرب 1973؛ لكن هذا لن يحدث تحت قيادتي. وهذا ما تتوقعه مني دولة إسرائيل، وهذا ما سأفعله".

إن القوة المفرطة التي يستخدمها نتنياهو لن تحقق أهدافها، ولن تخفض الروح المعنوية. وإن القصف العشوائي من النوع الذي نشهده حاليا في لبنان لن يتسامح معه السكان إلى ما لا نهاية. كما أن التكلفة البشرية المترتبة على استراتيجية إسرائيل الحالية في لبنان ستخلق المزيد من الكراهية، وتعزز بروز جيل جديد من المقاتلين المناهضين لإسرائيل
في 7 أكتوبر 2023، تم كسر هذا الوعد بشكل لا رجعة فيه. وسوف يتم تذكر نتنياهو  باعتباره الصقر الأمني الذي ترأس أكبر فشل أمني في تاريخ إسرائيل. لقد ضرب هجوم حماس في ذلك اليوم الروح التأسيسية لإسرائيل، وما حدث فيه كان أسوأ مما حدث في 6 أكتوبر 1973.

الترويج لأيديولوجية القوة

يؤمن نتنياهو أن القوة، ولا شئ غيرها، هي التي تجعل لإسرائيل مكانا بين الأمم، ويعطيها الهيمنة والسيادة في الشرق الأوسط، ففي مقال للصحفي أوليفر هولمز بالجارديان في 13 يونيو/ حزيران 2021، عنوانه: "الكوماندوز السابق الذي صار الملك بيبي"، قال: بعد توقيع اتفاق تاريخي مع الإمارات العربية المتحدة لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، قال نتنياهو: "تم إثبات حقيقة بسيطة من جديد: القوة تجذب والضعف ينفر. في الشرق الأوسط، يبقى الأقوياء على قيد الحياة، وبالقوة يُصنع السلام". لكن القوة التي روج لها لسنوات جاءت بنتائج عكسية في غزة ولبنان، واكتشفت إسرائيل أنها تعرضت لإذلال عميق.

سياسة الجدار الحديدي

في مقال للكاتب إران كابلان المتخصص في الدراسات اليهودية بجامعة سان فرانسيسكو، نشرته "The Conversion" في 25 مارس/ آذار الماضي، عنوانه "الجدار الحديدي الإسرائيلي: تاريخ موجز للأيديولوجية التي توجه بنيامين نتنياهو"، قال فيه: منذ توليه السلطة منذ عقدين من الزمان، فإن إدارة نتنياهو للصراع عموما وللحرب الحالية خصوصا هي انعكاس لأيديولوجية جابوتينسكي: "الجدار الحديدي"، والتي كانت جزءا من التاريخ السياسي الإسرائيلي منذ ما قبل تأسيس الدولة عام 1948. فنتنياهو، مثل أستاذه جابوتنسكي، يرى أن الفلسطينيين، لن يقبلوا أبدا بقيام إسرائيل ووجودها. لذا، يجب أن يكون التركيز الوحيد على تطوير القوة العسكرية اليهودية، الجدار الحديدي مجازا، وأي إظهار للضعف من شأنه أن يؤدي إلى الهلاك. ولهذا، يرى نتنياهو أنه لا مجال للسلام وإقامة دولة فلسطينية؛ بل دولة يهودية قوية ترفض أي تنازلات، وتواجه دائما أي تهديد باستعراض ساحق للقوة. فمن خلال القوة فقط، سيقبل الفلسطينيون بإسرائيل، وهي عملية ستجعل المزيد والمزيد من الدول العربية تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وكانت الاتفاقات إبراهام بمثابة الإثبات النهائي لرؤية نتنياهو الإقليمية.

إن الحرب الهائلة والمدمرة الوحشية التي يقودها نتنياهو اليوم هي الجدار الحديدي في أكثر مظاهره بدائية: إطلاق العنان للقوة الساحقة كإشارة إلى أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية إقليمية بشأن فلسطين التاريخية، أو كما يقول نتنياهو دائما: لن نوقف إطلاق النار حتى يكون هناك انتصار إسرائيلي كامل.

أسوأ رئيس وزراء على الإطلاق

كان هذا عنوان مقال الكاتب الإسرائيلي أنشيل بفيفر بمجلة اتلانتيك في 27 مارس/ آذار 2024، والذي قال فيه: لقد قوض طموح رجل واحد أمن إسرائيل، واستهلك سياستها. رجل فساده لامع، واتخذ قرارات أمنية مروعة جلبت خطرًا وجوديًا على البلد الذي تعهد بقيادته وحمايته. وأنانيته لا مثيل لها، إذ وضع مصالحه الخاصة قبل مصالح إسرائيل في كل منعطف.

ستطارد كوارث يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إسرائيل لأجيال، وسيُذكر نتنياهو دائمًا على أنه أسوأ زعيم لإسرائيل على الإطلاق. فهو يرفض تحمل المسؤولية، ويلقي باللوم على جنرالات الجيش الإسرائيلي، ويغذي نظرية المؤامرة القائلة بأنهم، بالتحالف مع حركة الاحتجاج، سمحوا بطريقة ما بحدوث أحداث 7 أكتوبر. ويعتقد أنه الضحية النهائية لذلك اليوم. ومازال يجادل بأنه الوحيد الذي يمكنه إنقاذ إسرائيل من وادي الظلال، وأنه من يستطيع تحقيق "النصر الكامل". ويرفض النظر في أي نصيحة حول إنهاء الحرب، ويستمر في إعطاء الأولوية للحفاظ على ائتلافه، لأنه يبدو غير قادر على التمييز بين مصيره ومصير إسرائيل.

نتنياهو لا يتعلم من التاريخ

نتنياهو وهو في قمة زهوه وغطرسته لا يقرأ التاريخ، ولا يستفيد من دروسه. فحقائق الصراع ودروس الماضي القريب تتنافى تماما مع ما يروج له من نصر كان مستعدا لإعلانه في ذكرى السابع من أكتوبر الحالي، تقول فانيسا نيوباي الأستاذة المساعدة بمعهد الأمن والشئون العالمية بجامعة ليدن في 29 سبتمبر/ أيلول 2024 في مقال لها بموقع  "The Conversion" عنوانه: "سيكون من الخطأ أن تغزو إسرائيل لبنان": لدى إسرائيل سجل حافل من الانخراط في مغامرات عسكرية في لبنان لم تؤد إلا إلى جعل خصومها أقوى على المدى الطويل. إن تدمير منظمة التحرير الفلسطينية لم يمنع ظهور حماس، بل بل ساعد في إنشائها. وبالمثل، أدت ملاحقة إسرائيل لمنظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان إلى إنشاء حزب الله. وعلى الرغم من خمس غزوات منذ عام 1978، أظهرت إسرائيل أنها غير قادرة على احتلال حتى أصغر قطعة من الأراضي اللبنانية بنجاح. لا ينبغي لإسرائيل أن تفترض أن «حزب الله» أصبح خارج اللعبة أو تقلل من شأنه، فقوته الحقيقية تكمن دوما في قدرته على الذوبان بين السكان وسوف يكون مستعدا لبدء حرب استنزاف بتكتيكات الكر والفر إذا ارتكب الجيش الإسرائيلي خطأ نشر قوات على الأرض مرة أخرى. ويجب أن تكون حقيقة فشل جميع الغزوات الخمسة السابقة مؤشرا على أن النتيجة قد تكون تكرارا لما حدث بين عامي 1982 و 2006.

إن القوة المفرطة التي يستخدمها نتنياهو لن تحقق أهدافها، ولن تخفض الروح المعنوية. وإن القصف العشوائي من النوع الذي نشهده حاليا في لبنان لن يتسامح معه السكان إلى ما لا نهاية. كما أن التكلفة البشرية المترتبة على استراتيجية إسرائيل الحالية في لبنان ستخلق المزيد من الكراهية، وتعزز بروز جيل جديد من المقاتلين المناهضين لإسرائيل

عندما ينقلب السحر على الساحر

جمع نتنياهو، السامري الجديد، ذهب إسرائيل وقوتها لإنشاء شرق أوسط جديد، تكون إسرائيل هي القوة المهيمنة فيه، والمتحكمة في مصائره، والمتلاعبة بأقدار دوله وشعوبه. فهل ينجح السامري الجديد في ذلك؟ هذا ما أجاب عليه العديد من الكتاب مثل جدعون راشمان في مقاله "إسرائيل تحلم بشرق أوسط جديد" بالفايننشيال تايمز  24 سبتمبر/ أيلول 2024، فقال: "يقارن بعض المؤيدين المتحمسين لإسرائيل بين الضربة المذهلة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله وبين حرب 1967: انتصار إسرائيلي مفاجئ وغير متوقع غيّر ميزان القوى في الشرق الأوسط؛ لكن الوضع الحالي به مخاطر هائلة، فحزب الله مازال قادرا على ضرب المدن الإسرائيلية الرئيسية بالصواريخ مرارا وتكرارا. وإذا نفذت إسرائيل تهديداتها بغزو بري للبنان، فقد تجد نفسها في صراع يشبه المستنقع يستمر لسنوات – في وقت تخوض فيه حربا في غزة. قد يحلم نتنياهو بإقامة نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط؛ لكن الفوضى الإقليمية نتيجة الحرب الحالية هي  الأكثر توقعا".

إن أحداث الأيام الأخيرة منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 لم يسبق لها مثيل. فلم يحدث منذ 1948 أن احتل المقاتلون الفلسطينيون مجتمعات يهودية بهذا الحجم. وهذه الحقيقة ليست مجرد حكاية تاريخية؛ بل لها معنى سياسي مباشر إذ جاء الهجوم في الوقت الذي بدا فيه نتنياهو على وشك إكمال تحفته: السلام مع العالم العربي بينما يتجاهل الفلسطينيين تماما.
وعلق أيضا بيير هاسكي على خطة نتنياهو لإنشاء شرق أوسط جديد في مقال عنوانه "فخ المهمة المنجزة في الشرق الأوسط" بموقع أزمة العالم "World Crunch" في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، فقال "نقطة الضعف الرئيسية في هذه الخطة هي أنها تفكر من حيث الأنظمة، دون أخذ الناس في الاعتبار، وفي مقدمتهم الفلسطينيون الذين تحظى قضيتهم بصدى إقليمي وعالمي كبير، والذين لا تقدم لهم إسرائيل أي رد سوى القوة الغاشمة. وما حققه نتنياهو في لبنان يوقعه في خطر التسمم بالنصر وسكرته، مثلما حدث بعد حرب يونيو 1967، أو ما وقع فيه جورج بوش عام 2003، والذي كان يحلم أيضا ب "شرق أوسط جديد"، فقال بعد غزو العراق وإسقاط صدام: أن "المهمة أُنجزت"، ليجد نفسه بعد بضع سنوات في مواجهة عدو أكثر شراسة. فالعالم لا يعمل على أساس علاقات القوة وحدها.

سبب بقاء نتنياهو رغم إخفاقاته وكيف سيذهب؟

يناقش هذه القضية المهمة الكاتب: شاي جيسنبرج رئيس قسم الدراسات الأسيوية والشرق الأوسط بجامعة ديوك، في مقال له على موقع "The Conversion" في 19 سبتمبر/ أيلول 2024، عنوانه "كيف يحافظ نتنياهو على بقائه في منصبه"، فيقول:  على الرغم من كل الاحتجاج الشعبي الذي يتهم نتنياهو بالمسئولية عن الإخفاق وحياة الرهائن، فأن قبضته على السلطة قوية كما كانت دائما. ومع ذلك، يبدو أن اليهود الإسرائيليين يتفقون أيضا مع نتنياهو على أن الهدف النهائي للحرب هو اقتلاع حماس بالكامل، وليس إعادة الرهائن، وأنه يتحقق مع استمرار الحرب. لذا، يعتقدون أنه لا ينبغي لإسرائيل أن تلتزم بقوانين الحرب في هذه المعركة. وبالتالي، فإن الفرق بين الائتلاف الحاكم والعديد من منتقديه لا يتعلق بالنظرة العالمية أو الاستراتيجية أو التكتيكات أو أخلاقيات الإجراءات المتخذة في غزة، بقدر ما يتعلق بتقييم شخصية نتنياهو وأداء حكومته في أوقات الأزمات. وعلى الرغم من معدلات التأييد المنخفضة تاريخيا لنتنياهو وحكومته، فلم تتمكن أحزاب المعارضة من الاستفادة من الوضع سياسيا. لذلك، فإن حدثا استثنائيا فقط هو الذي يمكن أن يطيح بنتنياهو: إضراب عام وغير محدود لا يدعمه الهستدروت وأرباب العمل والقطاع الصناعي والمالي ككل، أو انقلاب عسكري بحكم الأمر الواقع أو بحكم القانون بدعم من جميع رؤساء الفروع العسكرية والأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية؛ أو فرض حظر عسكري ومالي على إسرائيل.

حماس تسقط مشروع نتنياهو لإسرائيل الكبرى

كتب الصحفي الإسرائيلي ميرون رابوبورت مقالا على موقع مركز كوينسي، عنوانه "نهاية عقيدة نتنياهو" في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قال فيه: إن أحداث الأيام الأخيرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لم يسبق لها مثيل. فلم يحدث منذ 1948 أن احتل المقاتلون الفلسطينيون مجتمعات يهودية بهذا الحجم. وهذه الحقيقة ليست مجرد حكاية تاريخية؛ بل لها معنى سياسي مباشر إذ جاء الهجوم  في الوقت الذي بدا فيه نتنياهو على وشك إكمال تحفته: السلام مع العالم العربي بينما يتجاهل الفلسطينيين تماما. لقد ذكر هذا الهجوم الإسرائيليين والعالم، بأن الفلسطينيين ما زالوا هنا، وأن الصراع المستمر منذ قرن يشملهم، وليس الإماراتيين أو السعوديين. وكان نتنياهو قد قدم نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل الحرب خريطة "الشرق الأوسط الجديد"، التي تصور دولة إسرائيل الممتدة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وبناء "ممر للسلام والازدهار" مع جيرانها في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. ولا تظهر على الخريطة دولة فلسطينية، أو حتى مجموعة الجيوب المنكمشة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية ظاهريا.

ما الذي سيتركه نتنياهو لإسرائيل بعد رحيله؟!

الصحفي أوليفر هولمز في مقال له بالجارديان في 13 يونيو/ حزيران 2021، أشرنا إليه سابقا، قال: إنشيل فيفر في كتابه "بيبي: الحياة المضطربة" عام 2018، تحدث عما سيتركه نتنياهو وراءه عندما يترك منصبه. وكتب: سيكون إرث نتنياهو الحزين هو تمهيد الطريق لإسرائيل أقل تسامحا وأكثر خطورة بكثير، لأنه في اليوم التالي لمغادرته، لن يكون إرثه النهائي دولة أكثر أمنا، بل مجتمعا إسرائيليا ممزقا بشدة يعيش خلف الجدران.
التعليقات (0)